لماذا جدار 14 آذار مُنخفض؟
هاني النصولي/النهار/25 كانون الثاني 2016
أوجه رسالة مباشرة الى رئيس كتلة “المستقبل” النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، وصريحة الى جمهور “ثورة الأرز”، وواضحة الى من يطوف في فلكهما من نواب ووزراء وأحزاب ومناصرين. في العصر الإسلامي، شهرَ أجدُادنا سيوفهم تأييداً لعدالة الخليفة عمر بن الخطاب وفتوحات صلاح الدين الأيوبي الذي حرّرَ مدينة القدس في معركة حطين. وفي الحقبة العربية، رفع أباؤنا بنادقهم دفاعاً عن عروبة جمال عبد الناصر وحقوق الشعب الفلسطيني المظلوم. وفي الزمن اللبناني، وقف أبناؤنا الى جانب نزاهة فؤاد شهاب وفكر كمال جنبلاط ولبنانية رفيق الحريري وفروسية جبران تويني وأبطال “ثورة الأرز”، الذين أخرجوا جيش الاحتلال الاسدي من لبنان. تاريخنا مليء بالكفاح من أجل الحرية والعدالة والسيادة وحقوق الانسان، فلماذا تستعجلون حواراً مع حزبٍ تعمّد رئيس كتلته إنزال الإساءة بالرئيس سعد الحريري، واصفاً ايّاه بأنه “وكيل عائلة خليجية… يعيش الإفلاس في ملاذه… يجب ألّا يجد مكانا له في لبنان من أجل نهب البلاد مرة جديدة”؟ لماذا يسارع الوزير نهاد المشنوق الى الجلوس مع حزبٍ صرّح وزيره: “ما نسمعه من وزير الداخلية على طاولة الحوار مغاير تماماً لما قاله في الاعلام، فصرنا أمام لسانين ولغتين ووجهين مناقضين”، كذلك أضاف أمينه العام السيد حسن نصرالله: “اذا أردتم ان تغادروا الحوار الله معكم، ولكن لا تمننونا”.
تاريخ اجدادِنا المجيد وأبائِنا الناصع ونضال ابنائِنا الفروسي، لا يأذن لأي كان في “تيار المستقبل” غضّ النظر أو ابتلاع اهانات “حزب الله” الشائنة، ومن بعدها الجلوس معه الى طاولة الحوار، وهو ليس بحوار. هل قرأتم في أي من صفحات التاريخ أنّ الأحزاب الفاشيّة تحاور؟ أتدّعون خشيتكم من الفتنة السنّية – الشيعية، وأنتم تعلمون يقيناً أن قرارها خارجي لا في يد “تيار المستقبل”. أتزعمون أنكم “أم الصبي” والصبي يهاجر تحت أعينكم في قوارب الهلاك هرباً من الفقر واليأس والذلّ والموت! لا تكونوا “رجال أعمال” في مواقفكم السياسية، فتتلهّون بإتمام الصفقات وتتعثرون في ترحيل النفايات، بدل الثبات على مبادئ “ثورة الأرز” والدفاع عن دماء الشهداء. لا تحوّلوا لبنان شركة مساهمة لجني المغانم، لتدونوا وطنكم في السجل التجاري لا في سجل الأمم. لا تشوّهوا النضال ليصبح شركة استثمارات تمارس المقاولات والتعهدات والمناقصات، عوض التضحيات لبناء المجتمع والوطن. لا تنحنوا، لا تنبطحوا، لا ترضخوا، لا تركعوا أمام “حزب الله” وحلفائه، بل كونوا فخورين بأنفسكم، معتزين بمواقفكم الوطنية، كما أرادكم الرئيس رفيق الحريري!
