“حزب الله” يريد انتخاب الرئيس برفع الأيدي وليس بالاقتراع السري كما نص الدستور
اميل خوري/النهار/11 شباط 2016
بات واضحاً لكثير من المراقبين أن إيران لا تريد اجراء انتخابات رئاسية في الوقت الحاضر أياً كان المرشّح لأنها تنتظر تبلور صورة الوضع في سوريا لتقول كلمتها. فإذا كانت الصورة ترضيها كان للبنان رئيس له وجه وإلا كان له وجه آخر. ولا تريد إيران اجراء الانتخابات لأنها ليست واثقة من أن الاكثرية النيابية ستنتخب من تريد كما كانت سوريا واثقة من وقوف الأكثرية مع المرشح الذي تريد. لذلك تفضل إيران تعطيل جلسات الانتخاب الى أن تتأكد من إيصال من تريد الى قصر بعبدا، أو الاتفاق مع من يجب الاتفاق معهم على رئيس تسوية أو توافق وإن تحوّلت الانتخابات الرئاسية الى مسرحية مضحكة.
والسؤال المطروح في أوساط سياسية ورسمية وشعبية هو: هل يظل الرئيس سعد الحريري مؤيداً لترشيح النائب سليمان فرنجيه والدكتور سمير جعجع مؤيداً للعماد ميشال عون بعدما غابا عن جلسة الانتخاب الأخيرة لتأكيد تضامنهما مع “حزب الله” في مقاطعة الجلسات برغم أن عليهما الحضور كونهما مرشحين وإلا كان ترشيحهما كمن يراهن على حصان لا يدخل ميدان السباق، أو كمن يدعى الى عرس ولا تحضر العروس أو العريس؟ لقد برر الرئيس الحريري والدكتور جعجع ترشيح فرنجيه وعون بالقول إنهما تعاملا مع الأمر الواقع من دون الدخول في تفسير ذلك، وقد يكون الأمر الواقع هو أن لا انتخاب رئيس للجمهورية ما لم يكن المرشح من 8 آذار تأميناً للنصاب. أما وقد فشل الرهان على ذلك فهل يعيدان النظر في ترشيحهما، أم ان التعامل مع الواقع له تفسير آخر وهو ان لا رئيس إلا اذا كان من 8 آذار شرط ان يلتزم الخط السياسي لـ14 آذار وإلا تعود الخلافات والمناكفات بين رئيس جمهورية من 8 آذار ورئيس حكومة من 14 آذار لأن لكل منهما سياسة تخالف سياسة الآخر، ما يجعل عمل كل حكومة معرضاً للشلل، لا بل قد يتعرقل تشكيل الحكومة، ثم لا يتفق اعضاؤها على بيان وزاري يحدد سياسة واحدة لها. لقد دعا النائب “القواتي” جورج عدوان الى السعي لكي ينسحب فرنجيه للعماد عون وان توافق 14 آذار عليه كي تصبح الأكثرية النيابية مضمونة لفوزه. لكن دعوة عدوان تطرح في أوساط قوى 14 آذار سؤالاً مهماً هو: ما هي السياسة التي سيلتزمها عون اذا فاز بالرئاسة وقد سجَّل اول مخالفة لبنود “اعلان النيات” بعدم حضوره جلسة الانتخاب وبحديثه التلفزيوني المناقض لهذه البنود؟ لذلك فإن العماد عون لن يكون مقبولاً من 14 آذار إلا اذا أعلن في بيان رسمي ما هي السياسة التي سينتهجها بالنسبة الى سلاح “حزب الله” ومن يتخذ قرار السلم والحرب، وتحييد لبنان عن صراعات المحاور. وقد يكون هذا مطلوباً شرحه لقوى 14 آذار كي تقتنع بترشيح عون، فإذا كان القصد من هذا الترشح هو تأمين النصاب، فإن عون استمر في تعطيل النصاب، واذا كان لالتزامه سياسة 14 آذار أو سياسة تلتقي عليها 8 و14 آذار، وهذا ما يفسره الالتقاء في منتصف الطريق لضمان الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد ولا يظل مكتوباً للبنان أن يختار بين استمرار الشغور الرئاسي أو القبول بالمرشح الذي تريده إيران وحلفاؤها، وعندها يكون لبنان الرسمي قد انحاز الى المحور الإيراني الذي هو في صراع حاد مع محور آخر، فيدفع لبنان في كل مرة ثمن هذا الانحياز غالياً من سيادته واستقلاله وحرية قراره، وهو ما يجعل استمرار الشغور الرئاسي أقل ضرراً من اعتماد سياسة الانحياز.
