دينامية عودة الحريري تُعيد ترتيب الأوراق ولا تطلق تحريكاً لجمود انتخابات الرئاسة
روزانا بومنصف/النهار/16 شباط 2016
يطمح سياسيون كثر الى أن تكون عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت بمثابة تغيير جوهري يساهم في تعديل قواعد اللعبة السياسية القائمة راهنا في لبنان، أو على الاقل يعيد ترتيب الاوراق التي تم خلطها في الاونة الاخيرة بطريقة فجة، انطلاقا من موقعه وحيثيته كزعيم يترك غيابه عن لبنان فراغا مؤذيا على صعد عدة وساهم استغلال هذا الغياب في إرساء قواعد لعب سياسية معينة. هذه العودة تكسب في الواقع الوضع السياسي دينامية حيوية لا يمكن تجاهلها او اغفالها، لكنها تتوقف الى حد كبير على أمرين او ثلاثة على الاقل: اولا على المدة التي سيبقى فيها في لبنان على رغم أن هناك آراء يتفق عليها سياسيون كثر مع رؤساء بعثات ديبلوماسية اجنبية على اهمية أن يعود الحريري عودة دائمة الى بيروت لاعتبارات سياسية في الدرجة الاولى تتعلق بتياره وجمهوره المتشوق الى عودته، بالاضافة الى تنظيم أوضاع كل من “تيار المستقبل” وقوى 14 آذار، وقد أصاب كلا منهما تصدع كبير نتيجة عوامل عدة. ومعلوم أن البلد على جانب كبير من التوتر الداخلي المضمر او المخفي على نحو قد لا يكون مطمئنا او مريحا، لبقاء الحريري في لبنان طويلا، بالاضافة الى ان عودته قد لا تناسب بعض الافرقاء لاعتبارات متعددة، فيبرز ذلك واضحا في مواقفهم السياسية والاعلامية وحملات اعلامية مختلفة تستهدفه. ثم إن هذه الدينامية تتوقف ايضا على سبل تحريك الامور المجمدة ان في ملف الانتخابات الرئاسية او في العمل الحكومي. فهناك عنوان رئيسي يقول سياسيون انهم استشفوه من خطاب الحريري في مجمع البيال، بعيدا من التفاصيل التي أسهب في شرحها، الا وهو اننا قمنا بكل شيء يمكن القيام به ولسنا قادرين على القيام بأي شيء اضافي من اجل الخروج من التعطيل، موضحا ان كرة هذا التعطيل في ملعب من يقاطع جلسات مجلس النواب منذ سنتين حائلا بذلك دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهناك عنوان فرعي أساسي تم استشفافه من الخطاب مفاده انه لن يغير رأيه من أجل تأمين انتخاب العماد ميشال عون تلبية للشروط المرتفعة التي وضعها “حزب الله” عن حتمية انتخاب مرشحه فقط، على غير ما سادت انطباعات وشائعات عن احتمال تغيير في موقف الحريري قبيل جلسة 2 آذار المقبل، بحيث يتأمن انتخاب عون في هذه الجلسة كما عمم بعض الافرقاء السياسيين. فهناك دفع في بعض الاتجاهات في هذا الاطار مبنية على واقع الرهان على تعديل او تغيير في موقف المملكة السعودية او على نسبة مواقف محددة اليها بما رفع من مستوى التوقعات على هذا الصعيد. وقد تم اظهار الامور في بعض الاوساط السياسية وكأنما هناك من يملك مفتاح الكلمة المقررة السعودية في موضوع الرئاسة وعلى انها ليست فعلا في جيب الرئيس الحريري وذلك على رغم استهانة ديبلوماسية كبيرة بهذا المنطق لجهة اقحام السعودية في هذه الحسابات، في حين ان الواقع السعودي في غير مكان كليا بالنسبة الى لبنان على الاقل. أما الامر الثالث فمرتبط بقدرته على اعادة ترميم الصدع الذي اصاب قوى 14 آذار وتحالفات القوى في ما بينها. ولا يمكن القول، من مؤشرات خطابه، ان بعض الحلفاء وفي مقدمهم “القوات اللبنانية” بدوا مرتاحين، على رغم اجتماع الجميع تحت مظلة ذكرى رفيق الحريري، في حين ان التحدي هو في اجتماع