أتخشون أن يكشف “حزب الله” ملفاتكم المالية؟ ملفات توعّد بفتحها النائب محمد رعد، حين قال: “لو أردنا ان نفتح الملفات لسقط الهيكل فوق رؤوس الجميع، ولم يبقَ حجر على حجر في هذا البلد”. أتطعنون رئيس القوات اللبنانية حليفكم المسيحي القوي بخنجركم السياسي، كي ترشحوا لرئاسة الجمهورية الصديق الوفيّ لقاتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري والشعب السوري؟ أنتم من دفع الدكتور جعجع، مُكرهاً لترشيح الجنرال عون، كي يرد عنه طعناتكم السياسية. لماذا لم تكشفوا الى الآن هوية من سرّب الى وسائل الاعلام أن الرئيس الحريري طلب من النائب فرنجيه، مليار دولار سنوياً ليتمكن من الحكم، وان ترفع الضريبة على القيمة المضافة 5 نقاط دفعة واحدة من 10% الى 15%، وإصدار قوانين وقرارات لإخراج شركة “سوليدير” من ازماتها؟ ولمَ لم يصدر نفيٌ قاطعٌ من جانب “تيار المستقبل” وقادته؟ أليس مُخزياً أن ينكبّ نائب من صقور “تيار المستقبل” على اقناع جمهور 14 آذار، أن خيار التصويت لفرنجيه، “أفضل من خيار الجنرال عون، لأن الخطر اليوم لم يعد من سوريا، بل من “حزب الله”؟ ألهذا المستوى من الانحدار والجهالة السياسية وصل بعض كوادر “تيار المستقبل”؟ ثم نبصركم تتنافسون للوقوف أمام ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، متمتمين ببعض الآيات. فإلامَ سيصمت الرئيس الشهيد رفيق الحريري في ضريحه؟ إنها عقول “تيار المستقبل” المشوّشة والمواقف المرتجفة التي أذنت للوزير جبران باسيل، بالوقوف بكل جرأة أمام وزراء الخارجية العرب واعلان موقف مخالف للإجماع العربي وضد مصلحة لبنان. ولأن جدار 14 آذار أمسى منخفضاً، بالأمس أخلي ميشال سماحة ناقل المتفجرات ومهندس الفتنة الطائفية. هذا الإرهابي الذي تخلّى عنه رفيقه اللواء جميل السيّد، حيث رأى أنّ “سماحة خان ثقتي وأخطأ بحقي… فمن اليوم فصاعداً، كل في طريقه، انتهينا”. مما يعني ان سلامة اللواء السيّد الشخصية، تُلزمه الابتعاد عن سماحة، لإدراكه أنّ قراراً سورياً بالتصفية قد اتخذ!
لحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.
السعودية الجديدة من خلال بيان الخارجية
خيرالله خيرالله/العرب/25 كانون الثاني/16
من يريد التأكّد من أن هناك شيئا اسمه المملكة العربية السعودية الجديدة، يستطيع التمعّن في قراءة البيان الذي صدر قبل أيّام عن وزارة الخارجية في الرياض في شأن “توضيح السياسات العدوانية لإيران على مدى خمسة وثلاثين عاما”. للمرّة الأولى تذهب السعودية إلى توصيف دقيق مدعوم بالوقائع والتواريخ للنشاط الإرهابي الإيراني منذ الثورة التي قادها آية الله الخميني في العام 1979. كان البيان طويلا ما يكفي للإحاطة بقضايا عدّة. تضمّن 58 فقرة، تتعلّق كلّ منها بحادث إرهابي معيّن. لم يقتصر الأمر على العمليات الإرهابية التي استهدفت المملكة العربية السعودية والتي كانت إيران وراءها. كان واضحا أنّ هناك إلماما سعوديا بالتفاصيل الدقيقة التي أحاطت بظروف كلّ عملية إرهابية، مع الإشارة إلى أنّ “المملكة مارست سياسة ضبط النفس طوال هذه الفترة، على الرغم من معاناتها المستمرة مع دول المنطقة والعالم من السياسات العدوانية الإيرانية”. ما نشرته الخارجية السعودية كان “ورقة حقائق” بالفعل. الحقائق مدعومة بالأرقام والتواريخ والأسماء مع شرح لموقف المملكة من البرنامج النووي الإيراني، ذلك أن الرياض لم تعترض على هذا البرنامج في حال كان سلميا، ولم تعارض الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني الذي قبلت به الولايات المتحدة. كلّ ما في الأمر أن السعودية “أيّدت علنا أي اتفاق يمنع حصول إيران على السلاح النووي ويشمل آلية تفتيش صارمة ودائمة مع إمكان إعادة العقوبات في حال انتهاك إيران لهذا الاتفاق، وهو الأمر الذي أكّدت عليه الولايات المتحدة”. في النهاية، يبدو مشروعا أن تطرح السعودية وكلّ دول المنطقة سؤالا في غاية البساطة: هل إيران دولة طبيعية تريد العيش بسلام وأمان مع جيرانها، أم تعتبر نفسها قوّة إقليمية ذات مشروع توسّعي مكشوف؟ أجاب بيان الخارجية السعودية عن السؤال بأنّ “على إيران أن تحدّد ما إذا كانت ثورة تعيش حالا من الفوضى وتضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية، أو أنّها دولة تحترم الاتفاقات والمعاهدات الدولية ومبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى”.
