قراءة “رئاسية” لخطاب الحريري: مَن يرِد الميثاق يتعامل بإيجابية مع حدث معراب
ألين فرح/النهار/16 شباط 2016
ما زالت مفاعيل خطاب الرئيس سعد الحريري ترخي بثقلها على المشهد السياسي، وستبقى كذلك أياماً عدة، وتحديداً بين الحلفاء في 14 آذار، وبالطبع سيتوقف عندها فريق 8 آذار. لذا لا بد من قراءة هادئة للخطاب يوم الذكرى، رغم “التلطيش” على سمير جعجع، والهجوم العنيف على “حزب الله” ومحاولة الايحاء بقطع الطريق الرئاسية على العماد ميشال عون، علماً ان التواصل بين الطرفين قائم. يرى متابعون للخطاب ان الحريري أراد شد عصب فريق 14 آذار، وهذا الامر يخص فريقه، وفي الوقت عينه أراد الايحاء بشدّ عصب ما في صراع المنطقة. أما في الاستحقاق الرئاسي فكأنه تبرير لما جرى مع النائب سليمان فرنجية، أي شرح مآل الأمور لتبريرها وليس لتبنّيها، والدليل أنه لم يرشحه علناً، بل قال إنه منفتح على كل مرشح ملتزم اتفاق الطائف من الاقطاب الاربعة أو سواهم، علماً انه أعلن من الصيفي بعد لقائه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل أنه ملتزم ترشيح فرنجية، مكرراً الدعوة للنزول الى مجلس النواب لانتخاب رئيس وممارسة الديموقراطية، غامزاً من قناة من لا يحضر جلسات الانتخاب. لا شك في ان للحريري و”المستقبل” قدرة على تعطيل أو تأمين نصاب جلسة انتخاب الرئيس، لكن بالطبع لا قدرة لديه على اختيار رئيس لبنان، بمعنى انه يستطيع اذا أراد تعطيل النصاب، أما إذا أراد تأمينه فلا يستطيع من دون فريق 8 آذار. فالفريقان لديهما القدرة على التعطيل وهما مدعوان للتوافق. من جهة اخرى، وضمن القراءة عينها، يرى أحد السياسيين المؤيدين لاتفاق معراب، انه بعد تاريخ 18 كانون الثاني الوازن والطاغي وطنياً، لم يكن ضرورياً الغمز و”التلطيش” على عدم اتفاق المسيحيين مسبقاً، اذ لا يجوز النظر الى الماضي بل التطلع الى المستقبل الذي يعني رئيساً للبنان، وبالتالي رئيس للبنان يعني ماذا يريد المسيحيون لتحقيق الالتزام الفعلي للطائف الذي هو الميثاق. فقوتان مسيحيتان وازنتان لا بل أكبر قوتين قالتا رأيهما أن عون مرشحهما، علماً أن فرنجيه نفسه قال اذا حصل اتفاق على عون يسير معه. فإذا أراد الحريري حقيقة الميثاق ما عليه الا التعامل بإيجابية مع حدث معراب، بعيداً من الغزل – “الغمز” الذي ظهر على المنبر بينه وبين سامي الجميّل.في المقابل، يرفض السياسي نفسه الاتهامات بالتعطيل، فمن لا يحضر جلسات الانتخاب ليس هو المعطّل بل المعطّل من يعطّل الميثاق. فما من أحد يستطيع البصم على الفراغ ولا على الازمات المستعصية ولا على اندثار لبنان، بل على انقاذ الوطن، وما ينقذه الالتزام للميثاق. وحتى لو مدّ يده للمسيحيين، لكن من يريد مصلحتهم ويسعى الى تحصينهم ويغار على دورهم، فليذهب الى الاستحقاق الرئاسي كما يريد المسيحيون لا أن يعاتب جعجع، وهذا حق للمسيحيين أعطاهم إياه الدستور وليس منّة من أحد. فالمهم عند النزول الى مجلس النواب أن يتعزز الميثاق بروحه ونصه، أي التزاوج بين الدولة المركزية الوطنية التي نص عليها الطائف وبين الشراكة الحقيقية بين كل مكونات الوطن، على أن يتبوأ المراكز الأقوياء في بيئاتهم. في مشهدية الأمس كانت ثمة خطوة ناقصة، صحيح ان الحريري جمع فريقه لكن المشهد الجامع للوطن كان غائبا. أما حديث الحريري عن وصول رئيس يلتزم الطائف، فينصحه أحد السياسيين: “ليتذكّر الحريري من راسل الملكين السعودي والمغربي ورئيس الجزائر لإنقاذ الطائف في مؤتمر الدار البيضاء، بالتالي يكون هذا الشخص هو الحريص على الطائف وميثاقيته”.
