لا تحارب الإسلام السياسي في مصر ثم تبتسم لحزب الله
أحمد عدنان/العرب/28 شباط/16
لـمن قد يقول إن العلاقة بين القاهرة وحزب الله مصلحة مصريـة خالصة نسأل: هل يعقل أن يكون العالم كلـه علـى خطأ ويكون الحزب الإلهي وبعض المسؤولين على صواب.
كان الخبر التالي مثار جدل مكتوم خلال الأيام الماضية، قيام وفد ممّا يسمى بحزب الله بزيارة مصر للاجتماع بمسؤولين أمنيين وتقديم العزاء في الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل. تألف الوفد من ثلاث شخصيات: محمد عفيف (مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب الإلهي) والنائب علي المقداد ومسؤول العلاقات العربية حسن عزالدين.وجزئية العزاء ليست مثار جدل، فهنا تحضر زاوية إنسانية لا بد من احترامها وتقديرها للسلطات المصرية، لكن المحزن والمؤلم هو تشريع وجود الميليشيا الإرهابية باستقبالها من رجال المخابرات الحربية “للتشاور والتنسيق”.
كنت أتمنى صدور نفي لهذه الجزئية من طرف الحزب الإلهي أو من الطرف المصري، لكن ما جرى هو العكس، هناك صمت تام في مصر وهناك ارتياح عارم في أوساط الحزب الإلهي من صوره بعض التصريحات على غرار: علاقتنا بمصر مفتوحة، صفحة جديدة في العلاقات مع مصر، هناك تطابق في الرؤى في ملفات الإرهاب وسوريا. حسنا، فلنتذكر ما فعله حزب الله بمصر، عام 2011، في خضم ثورة يناير، هرّب من السجن سامي شهاب، عنصر حزب الله المدان قضائيا بالتخطيط لهجمات وأعمال إرهابية داخل الأراضي المصرية مستهدفة المواطنين والسياح عبر تفجيرات انتحارية وسيارات ملغّمة وعبوات ناسفة في سيناء خصوصا، وفي اعترافات شهاب للسلطات المصرية التي بثها الإعلام المصري قال نصا “العمليات كلها كانت تستهدف الوضع الداخلي في مصر ولا علاقة لها بمساعدة التنظيمات الفلسطينية في غزة”، وعلى إثر كل ذلك حكم القضاء المصري بسجن شهاب و27 آخرين 15 سنة عام 2009، وللأسف تمكّن شهاب من الهرب عام 2011 وإلى الآن لم تطالب السلطات المصرية باستعادته إلى سجونها. نحن نعطي مثلا واحدا فقط لما فعله حزب الله مصريا، وبإمكان أصدقائنا من الصحافيين والمثقفين المصريين العودة بشريط الذكريات إلى ما قبل ثورة 25 يناير، هناك أرطال من التصريحات الإلهية المسيئة لمصر والمتطاولة على رموزها وتاريخها. بعض أصدقائنا في مصر، قد يفسر هذا النقد على أنه مساس بالسيادة المصرية، وهذا غير صحيح مطلقا، فالعلاقات الثنائية من صميم مفهوم السيادة عبر مبدأ “المعاملة بالمثل”، بعد ثورة 30 يونيو، دعما لمصر، قطعت السعودية كل علاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، وتخندقت مع السلطات المصرية مصنفة الجماعة تنظيما إرهابيا، وهو إجراء صحيح وسليم، لم تبال المملكة بعلاقتها التاريخية مع الجماعة التي تعود إلى زمن التصادم الفيصلي الناصري، ولم تبال بوجود شريحة سعودية في المملكة لها انحيازاتها مع الإخوان، بل ذهبت المملكة إلى ما هو أبعد، فرضت على قطر ترحيل أغلب اللاجئين الإخوان وإيقاف حملاتها الإعلامية ضد مصر فيما يعرف بمبادرة الملك عبدالله التي استقبل بموجبها الرئيس المصري مبعوثا لأمير قطر حضر بمعية رئيس الديوان الملكي الشيخ خالد التويجري.