ليس سرّا أن بيان الخارجية السعودية لا يستهدف إيران فقط. إنّه يذكّر الإدارة الأميركية بالعمليات الإرهابية التي استهدفت مواطني الولايات المتحدة من عسكريين ومدنيين. هل في واشنطن من يريد أن يتذكّر من جهة، وأن يستوعب أن الملف النووي الإيراني لا يختزل كلّ مشاكل المنطقة من جهة أخرى؟
يُفترض في الإدارة الأميركية أن تطرح على نفسها السؤال نفسه الذي طرحته دول الخليج: هل تغيّر شيء في إيران بعد التوصل إلى اتفاق بينها وبين مجموعة الخمسة زائدا واحدا في شأن الملفّ النووي؟ من الواضح أن الإدارة الأميركية في عالم آخر. لذلك كان لا بدّ من تذكيرها بنسف السفارة الأميركية في بيروت في العام 1983. قتل في العملية الإرهابية التي تقف وراءها إيران عدد كبير من الأميركيين. ما لم تذكره وزارة الخارجية أن بين الذين قتلوا كبار ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إي) في بلدان الشرق الأوسط. على رأس هؤلاء كان بوب ايمز المسؤول، وقتذاك، عن المنطقة في الوكالة والذي سبق له أن عمل في إيران وكان أوّل من نبّهها إلى احتمال حصول هجوم عراقي عليها في العام 1980. هذا على الأقل ما أورده كاي بيرد في كتابه “الجاسوس الطيّب” الذي يروي قصة بوب ايمز الذي أقام أول علاقة بين الإدارة الأميركية ومنظمة التحرير الفلسطينية عن طريق علي حسن سلامة (أبو حسن).
في ظلّ السياسة الجديدة للسعودية، لم يعد مجال للتستر على الحقائق، بما في ذلك تورّط إيران في تفجير الخبر في العام 1996 وعلاقتها بـ”القاعدة” وإيوائها قياديين من هذا التنظيم الإرهابي.
لم يعد من مجال لنصف حقائق ومراعاة لهذا الطرف أو ذاك، في وقت تتعرّض السعودية في عهد الملك سلمان لهجمات من جهات مختلفة على رأسها إيران.
باختصار، هناك سياسة سعودية مختلفة بدأت تتبلور منذ حصول التدخل في البحرين لوضع حدّ للأطماع الإيرانية. أخذت هذه السياسة بعدا جديدا عندما وقفت المملكة إلى جانب الثورة الشعبية في مصر، وهي الثورة التي أخرجت الإخوان المسلمين من السلطة في يونيو 2013. لم يكن من مجال لحلول وسط عندما بدأت إيران تتسلل إلى مصر عن طريق الإخوان المسلمين. لكنّ نقطة التحوّل الحقيقية كانت في أواخر آذار ـ مارس الماضي في اليمن. اتخذ الملك سلمان والأمير محمّد بن سلمان وليّ وليّ العهد قرارا بالتدخل لوضع حدّ للنشاط الإيراني التوسّعي في اليمن. ما نشهده اليوم تابع لـ”عاصفة الحزم”.
