غرق القوى المسيحية في خجلها «لحس للمبرد» وبداية نهاية طوعية
سيمون أبو فاضل/ الأربعاء، 09 مارس، 2016
لا ينحصر فشل حكومة الرئيس تمام سلام واعضائها فقط في عدم قدرتهم على حل أزمة النفايات، بل ان ثمة فشلا واضحا يكمن في عدم قدرة رئيس الحكومة على حماية المؤسسات وحفظ التوازن داخلها وتأمين الغطاء المطلوب للموظفين على غرار ما بدا من أزمة التفتيش المركزي بإعلان رئيسه القاضي جورج عواد أنه أطلع سلام منذ مدة على ما يواجهة ومن ثم تجرؤ موظف أدنى منه مرتبة على التعرض له لكونه مدعوما من زعيم طائفته بعد ان كشف عواد فساده وادواره السلبية في تطبيق مهامه وعرقلة سير العمل. لكن على ما بدا واضحا، فإن ما أصاب عواد انسحب منذ أشهر عدة على مدير عام أمن الدولة اللواء جورج قرعة بعد شل نائبه العميد محمد الطفيلي لعمل الجهاز بموافقة ضمنية من سلام الذي يتأثر بما يمليه عليه القاضي سهيل بوجي نتيجة علاقته بالطفيلي رغم ان سلام كـ«وديعة» لرئيس تيار المستقبل في رئاسة الحكومة يفترض به ان يجنح نحو حماية المؤسسات، وايضا لرغبة القوى المسيحية بعدم الخلاف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ويعكس ما أصاب قرعة وعواد مدى الإهمال القيادي المسيحي، بحيث يمكن القول، حسب أوساط مسيحية، أن التطورات التي تشهدها المنطقة في كل من سوريا والعراق ان «داعش» ليست وحدها ما يهدد المسيحيين في مصيرهم. ففي ما خص الواقع اللبناني، يأتي التهديد للحضور المسيحي سواء كان ديموغرافيا أو تقلصا إداريا في الدولة، نتيجة استقالة القوى المسيحية من دورها المطلوب في حده الأدنى، لتعزيز هذا الواقع نظرا لما له من انعكاسات على تعزيز الوجود المسيحي في لبنان.
فإذا كانت «داعش»، حسب الأوساط ذاتها من روحية وسياسية، هي التي تهدد مسيحيي المنطقة، فإن التقصير المسيحي في لبنان يوازي هذه النتائج من منظار آخر، لكون ما يترتب عنه سيؤدي إلى هجرة المسيحيين من لبنان في ظل انطباعهم بأن الدولة لم تكن الضامنة لكل المواطنين. لكن الخطر، تتابع الأوساط، لا يكمن فقط في كون اندفاع القوى الإسلامية في السلطة لتعزيز واقعها على حساب المسيحيين، بل انه يكمن في استقالة القوى المسيحية من دورها الطبيعي في تأمين الغطاء الرسمي لأي موظف لتشجيع الطامحين للدخول إلى الدولة باستكمال مشوارهم إليها وليس التردد نتيجة التشفي الذي يصيبهم بهدف إفراغ اداراتها ومؤسساتها من العنصر المسيحي لملئه بموظفين من غير طوائف. مشيرة الأوساط إلى أنه بعد نحو سبعة أشهر من شل جهاز أمن الدولة، لم يظهر أي موقف مسيحي عملي مدافع عن هذه المؤسسة ذات الصلة بتوازنات اتفاق الطائف.لا سيما ان العماد ميشال عون تلقى وعدا من بري بحل الأزمة منذ اربعة اشهر
وتكشف الاوساط ان وفد المجلس الاعلى لطائفة الروم الكاثوليك فاتح رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري باعتباره انه زكا سلام الى رئاسة الحكومة بحيث عرض له الوزير ميشال فرعون والعميد المتقاعد شارل عطا باسهاب ما يصيب الجهاز من شلل نتيجة موقف سلام – بوجي وان «كربجة» الجهاز هو تعطيل للعمل الامني في هذه المرحلة وان الحل يكمن في تفعيله بدلا من عرقلته بقرار حكومي واضح.
وقالت الأوساط ذاتها انه بات المطلوب التوقف من قبل المرجعيات الروحية في لبنان عن تأجير الاراضي الوقفية بأسعار مشبوهة وعقود تحت الطاولة يستفيد منها عدد من المواقع والجهات داخل الاكليروس وايضا على عدة جهات سياسية وروحية التوقف عن الاستحصال على المساعدات المالية من «المحسنين» على غرار الوزير ميشال ادة تحت ذريعة دعم المؤسسات المسيحية التي شهدت هدرا او لبناء كنائس لم يتم بناؤها بعد كما حصل مع احد الاساقفة مؤخرا وبات الملف في عهدة بكركي، بل يجب الانتقال الى مرحلة جديدة رغم الفراغ الرئاسي، اذ ان البيئة المسيحية أمام ديناميكية جديدة تتوزع بين اتفاق التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتشكيل مجلس جديد للرابطة المارونية ودوري مؤسسة «لابورا» وحركة الارض بحيث يجب ان يتم وضع استراتيجية حفاظ على الوجود المسيحي بالتنسيق مع سائر القوى استكمالا للقاءات التي بدأها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بعيد انتخابه، لكن تقدمت عليها يومها الملفات الرئاسية والانتخابية، لأن هكذا رؤية موحدة من شأنها أن تشكل تكاملا لتحقيق إطار عمل لمقاربة الواقع الوظيفي الإداري المسيحي في الدولة لكونه العامل الذي يحد من الهجرة، لكن تتابع الاوساط على هذه القوى الانطلاق نحو حماية الحضور المسيحي في المؤسسات والحد من انحساره امام اعينهم.
ولا تنكر الاوساط ذات الصلة بمقامات روحية أن الخلافات الداخلية التي تشهدها الكنائس المتوزعة المذاهب قد اصابت دورها في وقت المطلوب ان يكون لها مهام انسانية واجتماعية، ويجب في الوقت ذاته ان تتوقف عدد من الجهات المسيحية عن التصرف بـ«ذمية» امام غير قوى في البلاد، لكون الأيام دلت ان الاستجداء لا يؤمن الحقوق لا بل يزيد من التقهقر المسيحي في اكثر من مجال وبذلك يكون المسيحيون كمن «يلحس المبرد ويستطيب بدمه» حسب الأوساط الروحية التي تجد أن المواقف المسيحية المنفردة والخجولة لا توازي المطلوب في ظل ما يحصل مع المسيحيين.