الواقع أن لبنان لم يشهد في تاريخه ما يشهده اليوم، لا في انتخاب رئيس للجمهورية ولا في تشكيل الحكومات. فـ”حزب الله” ومن معه لا يحترم الدستور الذي وضع آلية لانتخاب الرئيس بالاقتراع السري وهو يريد الاقتراع العلني وبرفع الأيدي، ولا احترام الآلية التي نص عليها الدستور عند تشكيل الحكومات وكأنه يريد أن ينتقل لبنان من النظام الديموقراطي الى النظام الشمولي إما بقوة السلاح وإما بانقلاب أبيض. لقد أمل الناس في أن تكون جلسة 8 شباط وقد انعقدت يوم “اثنين الرماد” عند المسيحيين، يوماً يخرج فيه لبنان من هذا الرماد كما خرج طائر الفينيق، لا أن يظل انتخاب رئيس جمرة تحته فيستجيب النواب دعوة القادة السياسيين والروحيين في لبنان والعالم لحضور جلسة الانتخاب، وهو حضور إن لم ينص عليه الدستور صراحة فقد أملاه عليهم الواجب الوطني كما قال الرئيس نبيه بري، وعندها لا تبقى حاجة الى تعديل الدستور، وهو ما بادر الوزير بطرس حرب الى التقدم باقتراح لهذه الغاية، علماً أنه قد يكون من الصعب تأمين نصاب الثلثين في مجلس النواب لدرس هذا الاقتراح وإقراره، ثم تأمين نصاب الثلثين في مجلس الوزراء وكل وزير في الحكومة جاء من مكان… وبعضهم يسمع صوت الخارج وليس صوت الشعب.
الصراع على حلب قد ينسف القرار 2254 الدول تواجه عدم التكافؤ الأميركي- الروسي
روزانا بومنصف/النهار/11 شباط 2016
قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه اقترح خطة ملموسة لحل الازمة السورية وعرضها على واشنطن، فيما يتوقع ان تبحث المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تجتمع في ميونيخ اليوم في ما سبق للافروف أن أعلنه الاسبوع الماضي عن أن بلاده ستقدم اقتراحات لوقف النار في سوريا خلال هذا الاجتماع. ومن أبرز عناصرها أن إغلاق الحدود التركية – السورية لوقف الامدادات للجماعات المسلحة هو الشرط الاساسي لوقف النار في سوريا كما قال، فيما تمسك روسيا بسلاح تمكين قوات النظام والميليشيات الشيعية الداعمة له من حلب مجددا. تسعى روسيا وفق ما تكشف مصادر ديبلوماسية اولا الى اعادة تسليط الضوء على المسار السياسي للحرب السورية وتحييد الانظار عن موضوع المساعدات الانسانية واللاجئين الى الحدود التركية الذين تزايدت أعدادهم في الايام الاخيرة، وقد أحرجها الموقف الغربي المتزايد الذي يضع عليها ملامة إجهاض مفاوضات جنيف عبر بدء الحملة على حلب من حيث التوقيت بالتزامن مع انطلاق المفاوضات، كما يلقي عليها مسؤولية ارتفاع أعداد اللاجئين الذين هربوا من ريف حلب وجوارها. كذلك تسعى الى الإبقاء على استمرار المرونة في المواقف الاميركية من أجل أن تضغط واشنطن على حلفائها في المنطقة، فيما تصاعدت المواقف الاقليمية محذرة من تبعات إعادة تمكين النظام من حلب وتصاعدت الانتقادات للادارة الاميركية التي سلمت الى موسكو الوضع السوري.