كان قطع العلاقات مع إيران بعد إحراق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد حلقة في المسلسل الذي بدأ بـ”عاصفة الحزم” والذي لا يمكن أن ينتهي سوى بتحقيق الهدف المطلوب في اليمن بغض النظر عن التضحيات. بكلام أوضح، لا يمكن للسعودية ودول الخليج القبول بأن يكون اليمن مستعمرة إيرانية، كما حال لبنان حاليا. كان بيان الخارجية السعودية، الذي ترافق مع مقال نشره الوزير عادل الجبير في “نيويورك تايمز” ردّا على وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف، تتويجا لمرحلة جديدة لا تقبل فيها الرياض أي تردّد من أي نوع. من إيجابيات المقال الذي نشره ظريف أنّه كشف أن ضحكة الوزير الإيراني ليست سوى قناع يغطي جانبا من مشروع توسّعي ذي طابع عنصري لا أكثر. تتسم هذه المرحلة الجديدة بالوضوح والإقدام والجرأة. الأمر لم يعد مقتصرا على تسمية الأشياء بأسمائها والعمل على استعادة اليمن فحسب، بل يشمل أيضا سياسة اقتصادية تتلاءم والمرحلة وإصلاحات تأخذ في الاعتبار أن الحرب على الإرهاب بكل أشكاله، الشيعية والسنّية، ستكون حربا طويلة، بل طويلة جدا. تدور هذه الحرب على الإرهاب في ظلّ الهبوط، الذي لا سابق له، لأسعار النفط جعل الاقتصاد الروسي يترنّح، وفي ظلّ معطيات دولية تفرض عدم الرهان بأي شكل على سياسة أميركية تتسم بالحد الأدنى من الواقعية والفهم لما يدور في الشرق الأوسط.
هل من دليل على مدى السذاجة الأميركية، أو الانحياز إلى طهران، أكثر من التغاضي عن الجرائم التي ترتكبها الميليشيات المذهبية التابعة لإيران في المناطق العربية ذات الأكثرية السنّية في العراق أو في سوريا؟ لماذا ترفض الإدارة الأميركية سماع شيء عما يدور في محافظة ديالى العراقية أو بلدة مضايا السورية على سبيل المثال وليس الحصر؟ نحن أمام شرق أوسط جديد، ولكن أمام السعودية الجديدة أيضا. الأكيد أن البيان الصادر عن وزارة الخارجية في الرياض لن يكون الأوّل والأخير من نوعه.
الطائفية.. منزلق الصراع السعودي الإيراني الأخطر
محمد الحمامصي/العرب/25 كانون الثاني/16
حذر المشاركون في ندوة “الصراع السعودي الإيراني: قراءة في المشهد السياسي الإقليمي” التي أقيمت ضمن سلسلة مناقشات المائدة المستديرة “ما وراء الأحداث” التي تنظمها الجامعة الأميركية بالقاهرة، من تحول الصراع السعودي الإيراني إلى صراع مذهبي، سيحمل عواقب وخيمة ليس للطرفين المتصارعين وحدهما ولكن للمنطقة كلها، مؤكدين أهمية الإصرار على بقائه صراعا جيوسياسيا، حيث يمكن تحديد نقاط الاختلاف والاتفاق والعمل على زيادة نقاط الاتفاق، وذكروا بنظرية الاحتواء المزدوج التي تم استخدامها في الحرب العراقية الإيرانية، ونظرية الانكشاف الاستراتيجي وخطورتها على السعودية. مصطفى السيد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة نفى أن يكون الصراع السعودي الإيراني صراعا مذهبيا أو طائفيا، وقال “تاريخيا لا يوجد تنافس بين السعودية وإيران. في الخمسينات والستينات من القرن الماضي لم يكن هناك تنافس بينهما بل تعاون، السعودية بصفة عامة كانت تندرج ضمن المعسكر الغربي، وإيران في ظل حكم الشاه كانت تندرج في هذا المعسكر، والدولتان كانتا تتصديان للاتجاهات الراديكالية والقومية في المنطقة، وكانتا تحظيان بعلاقات متميزة مع الولايات المتحدة الأميركية، والدول الغربية.
