من حقيبة النهار الديبلوماسية جنيف: الأسد يخسر في السلم وفي الحرب
عبد الكريم أبو النصر/النهار/5 شباط 2016
“العملية التفاوضية الجديدة لحل الأزمة السورية التي يرعاها المبعوث الأممي ستافان دو ميستورا في جنيف وتشرف عليها الدول المؤثّرة تتحكّم في أعمالها وتوجّهاتها حقيقتان أساسيّتان هما: الأولى أنه ليس ممكناً وقف الحرب وتحقيق السلام في سوريا عن طريق التعاون مع نظام الرئيس بشار الأسد بل إن من الضروري والحيوي اشراك المعارضة المعتدلة في الجهود الديبلوماسية لأنها الطرف الأساسي الذي يمثل الشعب المحتج. والحقيقة الثانية أن نظام الأسد في مأزق على رغم الدعم الروسي – الإيراني الكبير له، إذ انه سيخسر في السلم وفي حال انخراطه جدّياً في العملية التفاوضية والموافقة على تنفيذ متطلّباتها، وسيخسر في الحرب في حال انقلابه على العملية التفاوضية ومواصلته القتال”. هكذا اختصر مسؤول دولي معني مباشرة بملف الأزمة السورية الوضع، وقال: “بالنسبة إلى الحقيقة الأولى يظهر بوضوح أن السلام لن يتحقّق في سوريا في غياب المعارضة المعتدلة عن طاولة المفاوضات ومن غير منحها الدور الأساسي الذي تستحقه في عملية حل الأزمة، ذلك أن القرارات والتفاهمات الدولية تنص بوضوح على أن الحل السياسي الدائم للأزمة يتطلّب مفاوضات في إشراف دولي بين ممثلي النظام والمعارضة والوقائع تظهر أن نظام الأسد عاجز عن وقف الحرب التي فجّرها وعن حل الأزمة وأن الاكتفاء بالتعاون معه يطيل الحرب ويلحق المزيد من الكوارث بالبلد ويغذّي الارهاب. والمقصود بالمعارضة المعتدلة المشروعة هي تلك التي اجتمعت الغالبية العظمى من تنظيماتها وأحزابها وفصائلها وشخصياتها في الرياض في كانون الأول الماضي وشكلت هيئة عليا للمفاوضات برئاسة رياض حجاب ووفداً متكاملاً للتفاوض مع ممثلي النظام، واتّفقت على مشروع سياسي موحّد للمفاوضات. وقد حاولت القيادة الروسية إضعاف هذه المعارضة أو اختراقها إذ وضعت قائمة تضم 14 شخصاً موالين لها وطالبت بضمهم إلى وفد المعارضة الحقيقية أو تشكيل وفد مستقل منهم يتقاسم مع وفد الرياض وعلى قدم المساواة مهمّة التفاوض مع النظام. لكن هذه المحاولة الروسية فشلت، إذ ان دو ميستورا رفض اقتراح موسكو مدعوماً في ذلك من أميركا والدول الحليفة لها وأكد رسمياً أن المعارضة المنبثقة من اجتماعات الرياض هي الممثل الشرعي الحقيقي لقوى المعارضة وهي التي ستتفاوض وحدها مع وفد النظام. وفي المقابل دعا دو ميستورا معارضي موسكو الى جنيف بصفة شخصية على أساس أن يكونوا مستشارين له لكنهم لن يشاركوا في المفاوضات مع النظام”.
وأضاف المسؤول الدولي: “بالنسبة إلى الحقيقة الثانية فإن الأسد يجد نفسه أمام خيارين يؤدي كلاهما الى إنهاء حكمه. الخيار الأول أن ينخرط في العملية التفاوضية الجديدة مع المعارضة وينفذ المطالب الدولية استناداً إلى ما أكّده دو ميستورا خطياً ورسمياً وباقي الدول المعنيّة من أن المفاوضات ستجري على أساس تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 2254 الذي ينص حرفياً على الآتي: “إن الوسيلة الوحيدة لإيجاد حل دائم للأزمة السورية هي عملية سياسية تهدف إلى التطبيق الكامل لبنود بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 الذي تبنّاه قرار مجلس الأمن الرقم 2118، وخصوصاً تشكيل هيئة حكم انتقالي تمتلك السلطات التنفيذية الكاملة على أساس القبول المتبادل” بين النظام والمعارضة. وينص بيان جنيف على ضرورة انتقال السلطة إلى نظام جديد تعددي ديموقراطي يحقّق التطلّعات المشروعة لكل مكوّنات الشعب السوري. الخيار الثاني هو ان يرفض الأسد أو يتهرّب من تنفيذ هذه المطالب الدولية فتتواصل حينذاك الحرب وتتلقّى قوى المعارضة المزيد من الدعم العسكري. وفي أي حال ستكون هذه الحرب عبثية وستلحق المزيد من الكوراث بسوريا ولن يستطيع الأسد الانتصار فيها لأن الانتصار الحقيقي ليس عسكريّاً بل يتطلّب امتلاك القدرة على حكم سوريا مجدداً وتوحيد شعبها واعادة بنائها وإيجاد الحلول لمشكلاتها الهائلة. والنظام المتمسك بالقوة وحدها والمعزول إقليمياً ودولياً على أوسع نطاق والمنهك إلى أقصى حد وفي كل المجالات عاجز عن تحقيق هذه الأهداف، الأمر الذي يعني أن تواصل الحرب سيقود في مرحلة ما إلى إنهاء حكم الأسد”. وخلص المسؤول الدولي إلى القول: “نظام الأسد خاسر في السلم وفي الحرب فلن تنقذه العمليات الحربية أياً يكن حجمها ولن تنقذه مفاوضات جنيف التي علّقها دو ميستورا إلى 25 شباط الجاري من أجل الإفساح في المجال لتدخّل دولي جدّي يصحّح مسارها”.
