روسيا وإيران تتقدمان في سورية …وكيري يهددهما بـ «الخطة ب»
حسان حيدر/الحياة/11 شباط/16
تبدو الصورة قاتمة للغاية في حلب ومنطقتها حيث يستخدم طيران ومدفعية روسيا والنظام السوري كثافة نارية هائلة في تدمير ممنهج لمناطق تمركز المعارضة، تستغله الميليشيات الإيرانية من «الحرس الثوري» و «حزب الله» والهزارة و «الألوية الشيعية» العراقية في التقدم بهدف محاصرة المدينة وقطع خطوط الإمداد إليها، في وقت تتولى واشنطن لجم أنقرة ومنعها من أي تدخل، إذا كانت تفكر في ذلك أصلاً، بعدما أقفل الروس المجال الجوي السوري أمام طيرانها، من دون أي رد فعل من الأميركيين وحلف شمال الأطلسي. ويعني هذا أن المعارضة السورية التي أبدت ممانعة في الذهاب إلى «جنيف 3» لأنه من دون أولويات ومرجعية واضحة، ثم قررت بعد ذهابها عدم التفاوض في ظل استمرار العمليات العسكرية الروسية، وخصوصاً قصف المناطق المدنية، تخضع حالياً لعملية «تأديب» مشتركة بين أميركا وروسيا كي تستجيب الشروط التي صاغتها الدولتان الكبريان في قرار مجلس الأمن 2254، وأصرتا عليها في إبداء وزيري خارجيتيهما الاستياء من تأجيل المفاوضات، ما يحول في رأيهما دون نجاح الحرب على «داعش». أما تركيا التي لا يهمها فعلياً سوى «العامل الكردي» المساعد في الهجوم على المعارضة وفي تغطية العمليات الروسية، فتكتفي بالإعراب عن قلقها من حصار حلب واحتمال سقوطها، وتهرب إلى الانشغال بقضية اللاجئين الجدد الذين أقفلت حدودها في وجههم، لتغطية عجزها عن القيام بما يمكنه التخفيف من الاندفاعة الروسية التي تهدد نفوذ أنقرة في المنطقة المعروفة بروابطها التاريخية معها. وفي وقت يتجنب الأميركيون أي صياغة سلبية في تصريحاتهم عن الوضع في الشمال السوري، يواصلون مواقفهم الخطابية بدعوة الروس إلى القبول بوقف إطلاق النار من دون ضغط فعلي لجعل ذلك ممكناً. ويكتفي جون كيري بالحديث عن «الخطة ب» في حال لم يتمكن من التوصل إلى اتفاق على وقف القتال اليوم في ميونيخ. وهو ما قابلته موسكو بازدراء لأنها تعرف أن مصير هذا التهديد لن يكون أفضل من مصير التهديد الذي لوح به أوباما عندما استخدم جيش بشار الأسد السلاح الكيماوي في غوطة دمشق العام 2013 وانتهك «الخط الأحمر» الأميركي. وفي المقابل، تسترضي موسكو واشنطن بمواقف مجانية في المنطقة الآسيوية التي تركز اهتمامها عليها، على غرار إدانة إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً خلال مداولات مجلس الأمن، على رغم أن المعلومات تشير إلى أن بيونغيانغ حصلت على مكونات رئيسية في الصاروخ من الروس أنفسهم. لم تترك إيران مجموعة تابعة لها في العالم لم تشركها في القتال في سورية، مكذبة كل التوقعات والادعاءات الأميركية بأنها ستصبح بعد الاتفاق النووي «أكثر اعتدالاً ومرونة» في التعاطي مع الوضع الإقليمي، وأنها ستلتفت إلى مصالحها الاقتصادية المستجدة مع العالم. لكن ما حصل هو أن العالم كله تهافت على مصالحه معها من دون أي مبالاة أخلاقية أو إنسانية بنتائج الهجمة التي تشنها على أكثر من جبهة عربية. أما المدنيون السوريون الذين يواجهون منذ خمس سنوات أشرس حرب إبادة تعرض لها شعب على الإطلاق، فلا خيار أمامهم سوى المزيد من التشرد، في ظل انشغال دول العالم بتصنيف من يصلح منهم للحصول على اللجوء، بينما لا يملك مقاتلو المعارضة غير مواصلة معركتهم، مستندين إلى القلة من الدول العربية التي تدعمهم، ولكنها لا تملك للأسف حرية تخطي الحدود التي رسمتها واشنطن لتسليحهم.