صراع سياسي
يؤكد مصطفى السيد أن التوتر بين البلدين بدأ مع الثورة الإيرانية عام 1979 حيث سعت الحكومة الإيرانية منذ ذلك الوقت إلى تصدير الثورة في المنطقة، وحتى لو لم تحاول أن تصدرها فالمبادئ التي انتصرت لها من العداء لأميركا والغرب وإسرائيل، والعداء للثقافة الأوروبية، جعلا منها نموذجا تتطلع إليه عناصر كثيرة من الحركات السياسية في الوطن العربي، ولا شك أن بعض القيم التي انتصرت لها الثورة كان يتعارض مع ما كانت تريده السعودية التي تتمتع بسياسة خارجية محافظة، ولا تسعى لقلب نظم الحكم في الدول الأخرى لكن تريد أن يتحقق قدر من الاستقرار في المحيط العربي والإقليمي.
الخطاب الطائفي يستخدم من جانب إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة، ويستخدم على المستوى المحلي الإيراني من جانب قادة سياسيين لبناء رأس مال سياسي وأضاف “البعض الآن يريد أن يكسب الصراع طابعا طائفيا ويخرج به من التنافس على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط إلى تنافس بين قوتين تمثلان طائفتين إسلاميتين: الطائفة السنية والطائفة الشيعية، والذي يعزز من هذا أن إيران تعتمد بشكل أساسي على القوى الشيعية في دول المنطقة لتعزيز نفوذها فهي تدعم حزب الله في لبنان، وتؤيد القوى الشيعية في البحرين، والحوثيين في اليمن، وتنتصر لقوى شيعية أخرى في المنطقة، ومن هنا بدا الصراع وكأنه صراع بين الشيعة والسنة، لكن الحقيقة ليس هناك خلاف على تفسير الدين، لكنه خلاف حول امتداد النفوذ الإيراني في المنطقة. وقد شعرت السعودية بأن ذلك يشكل خطرا، نظرا لوجود أقلية شيعية لديها، وفي بقية دول الخليج الأخرى خصوصا في البحرين، والأقلية هنا ليست بالمعنى العددي ولكن بالمعنى السياسي. مثلا يمكن القول إن شيعة العراق كانوا يمثلون أقلية من الناحية السياسية، أي أن حقوقهم السياسية كانت مهدورة، لكن مثلا الشيعة في الإمارات أو قطر والكويت وعمان لم يواجهوا أي نوع من التمييز في ممارسة شعائرهم”. وأوضح السيد “في الفترة الأخيرة امتد النفوذ الإيراني إلى عدد من الدول العربية مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق، وهو الأمر الذي أعطى زخما لهذا التنافس بين الدولتين، حيث شعرت السعودية بأن تعاظم النفوذ الإيراني يمثل تهديدا لها خصوصا وأن تصريحات القادة الإيرانيين تذهب في هذا الاتجاه”. وشدد على أن الصراع ليس صراعا طائفيا ولا مذهبيا بالأساس ولكنه صراع سياسي، وحذر من تصاعد الخطابين السني والشيعي، قائلا “الخطاب الطائفي يستخدم من جانب إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة، ويستخدم على المستوى المحلي الإيراني من جانب قادة سياسيين لبناء رأس مال سياسي، وهذا الأمر على درجة عالية من الخطورة، لأن المشاعر الطائفية تختلف عن أي أساس آخر للانقسامات والخلافات السياسية، حيث يمكن لأي انقسامات أو خلافات سياسية أن تصل إلى حلول عبر التفاوض حولها، أما الخلاف الطائفي فهو مبني على العاطفة ولا مجال فيه للعقل، حيث أن الجماعات هنا تتعاطف مع من ينتمون إلى نفس الجماعة الأولية التي ولدت فيها ووفقا لمبادئها وخصائصها. هذا التعاطف أو التضامن في جانب منه لاعقلاني، من هنا من الصعب الوصول إلى تسوية لمثل هذه النزاعات الطائفية”. ورأى السيد أن إيران أقوى وأخطر في استخدام المشاعر الطائفية، “السعودية حاولت أن تجند المشاعر السنية من خلال هذا التحالف السني الواسع الذي دعت إليه، لكن مهارة السعودية في استخدام العامل الطائفي أقل بكثير من المهارة الإيرانية. وإذا كانت إيران نجحت في استخدام السلاح الطائفي بالمقارنة مع السعودية، فهذا لا يعني أن إيران صفحتها بيضاء تماما في ما يتعلق بالأقليات الموجودة فيها، وأبعاد المشكلة الطائفية الموجودة لديها سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، بالتأكيد هناك قيود على الاعتراف بهوية كل طائفة سواء كانت كردية أو عربية أو سنية في إيران”.