أبعد من الدويلة العلوية
وليد شقير/الحياة/05 شباط/16
تأجيل انطلاقة المفاوضات بين النظام والمعارضة في جنيف – 3 هو نسخة طبق الأصل عن إفشال جنيف – 1 وجنيف -2. وكما حصل في المحاولتين السابقتين، وافق النظام السوري على التفاوض على أمل نسف أسسه وتأجيل الحل السياسي. أما الهدف البعيد فهو نسف هذا الحل لتكون النتيجة الواقعية بقاء بشار الأسد في السلطة من دون تغيير في تركيبة سلطته. وإذا كان إفشال المحاولتين السابقتين تم لإعطاء المزيد من الوقت لإيران كي تعدّل ميزان القوى على الأرض فإن تأجيل جنيف – 3 هو لإعطاء المزيد من الوقت لموسكو كي تواصل تعديل ميزان القوى الميداني بالتحالف مع إيران والميليشيات المتعددة الجنسية التابعة لها. فالمعلومات الواردة من دوائر القرار أن القيادة الروسية طلبت، أثناء المناقشات بينها وبين الإدارة الأميركية حول إمكان تنفيذ بعض مطالب المعارضة بفك الحصار عن مدن وقرى وبوقف النار أثناء التفاوض، إعطاءها المزيد من الوقت لترتيب الأمور تمهيداً لولوج هاتين النقطتين. وواشنطن وافقت على الطلب الروسي، تحت غطاء تصريحات وزير خارجيتها جون كيري بأن مطالب المعارضة بفك الحصار وعمليات التجويع ووقف النار وقصف المواقع المدنية، محقة. وسرعان ما بدا أن هذه التصريحات والوعود بالأخذ بمطالب المعارضة، لإقناعها بالمجيء الى جنيف هي رياء جديد من جانب الأميركيين، وعدم ممانعة من قبلهم في أن تواصل موسكو سياسة الأرض المحروقة بقصفها المجنون لمناطق المعارضة المعتدلة بموازاة قصف رمزي للمناطق التي يسيطر عليها «داعش». كان واضحا قبل موعد جنيف – 3 أن وقف النار متعذر، لأن تفاهمات واشنطن وموسكو لم تشمل أي جهد لتنفيذ الفقرة المتعلقة بوضع آلية لوقف النار في القرار الدولي الرقم 2254. فكيف يمكن وقف النار من دون تحديد وسائل فرضه وسط فوضى القتال الجاري وإذا لم يشمل إنزال مراقبين له أو قوات فصل في بعض الأماكن. وهذا ما يتجنب الدب الروسي مناقشته وتتواطأ معه الإدارة الأميركية في عدم الإقدام عليه. إلا أن التطورات الميدانية التي تعجل الآلة العسكرية الروسية الوحشية في تحقيقها أخذت تكشف عن أهداف تتعدى ما قاله وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عن أن روسيا تساعد الأسد على إقامة دولة علوية على الساحل السوري. وإذا كان هذا هو الهدف الأدنى لموسكو لتثبيت نفوذها في سورية، وسبق أن طلبت من إسرائيل عبر علاقتها الخاصة بها عدم التخريب على قيام دويلة كهذه، فإن موسكو باتت تطمح الى أكثر من ضمان الدويلة و «سوريا المفيدة» تحت سيطرتها وإدارة نظام الأسد، فتوسع قوات الأخير مع الميليشيات الإيرانية والعراقية و «حزب الله» تحت الغطاء الجوي الروسي بات يشمل إدلب وحلب وجسر الشغور، ولا يقتصر على ضمان أمن اللاذقية وريفها والساحل والطريق إليها من دمشق. النتائج الميدانية للأيام القليلة الماضية تكشف أن الوقت المستقطع الذي طلبته موسكو هدفه استعادة معظم المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة وصولاً الى حلب في الشمال، بهدف تقزيم الدور التركي في سورية، وإلغاء المعارضة والفصائل المعتدلة بهدف إعادة النظر بتركيبة الوفد المفاوض مع النظام، وإبقاء المناطق التي تسيطر عليها في مناطق محدودة على الحدود مع العراق، وترك المناطق الشرقية والشمالية الشرقية بعهدة «داعش»، بحجة أن تطهيرها يتم لاحقاً، بحيث تصبح مناطق سيطرة النظام أكبر بكثير من دويلة الساحل. فالمؤشرات الميدانية تدل الى أنه سيترك للنظام والقوات الإيرانية قضم ما تستطيعه من الجنوب ومحافظة درعا، في ظل الإحجام الأردني عن دعم «الجيش الحر» والفصائل المقاتلة، فضلاً عن تطهير ريف دمشق من أجل ضمان الطريق بين الأخيرة ولبنان كممر إيراني الى البحر المتوسط. خذل «أصدقاء سورية» الشعب السوري للمرة العاشرة، سواء لجهة الدعم العسكري أو لجهة التفاوض على العملية السياسية، بما يمهد لإطالة الحرب السورية سنوات أخرى. وبات على المعارضة أن تبحث عن إستراتيجية جديدة لإدارة موقعها في المحنة السورية الطويلة.