الجميع تحت مظلة 14 آذار التي بات موعدها قريبا. في أي حال، وعلى اهمية الموقف الذي أعلنه الحريري وتوقيت عودته، وإن المرتبطة بذكرى اغتيال والده، ليس هناك انطباع ان هذا الموقف قد يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية وتاليا انهاء الفراغ بما يضع البلاد على سكة الخروج من الخطر الذي يحدق به. فثمة جمود برز بعد ترشيح مرشحين من قوى 8 آذار عن عدم استعداد ” حزب الله” لانتخاب رئيس رغم ذلك ما لم ينجح في فرض مرشحه الوحيد والاوحد كما قال، في حين يتفق الجميع على انه احكم ربط لبنان بقرار خارجي قد يتصل بالوضع السوري الذي لا يملك احد رؤية مستقبلية في شأنه او باعتبارات اخرى. لا بل ثمة خشية اضافية تتصل بواقع ان ينعكس هذا الموقف سلبا على الواقع الحكومي المتعثر اصلا على رغم استعادة العمل الحكومي وتفعيله. اذ ان وزراء من خارج قوى 14 آذار يشعرون ان لا نية تعاون فعلية او كبيرة في مجلس الوزراء بل ان هناك حاجة لتمرير مرحلة ما تتصل بضرورات معينة في حين ان ثمة انتظار غير خاف لقابل الايام وما يمكن ان تحمله. فيما ترك كلام الحريري في المقابل تفاعلات ايجابية واخرى سلبية في اتجاهات عدة. اذ مما لا شك فيه ان موقفه اثار ارتياحا لدى النائب سليمان فرنجيه في مقابل استياء كبير استشفه سياسيون من وزراء ونواب التيار الوطني الحر والذي يعتقد انه سيرد على الحريري في البيان الذي سيصدر بعد اجتماع تكتله اليوم. اذ ان موقف الحريري يحرج التيار في تحميله مسؤولية الفراغ الرئاسي نتيجة مقاطعة مستديمة للبرلمان واستعداده لتهنئة عون اذا تم انتخابه. وهو اثار ارتياحا لدى حزب الكتائب فيما يرى البعض ان التركيز على الاخير بعيدا من القوات او على حسابها قد لا يسمح بسهولة اعادة ترتيب العلاقات بينه وبين جعجع بل قد يدفع رئيس “القوات” الى التصاق اكبر بعون في غياب البعد غير المسيحي او الوطني.
هل تربح 14 آذار معركة إسقاط مرشح الفراغ أم تخسرها كمعركة العبور إلى الدولة؟…
اميل خوري/النهار/16 شباط 2016
بعدما أطلق الرئيس سعد الحريري من “البيال” في ذكرى استشهاد والده معركة إسقاط مرشح الفراغ بدعوة كل النواب للنزول الى مجلس النواب لانتخاب من يشاؤون من المرشحين المعلنين وغير المعلنين، هل ينجح في هذه المعركة، أم يكون مصيرها كمصير معركة العبور الى الدولة ومعركة وضع سلاح “حزب الله” في كنف الدولة ومعركة تحييد لبنان عن صراعات المحاور؟ لقد قال الرئيس الحريري كلمته في الانتخابات الرئاسية، وتنتظر الناس الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وما سيقوله… هل يكرر ما قاله سابقاً: “إما انتخاب العماد ميشال عون رئيساً وإلا فلا رئيس”، من دون احترام لا للديموقراطية ولا للدستور، أم يقول شيئاً جديداً ليخرج الانتخابات الرئاسية من أزمة إذا ما استمرت فإنها تدخل لبنان حتماً في المجهول، كأن يعود الى اقتراح سابق له وهو السعي الى مرشح لا يشكل انتخابه كسراً لأحد، فيكون قد اسقط عندئذ بنفسه مرشح الفراغ خدمة للبنان وليس خدمة لأي خارج. الواقع أن لبنان لم يواجه ولا مرة في حياته السياسية ما يواجهه اليوم في انتخابات رئاسية تحولت مهزلة بجعلها معركة نصاب لا معركة انتخاب رئيس وفقاً للدستور الواجب احترامه وعملاً بالنظام الديموقراطي الذي يعتمده لبنان منذ الاستقلال، لأن عدداً من النواب أعطوا لنفسهم حق التغيّب عن جلسة الانتخاب من دون عذر مشروع