بهجت قرني: المذهبية فخ يؤدي إلى طريق مسدود والأساس أن الصراع جيوسياسي
فخ طائفي
شدد بهجت قرني أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة، ومدير منتدى الجامعة، على أهمية التأكيد على الناحية الجيوسياسية في الصراع، محذرا الإعلام من الاستمرار في تبني الناحية المذهبية، وقال “لاحظت أن الإعلام الخليجي تسيطر عليه الناحية المذهبية”. واعتبر أن ما يجري فخ للدول الإسلامية، وقال إن “الصراع بين إيران والسعودية طويل المدى، أيام الشاه كانت هناك منافسة، لكن العلاقات كان فيها نوع من الود، لكن مع الثورة الإيرانية 1979 تصاعدت الأمور بطريقة مختلفة، والأزمة الحالية ظهرت على السطح بعد إعدام 47 مواطنا سعوديا، احتجت إيران على إعدام واحد فقط وتناست الـ 46 الآخرين، وكل ما همّها أنه شخص شيعي في حين أن الـ 46 الباقين بلا أهمية، وأعطت الأمر ناحية مذهبية. أعتقد أن ذلك فخ للدول الإسلامية للوقوع فيه، وهنا تكمن أهمية الناحية الجيوسياسية، وأتمنى ألا ينجر متخذو القرار في الجانبين وراء الناحية المذهبية، لأن ذلك سيصبح كارثة على المنطقة عامة والعالم الإسلامي خاصة. لأن التفكير بطريقة جيوسياسية سوف يمكن من احتواء الصراع ومن ثم حله في وقت ما”. وأشار إلى أن الناحية الجيوسياسية ناحية عملية؛ “لو أكدنا على الناحية الجيوسياسية يمكن ضمان الحشد الدولي الذي لا يمكن أن يتوفر مع الناحية المذهبية بل ستكون هناك نظرة دونية لكل المنطقة جراءها”.
وحذر من ذوي النوايا السيئة الذين يدعمون نظرية الصراع المذهبي تحت مقولة “نريد للإثنين أن يستنزفا بعضهما البعض”، وهناك نظرية كانت موجودة من طرف مفكر اسمه مارتن إيندك، الذي كان سفيرا لأميركا في إسرائيل وكان مستشار الأمن القومي للرئيس كلينتون، مارتن هذا قدم أيام الحرب العراقية الإيرانية نظرية “الاحتواء المزدوج” قال “لنجعل العراق وإيران يستمران في الصراع كأنهما وحشان يتقاتلان ويجهزان على بعضها”، وربما البعض ذكر أنه “كلما كانت الأمور تدخل في إطار الهدوء بين الدولتين كان يتم صب الزيت لتشتعل النار مرة أخرى”، وأنا في الحقيقة لا أسميها نظرية “الاحتواء المزدوج” ولكن أسميها “نظرية الاستنزاف المزدوج” بحيث تصل بالطرفين إلى نوع من الموت البطيء، والنتيجة أن الخصم البعيد هو المستفيد الوحيد. وأكد أن الناحية المذهبية فخ يؤدي إلى طريق مسدود، وقال “الأساس أن الصراع جيوسياسي، لأنه في الصراع الجيوسياسي يمكن تحديد نقاط الاختلاف ونقاط الاتفاق وتقيل مساحة الاختلاف وزيادة مساحة الاتفاق. لكن الصراع الشيعي السني لا يخضع لهذه الحسابات”.