لذلك ليس من المنطق أن يكون استقبال قطر للإخوان غير خاضع لمقياس السيادة القطرية بل هو عمل معاد لمصر، لكننا في الوقت نفسه نعتبر التلاقي المصري-الإلهي من صميم السيادة المصرية ولا نريد تصنيفه عملا معاديا للخليج، خصوصا وأننا نتحدث عن حزب مصنّف كتنظيم إرهابي محظور في مجلس التعاون الخليجي، وهذا التصنيف ليس من باب النكاية، في البحرين ضبطت غير خلية إرهابية تابعة للحزب الإلهي، وفي عام 2013 أوقفت خلايا تجسس وإرهاب في الكويت وفي السعودية، وقبل أسابيع في الإمارات تحاكم خلية حزب الله بتهم التخابر والإساءة للدولة ومؤسساتها، ولا ننس قضية خلية العبدلي الإرهابية التي أصدر القضاء الكويتي أحكامه المبرمة في حقها قبل نحو شهر، ولن أتحدث عن تفجير الخبر في المملكة عام 1996، ولن أتحدث عن تورط قيادات حزبية -وفق حكم قضائي- في محاولة اغتيال أمير الكويت عام 1983 واختطاف طائرة كويتية عام 1988.
جاء الاستقبال المصري لحزب الله في التوقيت الأسوأ، اكتشاف السلطات اليمنية لخلية من حزب الله تدرّب يمنيين لاستهداف المملكة داخل حدودها، بيان من وزارة الداخلية عن تورّط حزب الله في تهريب المخدرات إلى المملكة، بدء محاكمة خلايا تجسس وإرهاب تابعة لإيران ولحزبها الإلهي تستهدف المملكة، توريط الحزب الإلهي للحكومة اللبنانية في شق الإجماع العربي، وليس آخرا استعداد دول الخليج لدخول سوريا من أجل محاربة داعش وحزب الله وبشار الأسد، ورغم الاختلاف في وجهات النظر حول النقطة الأخيرة، لكن دول الخليج احترمت سيادة مصر.
فلنفترض أننا في المملكة والخليج كذبة ومتحاملون، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وضعا عقوبات وضوابط مصرفية على لبنان بعد اكتشاف شبكات لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب تابعة للحزب الإلهي تعمل في أوروبا وفي الأميركيتين، ولا بأس هنا بالتذكير ببعض الأخبار التي تداولها الإعلام على استحياء خلال سنوات مضت، وهي القبض على شبكات اتجار وتهريب المخدرات تابعة لما يسمّى بحزب الله، في يونيو 2005 بالإكوادور، في أغسطس 2008 بكولومبيا، في أبريل 2009 بهولندا، في أكتوبر 2009 بألمانيا، وفي يناير 2014 في أستراليا (وهناك شبكة أخرى أوقفت وأدينت بتبييض الأموال)، وهذا غيض من فيض لا يستثني غينيا بيساو والمكسيك والأرجنتين والولايات المتحدة. بالله عليكم كيف تجتمع المقاومة مع المخدرات وكيف يجتمع الله مع المخدرات في حزب واحد!
ولمن قد يقول إن العلاقة المصرية الإلهية مصلحة مصرية خالصة نسأل: هل يعقل أن يكون العالم كله على خطأ ويكون الحزب الإلهي وبعض المسؤولين على صواب؟ حزب الله متمدد في دول أربع، لبنان وسوريا والعراق واليمن، وما دخل بلدا جديدة إلا أصبحت على صورة ما سبقها من بلاد، والدليل على ذلك الحكم القضائي الصادر في مصر في قضية سامي شهاب المعروفة باسم “خلية حزب الله”. في ظل صراع السلطة المصرية مع الإخوان تم إعلان الحرب على الإسلام السياسي، وهو إجراء حكيم، لكن لا يعقل أن نعتبر الإسلام السياسي السلفي أو السني شيطانا رجيما ونعتبر الإسلام السياسي الشيعي من ملائكة الرحمة، مع العلم أن الإسلام السياسي هو إسلام سياسي وليس سنيا أو شيعيا، والانحياز ضمن هذه الثنائية هو دعم إرهاب على حساب إرهاب، وليس حربا على الإرهاب لمصلحة الوسطية والاعتدال، والدليل على ذلك أن أدبيات سيد قطب “الإخواني/السني” تعد مرجعا معتمدا ضمن أدبيات حزب الله وحزب الدعوة والثورة الإيرانية “الشيعية” إلى تاريخه، من الأساس كيف تزعم أنك تحارب الإسلام السياسي وتبتسم لحزب اسمه “حزب الله”؟ وكيف للمثقف المصري المنحاز إلى التنوير أن يبتسم لحزب لم يرشح أيّ امرأة لمقاعد النيابة أو الوزارة ولا يعترف بحدود دولته معرّفا نفسه بحزب ولاية الفقيه ووكيل الثورة الإسلامية تماما كجماعة الإخوان التي لا تعترف بالوطن.