يضاف الى ذلك أنه في المدة الفاصلة عن استئناف المفاوضات على الموضوع السوري في 25 من الجاري وفق ما هو مفترض بناء على التأجيل الذي أحدثه الموفد الدولي الى سوريا ستافان دو ميستورا لفشل المفاوضات في 29 كانون الثاني المنصرم، ثمة خلافات طرأت على تفسير القرار 2254. فالقرار الذي اتفق عليه بين الولايات المتحدة وروسيا واعتبر خريطة طريق لحل الازمة السورية، بحيث وافق عليه مجلس الأمن على هذا الاساس، اصطدم ولا يزال بتفسيرات مختلفة حول اطلاق النار والمساعدات الانسانية وما إذا كان يجب تقديم هذه المساعدات مسبقا، وفقا لما تشترطه المعارضة السورية، أو أن يكون جزءا من البحث على طاولة المفاوضات كما ترغب روسيا، انطلاقا من تأييدها الحصار والتجويع كجزء من الحرب التي يمارسها النظام ضد شعبه، وذلك على رغم اطلاع أعضاء مجلس الامن على ما صاره الوضع الانساني الكارثي في سوريا وتخطي عدد القتلى 300 الف سوري وفق ما بات عليه العدد وفق تقارير الامم المتحدة، فيما طرأ على الازمة تطوران بارزان على الاقل: الاول هو زيادة روسيا قصفها تمهيدا لمساعدة النظام في إعادة السيطرة على حلب، مما قذف بآلاف المهجرين الى الحدود مع تركيا على نحو يهدد نفوذها ومصالحها في سوريا. وتبرز بوضوح من خلال سعي لافروف الى ربط اطلاق النار باغلاق الحدود التركية – السورية ومحاولة إقناع الغرب بذلك في ظل اقتناع بأن الحدود التركية تشكل ممرا آمنا لتنظيم الدولة الاسلامية وتنقله من سوريا واليها، نقطة قوية تسعى سوريا الى كسبها محققة في الوقت نفسه انتصارا مهما للنظام في وجه خصومه، ليس داخل سوريا فحسب بل في وجه خصومه الاقليميين ايضا. ويبدو التوتر التركي- الروسي الاخير على خلفية إسقاط تركيا طائرة حربية روسية مجالا رحبا للانتقام الروسي من تركيا على هذا الصعيد. أما التطور الثاني فيتمثل في اعلان المملكة السعودية ومعها دولة الامارات الاستعداد للتدخل البري في سوريا من ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية، في خطوة استنفرت جهات ثلاثة هي روسيا وإيران والنظام السوري، وهذه جميعها فهمت هذا الاعلان في غير السياق الذي أعلن فيه، أي محاربة “داعش”. وفي هذه الحال كان يتعين على هذه الجهات الثلاث أن ترحب بالتدخل البري السعودي، وتاليا الاماراتي والبحريني، في ما لو صح أنها تعتقد بصدقية هذه الذريعة أو أنها لا تخشى فعلا أن تحرج بدخول العامل الخليجي على خط مواجهة “داعش”، فيكشف هزالة الذرائع التي ترفع في مواجهة “داعش”، في حين أن ما يجري على الارض مختلف في مواجهة المعارضة السورية والقضاء عليها. وتاليا، لم تعمد هذه الجهات الثلاث الى تلقف الاستعداد الخليجي، بل على العكس سخرت منه كل بطريقتها، أو وجهت تهديدات للحؤول دون حصوله، وقد فهمت تماما من هذا التدخل البري المحتمل انتقال الحرب من طابعها غير المباشر الى طابعها المباشر فعلا في الميدان السوري. صراع المصالح وصل الى حدود خطيرة، مع سعي روسيا الى ضمان عودة حلب تحت سيطرة النظام، الامر الذي وضع على طاولة ميونيخ، الى اقتراحات روسيا بدء وقف النار عبر إقفال الحدود مع تركيا، العناصر المتصلة باستعدادات اقليمية خليجية او تركية للتدخل البري تحت عنوان محاربة “داعش”. فهناك تلاق مهم في المصالح بين السعودية وتركيا يسمح بالرهان على أن التدخل البري الذي أخذه النظام والدول الداعمة له على نحو جدي قد ينقل الوضع في سوريا الى مرحلة مختلفة تماما، بما يرجح أن يقفل الى أمد غير منظور النافذة التي فتحت في موضوع استئناف المفاوضات استنادا الى القرار 2254، ولعله يلغي القرار كليا.