معتبرين أن ذلك هو من حقهم… ولا يحق للشعب أن يدعوهم الى القيام بواجبهم الوطني لانتخاب رئيس لأن الديموقراطية الحقيقية هي التي تحمي المؤسسات ولا تعطلها. والسؤال: كيف يمكن 14 آذار أن تربح معركة إسقاط مرشح الفراغ قبل أن تربح معركة تأمين النصاب وقد ظنّت أنها ستربحها عندما تم ترشيح العماد عون والنائب سليمان فرنجية للرئاسة، وإذ بهما لا يتضامنان مع من رشحوهما إنما تضامنا مع “حزب الله” في الاستمرار بتعطيل الجلسات، ولا سيما العماد عون الذي ارتكاب بتغيبه مع نوابه أول مخالفة لورقة “اعلان النيات” وخصوصاً للبند الذي ينص: “التعهد باحترام أحكام الدستور كافة بدون انتقائية وبعيداً عن الاعتبارات السياسية والابتعاد عن كل ما من شأنه التلاعب بأحكام الدستور أو إساءة تفسيره”. فما دام “حزب الله” ومن معه قادراً على تعطيل جلسات الانتخاب، فكيف يمكن انتخاب الرئيس إلا اذا قرر المرشحان عون وفرنجية حضور الجلسة مع نوابهما كي يكتمل النصاب والقبول بالاحتكام الى مجلس النواب في من هو الأقوى منهما، وليس الى التعطيل ولا الى سياسة الفرض والتعيين ولا بالتهديد بالشارع وبفائض القوة عند فريق ضد فريق آخر. لقد نجح “حزب الله” منذ عام 2005 بقوة سلاحه والترهيب به في فرض تشكيل حكومات من الأكثرية والأقلية، اي من الرابح والخاسر في الانتخابات بدعوى أن الأكثرية التي فازت بها قوى 14 آذار هي أكثرية نيابية وليست شعبية… لذلك لا بد من أن تتمثل في الحكومة عند تشكيلها الأكثرية والأقلية، فكانت النتيجة أن هذه الأقلية راحت تتحكم بقرارات الأكثرية، ووضع “حزب الله” 14 آذار بين خيارين: إما تشكيل مثل هذه الحكومات وإلا فلا حكومة. وها ان الحزب يضع 14 آذار اليوم بين خيارين: إما انتخاب من يريد رئيساً للجمهورية وساعة يريد وإلا فلا رئيس، وسيؤكد الحزب بعد انتخابه موقفه المعروف وهو: ان تكون الحكومة المنوي تشكيلها كما يريد أو لا تكون حكومة، وان لا تكون حتى انتخابات نيابية اذا لم يكن القانون الجديد على قياسه وقياس من معه. الحقيقة هي انه ما دام السلاح موجوداً خارج الدولة فلا دولة، ولا حتى امكان العبور اليها، ولا مجال لتشكيل حكومات منسجمة ومتجانسة كي تعمل وتكون منتجة، ولا مجال للاتفاق على قانون تجرى الانتخابات النيابية المقبلة على أساسه اذا لم يكن مقبولاً من “حزب الله” ومن معه، ولا نصاب لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية اذا لم تسلّم قوى 14 آذار بانتخاب الرئيس الذي يريده الحزب كما سلّمت بترشيح ركنين من أركان 8 آذار ظناً منها أنها تربح معركة اسقاط مرشح الفراغ. لكن “حزب الله” خيّب أمل من رشحهما بتضامن عون وفرنجيه معه في استمرار التغيب عن الجلسات. لقد خسرت 14 آذار معركة العبور الى الدولة، ولكن ظل في لبنان دولة وإن في حدها الأدنى، وخسرت معركة وضع سلاح “حزب الله” في كنف الدولة، ولكن ظل للدولة سلاح، وخسرت معركة تشكيل حكومات من الأكثرية التي فازت بها 14 آذار في الانتخابات، ولكن تشكلت حكومات وإن لم تكن منتجة. ولكن ما الذي يحل بلبنان اذا ظل من دون رئيس؟ فالخسارة لن تقع على 14 آذار فقط إنما على كل اللبنانيين، ولبنان نفسه يسقط إذا لم يسقط مرشح الفراغ. فهل يقوم “حزب الله” بدور المنقذ ويترجم السيد نصرالله كلامه بالبحث عن مرشح تسوية وتوافق لأن لبنان هو بلد التوازنات الدقيقة إذا ما اختلت تفجرت الأزمات التي لا حل لها إلا بالتسويات.