بعد ثورة 30 يونيو، استهدفت جماعة الإخوان وميليشيات الدواعش الجيش المصري ومسؤولين ومواطنين وسياحا، حزب الله فعل كل ذلك في لبنان نفسها، من 2005 إلى 2013 تشير أصابع الاتهام إلى حزب الله في قضايا اغتيال ساسة ثورة الأرز بداية برفيق الحريري وليس انتهاء بمحمد شطح، والحزب الإلهي يرفض المثول، بقوة السلاح، أمام القضاء سواء في المحكمة الدولية أو في القضاء اللبناني كقضية محاولة الاغتيال الفاشلة للنائب والوزير بطرس حرب، اغتيال عنصر الجيش اللبناني الملازم الطيار سامر حنا عام 2008 إضافة إلى احتلال بيروت وترويع الجبل في نفس العام ممّا أسفر عن مقتل 100 مواطن لبناني لا بواكي لهم، والآن تعاني الدولة اللبنانية من شلل كامل بتعطيل الحكومة والبرلمان وفراغ كرسي الرئاسة بسبب غطرسة السلاح غير الشرعي، والحديث عن جرائم حزب الله في لبنان بحاجة إلى مجلدات، فكيف يثق المصريون في ميليشيا تمارس الإرهاب ضد وطنها وضد العرب؟ قد يأتي من يقول إن الحزب يحارب إسرائيل، لكن حماس أيضا تحارب إسرائيل مع أنها تمارس الإرهاب في سيناء، فلماذا يريد البعض اقتصار الحديث على جرائم حماس وحسنة حزب الله، إن صحت، في سياق واحد؟
قال مسؤول مصري رفيع لمفكر لبناني قبل أشهر إنه معجب بحزب الله لأنه يحارب داعش، فطلب المفكر المعروف من المسؤول الذي تصله تقارير أمنية واسعة أن يسمي جبهة واحدة فقط اشتبك فيها الحزب مع الدواعش لبنانيا أو سوريا، وهنا سكت المسؤول لأنه لم يجد جوابا، حزب الله وأشباهه كالحرس الثوري لا يقلّون إرهابا ووحشية عن داعش والقاعدة، بل ربما أسوأ، فالحزب الإلهي يرفع شعار الحرب على الإرهاب لكنه حقيقة يستهدف السنة طائفيا وعنصريا، وليس أدل على ذلك أنه كلما دخل منطقة تعاظمت شوكة الإرهاب فيها بعد تهجير السنّة أو قتلهم، ما أسوأ حظ السنة، فهم مستهدفون من الإرهابين السلفي والشيعي على حد سواء. ما زلت مؤملا أن تقوم السلطات المصرية بإصدار توضيح قاطع وصارم لما جرى، إنني شخصيا أفهم صدور الكذب من حزب الله، لكن يصعب عليّ وعلى أمثالي من محبّي مصر تلقّي مثل هذه الضربة من القاهرة، قال الأستاذ هيكل قبل رحيله إن الحكم في مصر بعد ثورة 30 يونيو يعاني من غياب الرؤية. حفظ الله مصر ولطف بالمصريين ورحم الأستاذ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
لبنان وحيداً
حسام عيتاني/الحياة/28 شباط/16
سيجد لبنان نفسه وحيداً إذا تدهورت أزمته الحالية مع دول الخليج العربي وتحولت إلى مواجهة ديبلوماسية. فليس لدى لبنان اليوم حلفاء على استعداد لتقديم أي نوع من التضحيات دفاعاً عن سياسة خارجية خرقاء وضعت الحكومة اللبنانية في تناقض مع الإجماع العربي. وقع لبنان في الهوة الفاصلة بين معسكرين يرتفع منسوب التوتر بينهما ويكاد يتحول صراعاً عسكرياً مباشراً. بين المعسكر