هل يجب انتظار هدم الهيكل نهائياً؟
محمد مشموشي/المستقبل/28 شباط/16
غريب الى حد مذهل أمر الذين يلجأون للهروب الى الأمام، مكابرة وعجرفة، لمجرد أنهم يرفضون الاعتراف بالواقع. واقع أنهم فقدوا كل ذريعة اختبأوا خلفها(«المقاومة» وحتى «الممانعة») بعد أن غرسوا أنيابهم في جسد الشعب السوري. وغريب أكثر أمر أتباعهم الذين يصفون أنفسهم بـ «الحلفاء»، لأنه لا يعنيهم في الواقع الا أن ينفذوا صاغرين ما يؤمرون به، من دون اهتمام بنتائج ما يفعلون، ليس فقط عليهم وعلى مصالحهم التي لا تخرج عن كونها شخصية، بل أيضاً على ما يسمونه «الوطن العزيز» ويدعون أنهم يعملون من أجله ليل نهار… بما في ذلك استعادة الجنسية للمغتربين منه.
فالأولون (والمقصود «حزب الله») استبدلوا، في محاولة هروبهم، لافتة «الحزب المقاوم»، كما درج قادته وخصوصاً اعلامه والمطبلون له تلفزيونياً على القول في الأعوام السابقة، الى الادعاء ومن دون خجل، أن حزبهم أصبح «قوة إقليمية» معترفاً بها دولياً، وأنه يلعب أدواراً في المنطقة وفي العالم لا تملك دول عريقة فيهما أن تلعب مثلها. وبحسب اللافتة الجديدة، باتت للحزب صداقات وعداوات مع دول أخرى في العالم: تحالف مع روسيا يقولون، وحرب معلنة على السعودية، مع ما يعنيه ذلك في حالة سوريا الآن من مشاركة في تقرير مستقبلها، وحتى مستقبل المنطقة كلها. وعلى الطريق، لا يكاد يغيب عن إعلام الحزب كلام شبه يومي عن «رعب» إسرائيل من «القوة الإقليمية» هذه ووضعها الخطط استعداداً للمواجهة معها.ولم يكن «حزب الله»، قبل تدخله العسكري في سوريا، قليل التغني بقوته أو الاطناب في الكلام عنها. الا أنه زاد من ذلك كثيراً في المرحلة الأخيرة، ربما لتجنب اتهامه وقيادته وعناصره التي تقاتل هناك بأنهم «مرتزقة»، وبأن حربهم الى جانب نظام بشار الأسد تتم بأوامر من قيادتهم الأصلية في طهران من دون أن يكون لهم أو لرؤسائهم المباشرين دخل فيها«.لكن وقائع الأمور كما باتت واضحة للعيان، في لبنان ثم في سوريا والعراق واليمن، وانكشاف حقيقة الحزب كميليشيا كاملة المواصفات من ناحية، وقابلة للاستخدام في المكان الذي يحدده «الولي الفقيه» من ناحية ثانية («سنكون حيث يجب أن نكون»، قال أمينه العام حسن نصرالله أخيراً) جعلته، وخصوصاً اعلامه والمطبلين له كتابياً وتلفزيونياً واذاعياً، يعمد الى رفع اللافتة الجديدة أكثر من أي يوم سابق.
منتهى الغرور نتيجة ما يسمى «فائض القوة» لدى «حزب الله»؟. ربما، الا أنه منتهى المكابرة والعجرفة فضلاً عن السخف بمعناه الكامل. ذلك أن نعت «القوة الإقليمية»، بغض النظر عن اعتراف الاقليم به أو حتى العالم، لا يطلق الا على دولة بالمعنى القانوني والدستوري للكلمة (الأرض والشعب والسلطة)، وليست هذه حال الحزب بالرغم من امساكه بالقوة، وحتى بعدم رغبة اللبنانيين في المواجهة معه، ببعض مفاصل الدولة اللبنانية في الأعوام الماضية. بل وأكثر، فلم يجرؤ الحزب يوماً على ادعاء أنه كذلك، فضلاً عن نفيه المستمر حتى لاتهامه باقامة «دويلة» في بعض المناطق التي يهيمن عليها.