خصوم الحريري يتهمونه بتلقي “أمر عمليات سعودي” الفراغ طويل… ولا ثقة بين الحلفاء و”القوات” غاضبة
رضوان عقيل/النهار/16 شباط 2016
ترقب الجميع خطاب الرئيس سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري وما حمله كلامه في “البيال” من دلالات توجه بها الى جهات عدة، ولا سيما الى “حزب الله” و”القوات اللبنانية” حيث تلقى رئيسها سمير جعجع بصدره أكثر من سهم من حليفه في مسيرة 14 آذار، على الرغم من “التوضيحات الزرقاء” التي صدرت والتي لم تلق الصدى المطلوب عند قواعد جمهوره. وتزامنت عودة الحريري مع تصاعد حدة المعارك وسخونتها في الشمال السوري، والتي باتت وجبة يومية في الصالونات اللبنانية نظرا الى انعكاسها على الملف الداخلي، وخصوصا بعد تقدم الجيش السوري وحليفه “حزب الله” على أكثر من جبهة، فيما تعلن السعودية عن استعدادها للانضمام الى هذه المواجهات وقتال “داعش”، مع تصويبها المستمر على إزاحة الرئيس بشار الاسد عن الواجهة السياسية في دمشق. وستكون للسيد حسن نصرالله إطلالة مفصلة اليوم على الاقليم في “ذكرى القادة الشهداء” والتي سيتناول فيها هذا الموضوع وسواه بالتفصيل. وثمة من يري في صفوف الفريق المعارض للحريري أن خطابه كان على شكل “أمر عمليات سعودي” بهدف التصعيد الذي يتلاقى مع الاجواء التي تشهدها المنطقة، ويأتي في سياق التكامل مع سياسة الرياض، ومن دون أن يقدم مضمونا سياسيا جديدا. ولم يحدث ذلك زخماً في الملف الرئاسي العالق، بل انه زاد جروح قوى 14 آذار، بدليل موجة الغضب التي تلقاها من “القوات”. وابتعد الحريري عن الانضباطية التي يمارسها نصرالله في اطلالاته، ولم يتلقف بحسب دوائر مقربة من الحزب سياسة اليد الممدودة التي شدد عليها نصرالله في آخر خطاب له بعد تخليه عن السلة التي نادى بها، والتي قرن تحقيقها بانتخاب رئيس للبلاد منعا للمرواحة في الابقاء على المشكلات السياسية والمعضلات نفسها. ولم يتطرق الحريري الى حديث نصرالله عن الابقاء تحت سقف اتفاق الطائف ولا الدعوة الى عقد مؤتمر تأسيسي، وانه ليس هناك طائفة قائدة في البلد الذي يجب ان يسير تحت شعار لا غالب ولا مغلوب، باعتباره محكوما بالتوافق، وهذا ما ترمي اليه سياسة الحزب. ومن جملة الملاحظات على الحريري أنه أهمل كل هذه “الايجابيات” ولم يلتفت اليها، بل شدد على زاوية وحيدة هي “تفضلوا الى المجلس”، والرد على الحزب الذي لا يريد مقاربة الملف الرئاسي إلا من باب اسم العماد ميشال عون والسير به الى ساحة النجمة وانتخابه رئيسا. وثمة من يصور الحريري انه اراد قول كلمته هذه ومشى، وان الحق الى جانبه، وقد تبنى “الرواية الرئاسية” التي قصها المرشح سليمان فرنجية من دون ان يقدم اي اضافة، ليقول ان لا اتفاق، ولا شيء تم رسمه تحت الطاولة وجرى الاتفاق عليه، علما أنه لم يرشح رئيس “تيار المردة” رسميا، لكن من دون ان يخفي القبول به بعد انعدام فرص الاقطاب الموارنة الثلاثة الاخرين، ومن دون ان يقطع الطريق على عون. وتوقف اكثر من مراقب عند الجلسة التي جمعت الحريري والنائب وليد جنبلاط قبل خطاب الحريري. واستكمل البك جولته بلقاء الرئيس نبيه بري في مساء اليوم نفسه وقوله “لننزل الى المجلس ولتكن اللعبة ديموقراطية”. وسبق لبري ان ردد هذا المصطلح قبلهما، الامر الذي سبب “نقزة” عند “التيار الوطني الحر” الذي يفهم من هذا الموقف أن طريق انتخاب فرنجية مشرعة والاصوات النيابية المطلوبة ستصب في مصلحته من دون زيادة او نقصان، لكن الحصيلة تظهر حتى الآن ان الفراغ الرئاسي لم يعد مؤجلاً فحسب، بل أصبح طويلاً مع تراجع حظوظ فرنجية.
ويخلص مناوئون لسياسة الحريري الى ان كلامه لا يتلاءم مع مصلحة السعودية في التطورات الميدانية والعسكرية على الارض السورية في الايام الاخيرة، وخصوصا في مناطق الشمال والمناطق المتاخمة لحلب. وان الحديث عن دخول قوات سعودية على خط المعارك المفتوحة في سوريا بالتنسيق مع تركيا، لن يتم، الا من تحت مظلة التحالف الذي تقوده اميركا ضد تنظيم”داعش”. وعلى الرغم من حماسة السعودية واستعدادها لإرسال وحدات عسكرية الى التراب السوري، فإن جهات لبنانية مواكبة تستبعد حصول هذا الامر، أولا لانها لا تشارك بناء على طلب من الحكومة الشرعية في دمشق، والتي يعترف بها العالم ويتعامل معها، فضلا عن ان الرياض لم تحصل على اذن في هذا الخصوص من مجلس الامن، إضافة الى الاعتراض الروسي والايراني في طبيعة الحال على هذا التدخل في حال حصوله. وان الهدف السعودي من كل هذه الاستعدادات في تركيا هو الحد من تمدد انتصارات الجيش السوري.
من يوميات معارك الشمال السوري والتحدي المفتوح بين السعودية وايران، الى المواجهات السياسية الداخلية في لبنان، يبقى صليب انتخابات رئاسة الجمهورية معلقاً بين هذين البلدين، وسط ارتفاع جدران الخلافات والشكوك المتبادلة وانعدام الثقة بين الافرقاء في بيتي 8 و14 آذار.