مرشح الحريري الفعلي
راشد فايد/النهار/16 شباط 2016
ليس الوزير سليمان فرنجية المرشح الأول لرئاسة الجمهورية في خطاب الرئيس سعد الحريري. المرشح الأول هو احترام الدستور، والديموقراطية بمؤداها الحقيقي. عملياً، لا يملك الحريري، وقوى 14 آذار، سوى الدستور جدارا يستندون اليه في دفاعهم عن الدولة، ولا يملكون سوى هذا الجدار سداً في وجه سعي حزب الأمين العام الى تفتيتها، وإلحاقها بولاية الفقيه. فلا السلاح من ادواتهم، ولا التدمير من تراثهم. والدستور هو فحوى “اتفاق الطائف” وحامي العيش المشترك، وما يهددهما، في العمق، هو السلاح خارج قرار الدولة، وفعله الداخلي تجلى في 7 أيار، وبالقمصان السود، أما الخارجي الاقليمي ففي تنطحه للقتال في سوريا والعراق واليمن، لفرض هيمنة ايران عليها، كما على لبنان، قبلها، وبفضله. أتى رفيق الحريري بمشروع إعادة بناء الوطن وقيامة الدولة، أي نقيض ما كان يسعى اليه نظام الوصاية، من قضم وابتلاع “اللواء المتمرد” (أي لبنان، في أدبيات دمشق السياسية والتي تسمي الاسكندرون باللواء السليب، وفلسطين باللواء المحتل). وحاول السير بمشروعه بين محاولات الاجهاض المتعددة. قدم تنازلات هنا، وخدمات سياسية هناك تخفف عن “قصر المهاجرين” غضب المجتمع الدولي، وتحسن علاقاته، لا سيما مع فرنسا وأوروبا، حتى سمي بوزير خارجية سوريا الفعلي. لكن كل ذلك، لم يطفئ حقد نظام دمشق، لأن هذا الحقد لم يكن عارضاً، بل ترجمة لمشروع اقليمي طرفه الآخر نظام الملالي في طهران، ومن يمثله، وهذا يقتضي زعزعة لبنان، مع بروز زعامات تريد وحدته، لتسهيل إحكام الهيمنة عليه، وإلا لماذا اغتيال كمال جنبلاط، وتغييب الامام موسى الصدر، وتفجير الرئيس بشير الجميل. فما يجمع هؤلاء طموح كل منهم الى دولة سيدة حرة مستقلة. اليوم، قدم الحريري الابن كل ما يمكنه تقديمه ليحفظ لبنان من الهيمنة، حتى القبول بمرشح 8 آذار، مشترطاً الحد الادنى: انتخاب ديموقراطي وفق الدستور، والتزام المرشح بـ” اتفاق الطائف” الذي انقذ لبنان ويستمر في انقاذه. تأييد ترشيح فرنجية ليس بعيداً عن الدرب الذي اعتمدته “قوى 14 آذار” منذ انطلاقتها في مواجهة العناد المسلح. في البدء كان الحوار، واوحى ان ثورة الارز تمد “يداً رخوة” الى الشريك في الوطن، لكنها اليد التي تريد بناء وطن المؤسسات، وأول بنوده، اليوم، انتخاب رئيس للجمهورية، يوقف مسلسل الجلسات النيابية المخيبة، واستغباء الدستور. ما فعله سعد الحريري ليس أقل من تصويب النقاش العام، والإضاءة على صلب القضية: انتخاب رئيس جديد، وفق الديموقراطية الحقيقية، هو المنطلق لإعادة الدولة إلى دورها، وبوجوده يكون لمكافحة الفساد أفق. وإلا يستمر الغرق في يم الجدل البيزنطي، ونسقط في كمائن حزب الأمين العام، الذي يبرع في تحويل الباطل حقا، والحق ضلالة، ويجعل من تأمين النصاب لعبة غميضة.