لماذا اذاً هذا السخف في الكلام عن «القوة الإقليمية»؟. غالب الظن أن له أهدافاً سخيفة بدورها. أولاً، كي لا يقال ان الحزب هو مجرد ميليشيا، وان عناصره ليسوا سوى مرتزقة يمكن استخدامهم في أي مكان يراه صاحب المال والسلاح. وثانياً، كي لا يقال انه إيراني الهوية والانتماء (أي غير عربي) فضلاً عن التزامه المذهبي الشيعي، بل هو «قوة» تتحالف مع ايران في جبهة عريضة تضم دولاً أخرى. وثالثاً، لمواصلة الزعم أن لديه قضية وطنية (كما هي الحال بالنسبة الى فلسطين التي يرفع رايتها بين وقت وآخر) وأنه يفعل ما يفعل، في لبنان وسوريا واليمن وربما في غيرها لاحقاً، من أجل تحريرها من الاحتلال الاسرائيلي!.
وليس «الانفجار النووي» الموهوم، ذلك الذي هدد به نصرالله حيفا قبل أيام، الا الترجمة الأولى للافتة «القوة الإقليمية» هذه.
أما عن الأتباع، ونموذجهم الفاقع «التيار الوطني الحر» ورئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، فلم يعد خافياً ما ألحقوه على مدى الأعوام الأخيرة، من أضرار فادحة بلبنان الدولة والشعب والمال والاقتصاد من جهة، وإساءات كبرى الى صورته في العالم والى علاقاته التي يفترض أن تكون أخوية مع أشقائه العرب من جهة ثانية. لماذا؟، لأن «الحلفاء» من هذا الصنف لا يملكون، بل وربما ليسوا مهيئين أصلاً لرفض أو حتى نقاش أمر من المعلم. وفي عرفهم أن «الوفاء بالوعود» مسألة متبادلة: وعد برئاسة الجمهورية لأحد طرفيها، والإساءة الى كل ما هو غير إيراني للطرف الثاني. وتحت هذه الحجة، لا أهمية لأي تصرف ينعكس بصورة كارثية على البلد: 21 شهراً من الفراغ الرئاسي من دون سبب أو مبرر، أو اضطرار المملكة العربية السعودية (رداً على موقف مخز من وزير الخارجية) لتجميد هبات بـ 4 مليارات دولار للجيش والقوى الأمنية بالرغم من حاجتهما الماسة اليها!.
المهم فقط أن تستمر «الوعود» المتبادلة، أولاً لأن نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم لا يسمح بجعل لبنان ولاية سعودية، بالعزم نفسه الذي يطالب فيه الرياض بالاعتذار للبنان وليس العكس!.
هل يجب أن ينتظر اللبنانيون انهيار الهيكل على رؤوس الجميع حتى يقولوا: لا… وكفى؟.
العرب وتركيا لن يسمحوا بسقوط المعارضة السورية
ثريا شاهين/المستقبل/28 شباط/16
هناك تخوّف حقيقي من أنه إذا أكمل الوضع السوري، كما هو حالياً في اتجاهاته، «فسيأكل» التحالف الإيراني الروسي، سوريا، ومعها لبنان. إنها الخطورة التي تلف المسألة، وضرورة فعل شيء ما من أجل استعادة التوازن على الأقل، ومن ثم السعي إلى إحراز التغيير، وفقاً لمصادر ديبلوماسية عربية.
وتؤكد المصادر أن الولايات المتحدة لم توافق على أي تدخل كبير في سوريا من أي دولة عربية في المنطقة، وكذلك من تركيا. لقد نقلت إعلامياً الموضوع بشكل مبالغ فيه، أي نقلت أن هناك احتمالاً لتدخل بَري، إنما المسألة المطروحة كانت على سبيل قوات خاصة، ومن ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
كذلك الأتراك، لم يقولوا مرة إن هناك استعداداً لديهم لتدخّل بَري، ومن دون تنسيق مع الأميركيين. الدول التي تريد تدخلاً فاعلاً من أجل «إنقاذ» المعارضة، تعتبر أن أي تدخّل يجب أن يكون بموافقة الأميركيين ومشاركتهم. والأميركيون، وفقاً للمصادر، لم يلزّموا الوضع السوري للروس، إنما هم غير مكترثين لما يقومون به. ولديهم هاجس واحد وهو «داعش». عدم الاكتراث هذا، يزعج الأوروبيين الذين لديهم مشكلة اللجوء السوري والمهاجرين. والولايات المتحدة بعيدة جغرافياً عن هذه المشكلة، ولا تعتبر أنها تستأهل تغيير سياستها المبتعدة عن المنطقة، ذلك أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يريد التدخّل، ولا الانجرار إلى «مستنقعات» المنطقة. الخليج يبدو أنه لا يقبل اتباع هذه السياسة، ويحاول قدر الإمكان تصحيح المسار، إنما من ضمن «قواعد اللعبة» الموجودة وشروطها الحالية، أي في سياق الموافقة الأميركية وعدم الخروج عنها. التشنّج مع الأميركيين يعود إلى أن الخليج يعتبر المعارضة تخسر، وواشنطن لا تقوم بها يلزم لدعمها.