الخداع الروسي للجميع: السوريون إلى الجدار الأخير
عبدالوهاب بدرخان/الحياة/11 شباط/16
كان لا بد من إجرام روسي فوق إجرام النظامين السوري والايراني ليأخذ الصراع في سورية وعليها مساراً آخر لم يرده الشعب السوري. بعد خمسة أعوام من القتل والتدمير والتهجير، كتبت موسكو وطهران لنظام بشار الأسد عمراً جديداً، بمزيد من القتل والتدمير والتهجير، وتعدّانه للسيطرة مجدّداً، كما خطّط وتمنى. لكن، السيطرة على ماذا ومن أجل ماذا، على ركام بلد بلا سكان ولا أهل، ولوضع سورية على موائد المساومات. عشرات الآلاف هجّوا الى أقرب ما ظنّوها ملاذات، لكن طائرات فلاديمير بوتين تلاحقهم من ملاذ الى آخر، فالرئيس الروسي لا يريدهم أيضاً في مدنهم وبلداتهم، يريحه أن يكونوا خارج الحدود، ولا يزعجه أن تكون ميليشيات الملالي الايرانيين من يقتلعهم من مساكنهم. منتهى الوحشية هو ما تنهجه روسيا بوتين ضد السوريين، متقصّدة المدنيين، لأن النظام – حليفها، منذ كان، داوم على اعتبارهم أعداءه الأولين، ومنذ كان، ظل يقلق من صمتهم ويخشى خوفهم منه حتى وهو يقمعهم ويذيقهم أمرّ التعذيب. منتهى الانحطاط هو ما تنهجه ايران ولي الفقيه ضد السوريين، متضامنة مع حليفيها في التجرّد من أي اخلاقية، فمن يتعامل بهذا الاحتقار مع شعب سورية لا يمكن أن يكنّ لشعبه شيئاً آخر غير هذا الاحتقار. استطاع بوتين وخامنئي والأسد أن يثبتوا للعالم أنه لم يتعرّف بعد الى قاع الوحشية، فقد تكتلوا، ولا ينقصهم سوى كيم يونغ اون، ليصنعوا أحدث مآسي الانسانية على أنقاض احدى أقدم الحضارات البشرية والعمرانية. نجحوا في أن يكونوا الورثة الطبيعيين للنازية والفاشية والصهيونية، والأبطال المتماهين مع ارهاب «داعش» وما بعده.
لا يستطيع الآخرون، في الولايات المتحدة ودول اوروبا وحتى دول العرب، أن ينكروا أنهم شهود سلبيون على هذه المأساة، التي تحوّلت في اللحظة نفسها من قضية شعب يريد تقرير مصيره في جنيف الى قضية لاجئين هائمين في أرضهم باحثين عن خيمة تؤويهم. أصبح واضحاً الآن أن جنيف وفيينا ومجلس الأمن وقراراته مجرد ديكورات لفصول مسرحية الخداع الروسي، الذي لم يذهل إلا باستعداد ادارة اميركية للإنخداع وللعب الدور كما لو أنه من تأليفها. تفانى باراك اوباما في التفاوض النووي مع ايران، مكتفياً بالتفرّج على جرائمها في العراق وسورية واليمن، ثم على جرائم روسيا، ظناً منه أن الاتفاق النووي سيكون «الإرث» الرفيع لعهده في البيت الأبيض فإذا به يورّث العالم نظاماً دولياً يهيمن عليه واحد من أسوأ «محاور الشرّ» في التاريخ. وفيما واظبت اميركا – اوباما على «التفاهم» مع روسيا – بوتين، وإيهام العالم بأنها دولة مسؤولة ترغب في «حل سياسي» يحافظ على الدولة في سورية، وبدل أن تستوحي موسكو، في سعيها الى هذا الحل، القرار 2254 الذي صيغ بعنايتها، إذا بها تسترشد بكتاب «ادارة التوحّش» لـ «القاعدي» «ابي بكر ناجي».
أسوأ أنواع «الاستكبار» وأقبحها أن لا يكتفي المجرمون والشهود العيان بارتكاب هذه المأساة في حق الشعب السوري بل يزيدون اليها الإهانة عندما يبررونها بظهور تنظيم «داعش»، وكأن هذا الشعب مصدر هذا الارهاب الذي غزا أرضه ليجد أن الأسد والايرانيين قد فتحوا له الأبواب. «داعش» صنيعة هذين النظامين وذريعتهم، وما لبث بعد انتشاره أن صار وسيلة لكثيرين يتنافسون على محاربته، وبالأخص على استخدامه للتضحية بسورية وشعبها معاً. مذهلٌ كمّ المعلومات المتداولة بين المجرمين ولدى شهودهم عن ارتباط «داعش» بإيران، وعن التوجيهات التي يتلقاها للهجوم هنا والانسحاب هناك، والوجهات التي يُطلب منه تصدير مقاتليه اليها، وتعليماته لخلاياه في الخارج بوقف نقل المجندين الى سورية والتحرك في اماكن وجودها، وعن مهماته المقبلة… كل ذلك تعرفه الأجهزة والحكومات ووثّقته من خلال عشرات المخبرين من جنسيات مختلفة داخل «داعش»، لكنها تتكتّم عليه لأسباب ودوافع يصعب تفسيرها، سواء للحفاظ على مصادرها وعلى الكذبة الشائعة أو لأن «داعش» يوفّر للدول الكبرى فرصاً شتّى لاستخدامه. ثم أن كشف حقيقة دور ايران يستوجب محاسبتها، فكيف تقدم الدول الكبرى على ذلك فيما هي متهافتة على ايران لانتزاع العقود والصفقات.