«لا تجرحوا الديكتاتور»
غسان شربل/الحياة/11 شباط/16
«نحن لدينا رئيس. ونعرف أنه ديكتاتور. وأنه يخطط لتوريث ابنه. وأنه وضعه على رأس الحرس الجمهوري والقوات الخاصة. ونعرف أنه محاط بمستشارين متملقين. وأن حاشيته تعجّ بالفاسدين. وأن عائلته تعوم على الدولارات. وأن ضباطه نهبوا المناجم في دولة مجاورة حين أرسلوا بذريعة إنقاذها. وعلى رغم كل ذلك نأمل بألا نغامر ببلدنا كما غامرتم أنتم ببلدانكم». لم أكن أتوقع أن يعرضني نزولي إلى قاعة الرياضة في الفندق في برلين إلى درس يتعلق بالشعوب وحكامها. يبدو أن جاري الإفريقي ضجر قليلاً فسألني من أين أنا. وحين اعترفت اقترح أن نتناول القهوة بعد انتهاء التمرينات وهذا ما حصل.
قال إنه يتألم حين يرى على الشاشات المشاهد الوافدة من العراق وسورية وليبيا واليمن. لاحظ أن إعادة إعمار كل هذه البلدان لن تكون سهلة على الإطلاق. وتخّوف من أن تؤدّي الأهوال الشائعة إلى التأسيس لأمواج مقبلة من الإرهاب حتى ولو تمّ دحر الإرهابيين الحاليين. قرّر رجل الأعمال الأوغندي استكمال الدرس الذي كان بدأه بالحديث عن بلاده قال: «نتوهّم أحياناً أن بلداننا جاهزة للديموقراطية ولا ندرك الفارق بينها وبين السويد أو بريطانيا أو النمسا. نتجاهل ذلك التراكم من التطورات السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية التي أتاحت لأوروبا أن تعيش في ظل الديموقراطية وتداول السلطة واحترام حقوق الإنسان. هذه بلدان تقطف ثمار ما عاشته يوم كنا نغطّ في نوم عميق». وأضاف: «أعرف أننا نعيش في عالم صنعه الآخرون. نحن لم نصنع طائرة أو ثلاجة أو حبة دواء. وليست لدينا مدرسة عصرية أو جامعة محترمة. لا قداسة لدينا للدستور. ولا نحبّ العيش في ظلّ حكم القانون. نحن أبناء قبيلتنا ومنطقتنا وطائفتنا ولا علاقة فعلية تربطنا بمفهوم المواطنة. لسنا جاهزين للانتخابات الحرة. المواطن لدينا يبيع صوته يوم الاقتراع بكيس طحين أو مسدس أو حفنة من الدولارات. ما نحتاجه ليس الانتخابات». وزاد: «منذ 1986 لدينا زعيم واحد اسمه يووري موسيفيني تحوّل مع الوقت رئيساً منتخباً وديكتاتوراً كاملاً. أخذ من البلد أشياء كثيرة لكنه أعطانا الاستقرار. أظنّك تعرف ما عشناه في أيام عيدي أمين ومن بعده ميلتون أوبوتي. الديكتاتور وظيفة تدوم إلى الأبد. لن يغادر القصر إلاّ إلى القبر. وغالباً ما يعتقد بأن لا أحد يستحقّ أن يؤتمن على البلاد بعده إلاّ نجله. الديكتاتور ليس موظفاً لتقول له إن ولايته انتهت وإن عليه أن يذهب للعيش في النسيان مع التجاعيد المتسارعة والسعال المتكرّر والمرارات. الديكتاتور لا يذهب وحده. إذا أرغمته على المغادرة يأخذ البلد معه إلى الجحيم». وقال: «الديكتاتور يعتبر البلاد وشعبها من أملاكه الشخصية. إذا طالبته بمغادرة الحكم يعتبر أنك تعتدي على أملاكه. يحيلها رماداً ولا يتنازل عنها. لو طالبنا موسيفيني بالرحيل اليوم لجرحنا هالته وكرامته وصورته أمام أنصاره والتاريخ. سينزل بنا عقاباً فظيعاً. سيقتلع أعمدة البلاد. أنا أفضّل أن لا نهدّد وجوده. وأن نستخدم ثورة الاتصالات لمطالبته بمدارس أفضل وجامعات أفضل وفرص عمل ومياه صالحة للشرب وشيء من خفض منسوب الفساد. الاستقرار هو الأساس وحين تخسره تخسر كل شيء. بفضل الاستقرار نتمتع حالياً بقدر من الازدهار. الاستقرار هو المفتاح. ومع الوقت ينشأ جيل جديد ويهرم الديكتاتور وتهرم حاشيته وتسقط الثمرة من فرط تهرّؤها». وتابع: «إذا خلعت الديكتاتور قبل نضوج المجتمع يأتيك ديكتاتور آخر وحاشية جديدة شرهة تريد التهام ما تبقّى من البلاد. لهذا أقول للمتحمسين من أبنائنا: لا تزعجوا الديكتاتور ولا تجرحوه. ما فائدة الفرار من ظالم إذا كان الظلام خليفته الوحيد؟ مجتمعاتنا ليست ناضجة بعد لا للثورات ولا للديموقراطية». تجرّعت الحكمة الإفريقية مع فنجان القهوة. وقلت لن أشربَ السمّ وحدي ومن يدري فقد يستسيغه القارئ.