وعلى الرغم من ذلك، لا تستبعد مصادر وزارية لبنانية حصول تدخّل بَري عربي من التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب إلى مناطق «داعش» و»النصرة» في كلّ من سوريا والعراق. تلك المناطق لا يمكن لأي جهة إن كانت شيعية أو غربية أو النظام، دخولها، ولا الطيران وحده يمكنه إسقاطها، وهي مناطق شاسعة. إلا أن ذلك لن يحصل إلا ضمن مخطط أو سيناريو يتم التوافق حوله دولياً، بعد بروز عناصر المواجهة الإقليمية إلى الواجهة. في هذا الوقت، يغادر الرئيس السوري بشار الأسد السلطة.
والخطوة الأولى لتكريس أي تدخّل من هذا النوع، قد يكون في جامعة الدول العربية. وإذا كان الدخول السعودي التركي إلى سوريا براً، يعني بالنسبة إلى المصادر الديبلوماسية المطلعة دخولاً في معركة ضد روسيا، فيما الأميركيون غير متحمسين لذلك، فإن الرياض تريد المشاركة في العمليات الجوية ضد «داعش»، وهذا يعود إلى جملة أمور هي:
ـ تضافر جهودها مع الجهود الأميركية في الموضوع السوري.
ـ تمكنها من إيصال مساعدات للمعارضة السورية المعتدلة.
ـ تقديم المساعدة للمعارضة في السيطرة على مناطق تكون قد تحررت من «داعش». وحالياً، لدى انسحاب «داعش» من المناطق وهزيمته، يقوم النظام السوري والأكراد بالسيطرة عليها. وإذا تمكنت المعارضة من السيطرة على مناطق إضافية فيمكنها أن تقاتل منها. وتشير المصادر إلى أن كل الاتفاقات الموقّعة بين الدول والمعارضة لتقديم السلاح لها لا تتضمن سلاح أرض جو، ويمنع الأميركيون تقديمها لها. ولا يزال الرئيس الأميركي غير راغب في التورّط في الحرب السورية ولا في أي شكل من الأشكال. وحلف شمال الأطلسي يمنع الأتراك من تقديم سلاح أرض جو للمعارضة. كل الدول في الشرق الأوسط تدعو الولايات المتحدة إلى التدخّل في سوريا، لدعم المعارضة، حتى أوروبا التي تجد نفسها في خطر حقيقي نتيجة الهجرة السورية إليها. واشنطن تصغي إلى هذه المخاطر، لكنها على الرغم من ذلك لن تتدخّل وتصرّ على ذلك، والأتراك والسعوديون والقطريون يريدون الدخول إلى سوريا براً، لكنهم لم يجدوا تشجيعاً أميركياً، إلا أنه يمكنهم أن يساهموا في دعم المعارضة، انطلاقاً من غطاء التحالف الإسلامي. الدخول في الحرب في اليمن أدى إلى انتظار الاستعدادات الخليجية بعد ذلك في مناطق أخرى. ومن المؤكد أن الخليج وتركيا سيقومان بعمل ما لدعم المعارضة السورية، أقله في مسألة زيادة السلاح وصولاً إلى سلاح نوعي، لأن هذه الدول لن تقبل أن تخسر المعارضة بهذه السهولة، وترى أن الوضع يستوجب دعماً فعلياً من أجل تغيير المعطيات على الأرض، إذ إنه إذا لم يتغير، واستمر الدعم الروسي والإيراني للنظام، فسيبقى الوضع السوري على حاله، وقد تتعرض المعارضة لخسائر كبيرة. وبات واضحاً أن هدف روسيا هو القضاء على المعارضة المعتدلة، فهي تقوم، وفقاً للمصادر، بحرق الأراضي مستخدمة طريقتها في التعاطي مع الشيشان، حيث اتبعت سياسة الأرض المحروقة، لتدمير كل شيء. الخليج وتركيا يفضلان إرسال صواريخ أرض جو إلى المعارضة، كمقدمة لدعمها، لكن السؤال هل يتخلى الغرب عن موقفه الرافض لذلك؟ وإلى أي حد سيصل أي تدخّل خليجي تركي لدعم المعارضة؟ حلب، حتى الآن، صمدت، بعدما كان يتوقع حصول انهيارات سريعة، والروس لن يوقفوا تدخّلهم في سوريا، إلا عندما يتعبون أو لدى شعورهم أن الكلفة باتت عالية بالنسبة إليهم. وبعض الدول الخليجية الكبرى عرضت على الروس، قبل تدخّلهم في سوريا، أموراً لم يوافقوا عليها، وتصبّ في خانة إحداث خرق لتسريع التغيير في سوريا. الآن وبعد التدخّل، من المستبعد الموافقة على أي أفكار أخرى، من جانب الروس، فهل يضغط الأميركيون في اتجاه تحقيق دعم فعلي للمعارضة؟
لبنان يكون عربياً أو لا يكون
بول شاوول/المستقبل/28 شباط/16
ما ارتكبه الوزير جبران باسيل بخروجه على «الإجماع العربي» سبق أن فعله ميشال عون وحزب الله و8 آذار على امتداد سنوات. فالمسألة لا هي جديدة، ولا هي مجهولة الهدف. وما وجود حزب سليماني محارباً في سوريا والبحرين واليمن والعراق…. ولبنان، سوى التعبير الدال على ان جمهورية «الفرس» ورثت دور اسرائيل ومخططاتها في زرع الفتن في بلاد العرب وفي ساحات الاسلام الأكثري وتفكيك دولتها وتقسيم أرضها وتدمير مدنها وتخريب حضارتها وتاريخها. وما نقول اليوم عن ايران سبق ان قيل عن اسرائيل على امتداد مئة عام. الدولة العبرية فشلت في قيام «اسرائيلها» الكبرى لكنها سلمت «الراية» ذاتها إلى حليفتها «الخالدة» ايران تحت مسمى لا يختلف في عنصريته ومذهبيته عن اهداف اسرائيل «الهلال الشيعي» والذي يعني في جوهره ان أميركا (بوش ثم أوباما) واسرائيل وايران الملالي وضعت كلها العرب والعروبة والاسلام السني الأكثري في عين العاصفة.
فكل ما يمت إلى هذين العنصرين مستهدف ضمن مناخ ارهابي فكري واعلامي وسياسي وحضاري وثقافي… وعسكري. أبلسة العرب في تاريخهم من الجاهلية حتى الاسلام… ومن يقارن تصريحات بعض القيادات الاسرائيلية عن العرب: «حشرات يجب سحقها» بتصريحات حسن نصرالله «تنابل» وسواه من الفرس «رعاة وحفاة وأكلة جراد»… يعرف ما وراء هذا الكلام العِرقي. وبعد محاولة استيعاب لبنان «العربي» ثم تدمير سوريا «قلب العروبة النابض» وتخريب «اليمن الأخضر» وتهديد البحرين ذات التنوع الثقافي والفكري وتسليم الأميركيين العراق لإيران لقمة سائغة… كأنما جاء دور المملكة العربية السعودية ذات الانتماء المركزي المزدوج: الاسلام والعروبة. وهكذا تحاول ايران (عبر عملائها: حزب سليماني و8 آذار) واسرائيل ان تفعل في هذا البلد الشقيق ما فعلته في بلاد الاشقاء الآخرين… فحزب الله يحمل كل المواصفات والممارسات العدوانية الإيرانية على كل ما هو عربي. ولأن السعودية ما زالت متماسكة فها هو بتكليف من الولي الفقيه (أو الشيطان الأكبر) يمعن في تكثيف الهجوم عليها وابتذالها وشيطنتها وشتمها وتهديد من يساندها او تسانده. ذلك ان الحزب يمثل أقصى الانعزالية بالنسبة للعلاقات العربية. حزب انعزالي، كانتوني، مذهبي، عنصري، يريد أن يقيم جدراناً مثل أسوار الصين والستار السوياتي الحديد وجدار اسرائيل بين