السعودي الذي تتحلق حوله دول الخليج وأكثرية الدول العربية، وبين المعسكر الإيراني. لم ينفع تذاكي وزير الخارجية اللبناني ولا البيانات التي أصدرتها وزارته في محو الشعور بالإهانة في الرياض لرفض لبنان إدانة الاعتداء على سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد. قادنا انعدام السياسة المسمى «النأي بالنفس» إلى أن نجد أنفسنا في الخندق الإيراني من الصراع الدائر والتحول إلى الطرف الأضعف والمعزول في الحرب الإعلامية والسياسية المستعرة. وعلينا ألا ننتظر نجدة من أحد، ذلك أن الانقسامات اللبنانية كفيلة أيضاً بمنع وصول المدد من أي جهة. وهو الانقسام ذاته الذي ساهم مساهمة أساسية في صوغ فكرة «النأي بالنفس» التي تعبر من ناحية عن العجز عن تشكيل إجماع وطني حول قضايا المنطقة ومن ناحية ثانية عن الهشاشة الفائقة حيال هذه القضايا. فلم يكن اللبنانيون بقادرين على إعلان موقف موحد من الثورة السورية ولا من نظام بشار الأسد من جهة، ولم يكونوا قادرين على التخلي عن مصالحهم المتشابكة والواسعة مع دول الخليج، من جهة ثانية. كن موسم التسويات الصغيرة انتهى على غير ما يشتهي «اللبناني الذكي» والتاجر الأزلي الذي أشاد به ميشال شيحا. لقد وصلنا إلى نهاية رحلة التقافز تحت السقوف الآمنة وشعرنا فجأة بعبء المسؤولية الجسيمة عن إدارة دولة وبلد. وهو شعور مشابه لذاك الذي خامرنا بعد انسحاب القوات السورية في 2005. يومها أمكن «القوى السيادية» أن تعتد بالتحالف مع إدارة جورج دبليو بوش الاقتحامية التي جاءت إلى المنطقة بمشروع إعادة بناء الدول الذي جربته في العراق. لا حليف يُركن إليه في البيت الأبيض حالياً. بمعنى ما، يقف اللبنانيون في الوقت الراهن أمام تجربة استقلالية من نوع خاص. لقد حملت الأزمة مع السعودية اللبنانيين على النظر الى ما بين أيديهم من أدوات سياسية وديبلوماسية نظرية جدية، ربما للمرة الأولى منذ سنوات طويلة. المأساة انهم لم يعثروا على ما يعينهم في عثرتهم الحالية. لا حلفاء، لا أصدقاء، لا وحدة وطنية، لا اقتصاد، لا شيء تقريباً مما يمكّن الدول من الصمود في الأوقات الصعبة. لي أن الموقف الحالي سيرفع إلى درجة الغليان حرارة التوتر في لبنان. وفي بلد لم يعتد سياسيوه منطق التسويات والحلول الوسط إلا بعد تعرضهم للهزائم، فالأرجح أننا سائرون إلى مزيد من التعقيد في الوضعين السياسي والاقتصادي، ما قد يترافق مع انهيارات أمنية وعسكرية في أكثر من منطقة.من بين التصريحات التي أوردتها الصحف في الأيام القليلة الماضية، ما يشير إلى أن لبنان، من بين دول مجاورة، فقَدَ تماسكه وبات على طريق الاختفاء وأنه «أصبح في منتصف الهاوية». بغض النظر عن صحة هذه التصريحات ونسبتها، يتعين الاعتراف بأن اللبنانيين مسرعون نحو الاصطدام بالجدار الذي يسد آخر نفقهم الطويل.