اجراءات مفاجئة ضد ‘أوجيه’: هل استغنت السعودية عن الحريري؟!
سهى جفّال/جنوبية/ 8 مارس، 2016
جديد الاجراءات التصعيدية للسعودية على لبنان طالت هذه المرة مصالح آل الحريري. إذ شكلت وزارة العمل السعودية لجنة لحل مشكلة تأخر رواتب الموظفين في «سعودي أوجيه»، كما اتخذت الوزارة حزمة إجراءات لمحاسبة الشركة على عدم وفائها بأجور موظفيها. فهل انتهى زمن التبني السعودي للحريرية السياسية؟ ما ان عاد الرئيس سعد الحريري إلى لبنان قبل شهر لاحياء ذكرى اغتيال والده حتى فتحت المملكة العربية السعودية نيرانها السياسية والاقتصادية على لبنان بدون سابق انذار على اللبنانيين التي اعتبرت في البداية انها لاعادة الاعتبار لـ 14 أذار وللبلد المخطوف من قبل حزب الله.
لكن بدا ان هذه القرارات كانت مفاجئة للحريري نفسه، إذ كان واضحا أنه آخر من يعلم. حتى أن قائد الجيش العماد قهوجي صرح بعد لقائه بالحريري أن الهبة السعودية وضعت على سكة التنفيذ. أما الصفعة الثانية، فكانت تصاعد الإجراءات الخليجية في محاولة لعزل لبنان. بالرغم من، محاولات الحريري الدؤوبة لإحتواء الأزمة والإشادة الدائمة بالسعودية. لكن محاولاته بإمتصاص غضب الرياض باءت بالفشل. ولم يمن الحريري ولم يؤثر ايجابيا بالقرار السعودي. وفيما بعد، جاء موقف وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي اعترض على تصنيف حزب الله بال”ارهابي” في مؤتمر وزراء الداخلية العرب في تونس. ليتبين فيما بعد أن القرار اتخذ بعد التشاور مع رئيس الحكومة والرئيس الحريري أي أنه قرار المستقبل وقرار لبنان الرسمي لعدم أخذ لبنان إلى توتر داخلي أو مواجهة مع حزب الله حتى لو كان على حساب العلاقة مع السعودية.
وجاء ذلك، في الوقت الذي كان يطالب فيه السفير السعودي ودبلوماسيين لبنانيين باعادة تعديل سيايسة لبنان الخارجية لتميل باتجاه الخليج، ولم تفلح تبريرات المشنوق الذي قرن اعتراضه بتأييد بيان وزراء الداخلية العرب الذي تضمن “الادانة الكاملة لايران وحزب الله كمصدر لزعزعة السلم في المنطق”. إلّا أن المملكة فسرت هذا التصرف بأنه بمثابة تصعيد باتجاهها واستكملت بالتالي اجرءاتها بإعتبار المشنوق ممثل عن تيار المستقبل والحريري.
فما كان للسعودية حتى انقضت على مصالح الحريري المباشرة داخل السعودية وابرزها شركة “سعودي اوجيه”. إذ شكّلت وزارة العمل السعودية لجنة لحل مشكلة تأخر دفع رواتب الموظفين في الشركة. كما اتخذت الوزارة حزمة إجراءات لمحاسبة الشركة على عدم وفائها بأجور موظفيها، كما قطعت عددا من الخدمات عن الشركة، على رأسها خدمات التأمينات الاجتماعية، وخدمات المديرية العامة للجوازات. والجدير بالذكر، أن 56 ألف موظف في السعودية اوجيه بينهم لبنانيون وسعوديون وفرنسيون، لم يتقاضوا رواتبهم منذ خمسة اشهر.
حين بدأت السعودية باجراءاتها العقابية ضد لبنان، قيل أنها لن تستهدف كل اللبنانيين. ولكن، تبين لاحقا أنها لم تعاقب خصومها فحسب بل انها لن توفر حلفاءها التاريخيين ايضا. ولعل ما تتعرض له الحريرية السياسية من تهميش وتهشيم عبر تلك الاجراءات الاخيرة لهي خير دليل على أن السعودية لم تعد تريد حليفا في لبنان لا الحريري ولا غيره. وقد أشار مصدر خاص لـ “جنوبية” أن ” المملكة أجرت قبل وقف الهبة عدة اتصالات بكل الزعماء السنة في لبنان وأجروا خلالها نقاشات مطولة حول كيفية التصدي لحزب الله وكان من بين هؤلاء أمين عام التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد الذي رفض الجلوس مع السعودية”.
وفي هذا السياق، أشار الصحافي وفيق هواري الى ان الاجراءات الأخيرة للمملكة تجاه لبنان لـ “جنوبية” أنها “لا تشي بنهاية العلاقات بين القوى السياسية اللبنانية والمملكة. لكن، المسألة تتعلق بالإتجاه العام للمنطقة فسوريا ذاهبة باتجاه التقسيم الفعلي وليس القانوني على الطريقة العراقية. وذلك، لأن القوى السياسية المؤثرة كواشنطن وموسكو يبدو أنها ستتجه إلى اعتماد سوريا كدولة فدرالية”. وأضاف “هذا يعني أن قسما من سوريا يكون تحت النفوذ الروسي ويستفيد منه بالتالي الايرانيين وحزب الله. أما الجزء الآخر منطقة نفوذ سعودي تركي. وبالتالي سيصبح لبنان مساحة جغرافية تشكل خلفية بمثابة “مزبلة” للمنطقة العربية”.
ورأى هواري أن “ما يشير لذلك هو السلوك السياسي لحزب الله غير الآبه لمصالح الكيان اللبناني واللبنانيين. واعتماد لبنان قاعدة تشكل مدى ديموغرافي ولوجستي لمعاركه المتنقلة في أنحاء مختلفة من العالم بحثا عن نفوذ لايران الراعي الإقليمي له”. مضيفا ” هذا ما يؤشر إلى أن علاقة لبنان بمحيطه العربي تواجه سدا تشكله “دويلة سوريا المفيدة” حسب التعبير الروسي. وبالتالي يفقد أهميته بالنسبة لدول الخليج ولا يكون مكانا صالحا للاستثمار المالي أو السياسي”. كما لفت إلى أن ” سياسة المملكة ودول لخليج إتجاه لبنان ستتصاعد ولن تتراجع. كما تشكل سياسة حزب الله الحالية دافعا لهذه السياسة ولتسلطها”. مشيرا إلى “السعودية لن تترك زعماء السنة لكنها ستتعاطى معهم بامكانياتهم الواقعية من اجل التصدي لهيمنة حزب الله”.
أما بالنسبة، “لسعودي اوجيه” فيعتقد هواري أن “المشكلة مالية وليس لها علاقة بالاجراءات السعودية”. موضحا أن “هذه الشركة تراجعت بعد مقتل الرئيس رفيق الحريري وفقدان شركة سعودي اوجيه موقعا مميزا بين الشركات العاملة في المملكة. فبعد أن كانت تتعهد المقاولات على قاعدة الكلفة زائد نسبة أرباح عادت الشركة لتكون كنظيراتها من الشركات الأخرى التي تعتمد على المناقصات. ولما كان الجهاز العامل في الشركة من عاملين وأجراء قد تضخم خلال فترة رفيق الحريري بشكل كبير فانه لم يعد يتلاءم مع شروط العمل الحالية”. وخلص إلى أن “المملكة السعودية باتت تتعاطى مع الزعماء السنة جميعا ولم يعد للرئيس سعد الحريري امتيازا عن غيره كما توحي بذلك السياسة السعوديةالحالية والمستجدة”.