لبنان والعالم العربي لاستفراده واستفراسه واضعاف وحدته وضرب وشائجه العروبية والتاريخية بالعرب وبالمملكة. فتصريح باسيل ليس سوى «رأس جبل الجليد» علامة من علامات كثيرة ولحظة من زمن طويل. ونظن ان لا 14 آذار ولا أكثرية اللبنانيين راضية عن هذا الوزير لا في موقفه الأخير ولا في وجوده في الحكومات السابقة. يعني ذلك ان تصريح باسيل هو جزء من مخططات «حزب الله« وإيران في محاولة «دق اسفين» بين الشعب اللبناني والعرب وخصوصاً السعودية. أي إعادة لبنان إلى مواويل «الانعزالية» التي سادت أيام الميليشيات المذهبية السابقة. فلبنان، بالنسبة إلى باسيل يجب أن يكون «إيرانياً» بانتسابه، وبانتمائه وبدولته وجيشه وبحكوماته ونوابه واقتصاده وسلاحه وبمواقفه أي الانفصال عن أرومته العربية وتبني مخططات حسن نصرالله «المُنزلة» عليه من لَدُن الولي الفقيه. ونظن ان مجمل مواقف تابعناها لحزب «الشيطان» الالهي تُجسد هذه النيات التي باتت معروفة ومكشوفة: فتعطيل الانتخاب الرئاسي جزء من تعطيل لبنان العربي؛ بل ان وجود رئيس جمهورية بات يعني بالنسبة إلى هؤلاء «وجوداً» عربياً. حتى ان مسار الحكومة الراهنة والسابقة يعني بالنسبة إلى حزب ايران استمراراً للعروبة بل ان تنامي الجيش اللبناني واسترداد عافيته وحضوره يعني استرداد «العروبة» المصادرة من ميليشيات الكانتون الفارسي. أكثر: بل ان وجود هذا الكانتون نفسه ليس سوى خروج على السيادة والاستقلال والاجماع اللبناني- والعربي بل ان «حزب الله« الذي عقد مع اسرائيل «سِلماً» شبيهاً بما عقده حافظ الأسد مع الدولة العبرية، أي «سلم» يخبئ بنوداً سرية تقضي بتحييده التام في مواجهة اسرائيل وتوجيهه ضد لبنان والعرب…
على هذا الأساس. كأنما سلاح الحزب بات يشبه السلاح الاسرائيلي سواء في دوره في فلسطين أو في الجولان، وغزه والضفة العربية، سلاحاً» استيطانياً» يرى في اللبنانيين والعرب ودولهم وأرضهم ساحة مستباحة ومنتهكة. واذا كانت اسرائيل حاولت في السابق وما زالت زرع الفتن في لبنان وتدمير اقتصاده وتقسيمه فقد تولى الحزب هذه المهمة «النبيلة» عنها في تنسيق باطني بين ايران واسرائيل. واذا كانت «بلاد» «حزب الله« أي لبنان قد وضعت في سياق «الالغاء والتهميش والتخريب والتقسيم والالحاق« فما بالك بالسعودية؟ فهي «فريسة» اثمن بكثير من لبنان.
[حزب السلاح
ولهذا، فحزب ايران حامل السلاح الملتبس يُطِّبق على السعودية في اعلامه ومواقفه ولغته السفيهة واشكال «فوبياه» العربية ما سبق ان طبقه في لبنان وسوريا واليمن ومصر والكويت والبحرين والعراق. فحيثما هناك عرب وعروبة ومسلمون سنة، نجد «حزب الله« (مكلفاً تكليفاً شرعياً والهياً من شيطانها الأكبر) يمارس جنونه وعدائيته ويعبّر عن مخططاته التخريبية… بل أكثر: حيثما هناك عرب فإيران موجودة لتكمل ما بدأه الكيان الصهيوني. وتشبه علاقة «حزب الله» (وايران) بإسرائيل، المسلسلات التلفزيونية بحلقاتها المتوالية والمتتابعة: مسلسل أميركي صهيوني إيراني متكامل السيناريو والحوار والمشاهد والإخراج.