الكل يعرف أنه سيُقضى على «داعش»، وبسرعة، متى تنتهي صلاحيته ووظيفته، فقد وفّر لروسيا ونظام الاسد وايران إمكان «شيطنة» المعارضة السورية لتبرير «سحقها» و «إهلاكها»، وفقاً للتعبيرات استخدمها جون كيري أمام نشطاء مدنيين سوريين في غرفة مجاورة لقاعة «مؤتمر المانحين» في لندن حيث اعتلى المنبر ليتفوّه بكلام مغاير. لم يعد هناك فارق بين كيري وسيرغي لافروف، على أن الثاني يفعل ما يقوله، أما الأول فلا يزال يرطن علناً بموقف اميركي أصبح كذبه كارثياً فيما يستغلّ الكواليس لتسويق توجيهات زميله الروسي. وفي السياق قدّم «داعش» أكبر الخدمات للسياسة الطائفية الايرانية، فصعوده وانتشاره وأشرطة قطع الرؤوس دعمت «شيطنة» السنّة عالمياً، أما هجماته واعداماته كتراجعاته وهزائمه فحققت لطهران أحلاماً استراتيجية تاريخية بتدمير كل الحواضر الاسلامية وشواهدها الأثرية ومقوّماتها الاقتصادية وميراثها الثقافي. ولا يبدي الشهود الدوليون استهجاناً ازاء الادارة الايرانية لهذا التوحّش، لكنهم كانوا يريدونها بعيداً من شوارعهم ومن دون موجات اللاجئين وأعبائها وازعاجاتها. لن يستطيعوا القول مستقبلاً أن جريمة العصر في سورية والعراق حصلت من دون علمهم وموافقتهم. شاؤوا أم أبوا، انهم شركاء فيها.
لا يقتصر الخداع الروسي على لعب الحل العسكري ضد الحل السياسي، أو على التلاعب بالمبادئ التي بني عليها القرار 2254 وأهمها وحدة سورية شعباً وأرضاً، بل ان دورَي روسيا و «داعش» يبدوان متزاملين ومتلازمين في تسهيل تسريب فكرة التفكيك الجغرافي لخريطتَي سورية والعراق الى النقاش السياسي حول استئناف التفاوض بعدما دُمّرت مقوّماته. فالاستحالة والتعجيز اللذان وضعت المعارضة أمامهما جعلتا موسكو تهدد بتنظيم تفاوض بين النظام بعد استعادته السيطرة و «معارضتها» المستعدة للقبول بصيغة حكومية غير انتقالية لطي صفحة الأزمة، بما فيها الاكراد الانفصاليون الذين باتوا يشكلون الحركة الأولى المعلنة في تفسّخ وحدة الأرض السورية ويحظى «اقليمهم» باعتراف روسي مبكر وبحماية وتسليح اميركيَين. في السياق نفسه يدعو رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني العالم الى الاعتراف بإخفاق معاهدة سايكس – بيكو (1916) للشروع في ترسيم جديد للحدود تمهيداً لإقامة دولة كردية، مشيراً الى أن المجتمع الدولي بدأ يتقبّل أن سورية والعراق لم يعد توحيدهما ممكناً. ومردّ ذلك في نظره الى «اجتياحات داعش». هذا يعيدنا الى «داعش» الذريعة والوسيلة، أي الى جانب جزئي من الحقيقة التي يتشكل جانبها الأكبر والأخطر من نتائج الغزو والاحتلال الاميركيين للعراق ثم الهيمنة الايرانية عليه، ومن التدخل/ الاحتلال الايراني ثم التدخل/ الاحتلال الروسي لسورية وما رافقهما من تطهير مذهبي وإثني. ولم يفعل الروس أكثر من إكمال ما بدأه الايرانيون من توجيه مصير سورية نحو التفكك. من هنا التساؤل الذي أطلقه وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عن حقيقة التزام روسيا عملية سلام أم أنها «تستخدمها لتقديم نصرٍ عسكريٍ ما للأسد يتمثل في إقامة دويلة علوية في شمال غرب سورية»؟ الحل العسكري لا مفاوضات الحل السياسي هو ما تسعى اليه روسيا من أجل حليفها أحد أسوأ الأنظمة في تاريخ البشرية، وهو ما تحبذه الولايات المتحدة فهي لم تتوقف عن احباط المعارضة ودفع الشعب السوري الى الجدار الأخير ليقبل بأي «حل سياسي»، حتى لو كان تقسيماً و «دويلة علوية». روسيا تقود حلفاءها الى نصر لا معنى مستقبلياً له، وأميركا تخصصت في ادارة هزائم مَن يعتقدون أنهم حلفاؤها و «أصدقاؤها».