من هنا بالذات، لا تختلف تصريحات «حزب الله» عن تصريحات بعض القياديين الاسرائيليين حول العرب والاسلام. واذا كان الاسلام مستهدفاً اليوم بعقيدته الأكثرية وعروبته ووضعه في مراتب الإرهاب، دون سواه، فهذا يعبر عن «أصفى» نيات طهران العنصرية. نظام عنصري رجعي، قمعي، مجرم، فاسد، يدمغ بالإرهاب مليار مسلم وعربي. هذا ما عملت عليه أميركا في قياداتها المتعاقبة: فتسلم حزب «البعث« الأسدي ذي القيادة المذهبية سوريا بعد الانقلاب في السبعينات، ليحكم أكثرية سنية (80 في المئة من نسبة السكان)، كان أول الغيث (تماماً كما حصل في فلسطين عندما احتلت إسرائيل كأقلية هذا البلد وتحكمه بقوة السلاح). وعندما أسقط بوش أول نظام عربي سني منذ ألف عام في العراق وأهداه إلى إيران، فذلك أيضاً علامة أخرى. وعندما كوفئ النظام الأسدي (بعد تسليمه الجولان لإسرائيل كصفقة)، بتصفية المقاومة الفلسطينية، بالسيطرة على لبنان، فهذه أيضاً إشارة مضافة. ونظن أن من يريد أن يدرس المراحل التي مهدت للوضع الحالي، فعليه أن يتوقف عند هذه المحطات. والغريب أن حسن نصرالله تكلم طويلاً (بلسان إيران طبعاً)، مؤخراً في متلفزاته التي باتت مملة، عن علاقة المملكة بإسرائيل وتآمرها ضد فلسطين: غريب! كأنه يقذف المملكة بكل ما فيه وما يفعله ويفكره: ونسأل السيد حسن من صفّى المقاومة الفلسطينية في لبنان؟ من صفى المقاومة الوطنية؟ من كان وراء معارك تل الزعتر (طبعاً سوريا وإسرائيل)، وحرب المخيمات (طبعاً سوريا وإسرائيل)، وترحيل عرفات من طرابلس؟ (طبعاً سوريا وإسرائيل)، وهذا معروف يا «سيد العارفين». فليست السعودية هي التي ارتكبت هذه الجرائم بحق الفلسطينيين والعرب… بل حليفك يا سيد حسن… وأنتم أكملتم المشوار في غزة والضفة عندما دُبجت في قم إيران (وراءها إسرائيل) خطب تخوين رمز القضية الفلسطينية ياسر عرفات. ومن دمّر مخيم اليرموك يا سيد حسن: السعودية؟ الإمارات؟ الجزائر؟ تونس؟ بل حليفك ووراءه أنتم المرتبطين بإيران وطبعاً إسرائيل الساهرة على تنفيذ مخططاتها بأيديكم الملوثة بالعار والدم والتي صرح بعض قيادييها «ان سقوط الأسد كارثة على اسرائيل»!
[السعودية
أما رد فعل السعودية على «خيانة باسيل» العروبية، وكذلك لبنان، فجاءت بعد تحمّل وصبر طويلين، حتى بدا لها أن لبنان بات إيرانياً، لا عربياً ولا لبنانياً، في حكومته، وفي مواقفه. أكبر من عتب. فـ»حزب الله« إيراني بقضه وقضيضه وعضيضه. والمملكة دولة عربية، نشأت بينها وبين شقيقها الأصغر لبنان علاقات تاريخية، كأن هذا الأخير تحوّل إلى الوطن الثاني لشعبها. ساعدته في ملماته، ككل، غير مميزة بين لون ولون وبين حزب وحزب وبين طائفة وطائفة، دعمت دولته لتستمر في الصمود أمام «دويلة» إيران، عوّمت اقتصاده في اللحظات القاسية، ساهمت في إعمار مدنه وقراه بعد حرب تموز التي غامر بها الحزب بكل لبنان وأرضه وناسه كرمى للتكليف الفارسي، وأخيراً لا آخراً أن السعودية وبلدان الخليج كأنها الملاذ الأخير لمئات ألوف اللبنانيين الذين يشتغلون فيها، ويرسلون تحويلات مالية إلى أهاليهم بمليارات الدولارات. وأخيراً جاءت الهبة السعودية للجيش لتعزيزه، وجعله حامياً للدولة والحدود والناس؛ وهذا بالذات ما أفقد حزب الملالي عقله. أتعملون على تقوية الجيش، يعني أنها مؤامرة على «المقاومة» (لا رحمة عليها)، وتهديد للوصاية الإيرانية. وبدأ العزف الكانتوني من الإعلام الكانتوني، ليبث الدسائس، ويشكك بالهبة، ويرميها بكل ما يملك من نعوت وصفات. فالهبة تخدم إسرائيل. وراح بكل جوارحه يسعى إلى مهاجمة السعودية، لدورها عبر «عاصفة الحزم» وكذلك في سوريا ولبنان والبحرين، إلى أن وصل به الأمر إلى تجاوز كل خط أحمر، وكل حدود في مهاجمة المملكة، خصوصاً موقف باسيل في اختراقه «الإجماع العربي» والمرتبط بالمملكة نفسها! هنا طفح كيل المملكة، وكان ردها المباشر والفوري، وقف مفعول الهبة للجيش، ثم منع رعاياها من المجيء إلى لبنان، وهذا ما فعلته دول مجلس التعاون الخليجي. عال! ترحرح حسن نصرالله واطمأن، واغتبط وكأنه فهم أن موقف السعودية هو تخل عن لبنان، وعن شعبه، وعن نضاله ضد هيمنة الكانتون. أوليس هذا ما ارتضته إيران: اقتلاع لبنان من أرومته العروبية والإسلامية، لتفترسه لقمة سائغة، وتحوله ولاية من ولاياتها. حتى تخوف اللبنانيون من تصعيد رد الفعل السعودي إلى وجود اللبنانيين العاملين في المملكة والخليج (600 ألف)، لم يؤثر في «حزب الله»! فهذا من شأنه أن يضيف إلى الخراب الاقتصادي الذي ارتكبه، خراباً أفدح. عال! فالطغاة لا ينجحون إلاّ في مثل هذه الظروف. حتى عشرات ألوف اللبنانيين الشيعة الذين يعملون في الخليج، من ضمن الجاليات اللبنانية، لم يأخذها حسن نصرالله بالحسبان. وهذا طبيعي، ومن قال إن المقاومة صُنعت أصلاً لحماية الشيعة، بل صُنعت لقتلهم وتشريدهم وإذلالهم. فالذي يسوق ألوف الشبان الشيعة إلى المحرقة السورية، واليمنية، ويهدر دماء ثلاثة آلاف منهم، كرمى لإيران، لا نظن أن إخراجهم من السعودية والخليج وكل العالم من همومه لا الخاصة، ولا العامة.
[يقظة اللبنانيين
على هذا الأساس، استفاق اللبنانيون ذات يوم، وظنوا أنهم فعلاً «إيرانيون» في بلاد الأرز، ومُقتلعون من جذورهم العربية، بل كأنهم حُوّلوا بإرهاب الحزب إلى شعب معاد للسعودية والخليج والعرب. لا! هبوا! لا! نحن عرب: انتماؤنا عربي. أرومتنا عربية. نحن قلب العروبة؛ فلا لبنان موجود من دونها، ولا هي موجودة من دون لبنان. فلا نؤخذن بجريرة العملاء والشعوبيين والقتلة والفرس. نعم! هبوا! ولسنا كلبنانيين، نخون العهود، ونجحد بعدم وفائنا للعرب، والمملكة، مغرباً ومشرقاً وخليجاً…بل كأن هذه اليقظة الحية، جعلت اللبنانيين يستفتون أنفسهم عبر العريضة التي يتوقع أن تحمل تواقيع مئات ألوف اللبنانيين، لتظهر أن حزب الكانتون، وعلى الرغم من أسلحته، وإرهابه، لا يمثل سوى أقلية الأقلية في لبنان. وما توافد الألوف ومن كل المناطق إلى مراكز توقيع العريضة، وإلى السفارة السعودية، للتعبير عن اشمئزازهم من موقف «باسيل»، وأربابه من حزب إيران، وإعلان التضامن مع عروبة المملكة، واعترافاً بأفضالها على لبنان، شعباً، ودولة وجيشاً! من هنا نقول إن اللبنانيين قالوا كلمتهم: لا لإيران! ولا لحزبها العميل. ولا لفرسنة بلادهم. ولا لاعتداءات إيران على الشعب اليمني، والسوري، والعراقي والبحريني! إنها صرخة وفاء للعروبة أولاً وأخيراً، والتي يعبر عنها العديد من الدول والأحزاب، لا سيما السعودية وبلدان الخليج، في تصديهم للزحف الفارسي على الأرض العربية! إنها صرخة تقول للسعودية: نحن جوهر العروبة، فلا تتركوا هذه الجوهرة في براثن البربرية الفارسية!