نصرالله يكشف التصعيد الإيراني في لبنان
خيرالله خيرالله/المستقبل/29 أيلول/15
يعترف الأمين العام لـ»حزب الله» في لبنان السيّد حسن نصرالله في مقابلته التلفزيونية الأخيرة بأن الفريق الآخر، أي الفريق الذي يرفض هيمنة ميليشيا مذهبية مسلّحة على البلد، فاز في الإنتخابات النيابية الأخيرة. كان ذلك في العام 2009. ويعترف نصرالله ايضا بأنّ حزبه أيّدَ التمديد لمجلس النوّاب. لكن ّ الأمين العام لـ»حزب الله»، كعادته، يناقض نفسه عندما يتمسّك برفض انتخاب مجلس النوّاب لشخص آخر غير النائب ميشال عون رئيسا للجمهورية. كشف بذلك أنّ المطلوب تغيير النظام بدل انتخاب رئيس للجمهورية. من يرفض أن يكون شخص آخر غير ميشال عون رئيسا للجمهورية، إنّما يبحث عن ذريعة لبقاء الموقع الأوّل في لبنان شاغرا. من حقّ الأمين العام لـ»حزب الله» التمسّك بمرشّح اسمه ميشال عون، بغض النظر عمّا إذا كان الرجل مؤهّلا أو غير مؤهّل لرئاسة الجمهورية. هذا حقّ مشروع لحزب يفترض أن يكون لديه مرشّح للرئاسة يخوض به الإنتخابات. ما ليس طبيعيا تعطيل انتخابات الرئاسة وتعطيل الحياة السياسية والإقتصادية والعمل الحكومي بحجة أن المطلوب قانون جديد للإنتخابات يعتمد نظام النسبية الذي لديه حسناته كما لديه سلبياته الكثيرة في بلد معقّد مثل لبنان. كشف نصرالله بصراحة ليس بعدها صراحة أنّ المطلوب تغيير النظام في لبنان نافيا في الوقت نفسه أي دور لسلاح حزبه، وهو الميليشيا المسلّحة الوحيدة في البلد، في التأثير على اللبنانيين الآخرين. ربّما نسي غزوة بيروت والجبل في أيّار. مايو 2008، وقبل ذلك احتلال وسط بيروت والاعتصام فيه ما يزيد على سنة. ربّما نسي ايضا من يحمي المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والمتهمين بالاغتيالات ومحاولات الاغتيال الأخرى.
قاوم اللبنانيون الآخرون الذين يؤمنون بثقافة الحياة هيمنة «حزب الله» وانتصروا عليه في انتخابات 2009، وذلك على الرغم من كل التعبئة المذهبية التي مارسها الحزب وكلّ ارتكاباته في المناطق التي يهيمن عليها. ما الذي يمنع حاليا انتخاب رئيس جديد للجمهورية غير سلاح «حزب الله»؟ حاول الأمين العام لـ»حزب الله» أن يبدو هادئا في اثناء المقابلة التلفزيونية التي اجرتها معه المحطة التابعة لحزبه، أي «المنار». لكن الهدوء كان يخفي في العمق الواضح لهجته التصعيدية، خصوصا لدى مهاجمته المملكة العربية السعودية بطريقة، أقلّ ما يمكن ان توصف به انّها مبتذلة.
لا يدري الأمين للحزب أن السذّج فقط يصدّقون ما يقوله، بدءا بكلام مضحك عن استعداد إيران لحل مشكلة الكهرباء في لبنان وصولا إلى أن مسلحيه يدافعون عن البلد وعن حدوده.
من يدافع عن لبنان لا يخرق السيادة الوطنية اللبنانية ويدوس عليها ويضع الرابط المذهبي فوق الرابط الوطني. بكلام أوضح، من يحترم السيادة اللبنانية، يحترم أوّل ما يحترم الحدود اللبنانية المعترف بها دوليا ولا يقوم بحملة تطهير ذات طابع مذهبي في الداخل السوري. لا يقوم بذلك لا في القصير ولا في الزبداني ولا في أيّ منطقة سورية أخرى… كذلك، كشف نصرالله في المقابلة التلفزيونية التي حاول من خلالها طمأنة انصاره إلى أن الوقت يعمل لمصلحة المشروع التوسّعي الإيراني، أن إيران تنوي التصعيد في لبنان. لم يخف تأييده للتظاهرات التي يشهدها وسط بيروت، علما انّه شدّد على أن «حزب الله» لا يشارك فيها. لم تكن لديه حاجة للذهاب إلى أبعد من ذلك، خصوصا أن هذه التظاهرات تؤدي، من حيث يدري منظموها أو لا يدرون، الغرض المطلوب المتمثّل في نشر الفقر والبطالة في لبنان وتعميمهما. هذا لا يعني في أي شكل تجاهل مسؤولية الحكومة اللبنانية عن ازمة النفايات وعدم ادراكها لخطورتها باكرا.
لا هدف للحزب التابع لإيران سوى نشر البؤس في لبنان وتيئيس اللبنانيين وتهجير اكبر عدد منهم، خصوصا المسيحيين، من ارضهم بحثا عن فرص عمل في الخارج. لذلك يمنع العرب من المجيء إلى لبنان، إن للسياحة أو للإستثمار، ويصرّ على التدخّل العسكري في سوريا لمصلحة نظام أقلّ ما يمكن أن يوصف به أنّه اقلّوي. فوق ذلك، يخلق الحزب بواسطة سلاحه ومسلّحيه بيئة حاضنة للفساد بابشع اشكاله على كلّ المستويات. لا حاجة بالطبع إلى تعداد ارتكابات الحزب وحمايته للمهرّبين ورعايته نشاطاتهم! كان الكلام الهادئ، ظاهرا، لنصرالله مخيفا. لا لشيء سوى لأنّه اكّد الإصرار الإيراني على التصعيد في لبنان عبر رفض انتخاب رئيس للجمهورية أوّلا. كيف يمكن تفسير هذا الموقف الإيراني؟ الجواب أنّه يترافق مع افلاس للسياسة الإيرانية في غير مكان. في العراق واليمن والبحرين على وجه التحديد وتجاه السعودية خصوصا. كذلك، انكشف ما كانت تعدّه إيران و»حزب الله» للكويت، وذلك بعد القبض على افراد خليّة العبدلي ومصادرة كمية ضخمة من الأسلحة والمتفجرات وتبيّن ان كويتيين تدرّبوا في لبنان لدى الحزب. نرى حاليا سياسة إيرانية اكثر هجومية في لبنان في وقت بات هناك توزيع للأدوار بين طهران وموسكو في سوريا. إلى أي حدّ يمكن ان تذهب إيران في تفجير الوضع اللبناني؟ الثابت أنّها ستكتفي، في المدى المنظور، بتعطيل الاستحقاق الرئاسي. فلبنان يجب أن يبقى، إلى إشعار آخر، ورقة إيرانية تستخدم في كلّ انواع المساومات على حساب اللبنانيين ومستقبل ابنائهم…
روحاني رَوْحَنَنا بتصريحاته… وتواضعه!
الياس الديري/النهار/30 أيلول 2015
من تحصيل الحاصل حضور الاستحقاق الرئاسي المعطَّل في لقاءات نيويورك. لكنّ المهمّ والمطلوب إقناع طهران بالإفراج عن هذا الاستحقاق، فيعود الروح إلى لبنان وترجع دورة الحياة الطبيعيّة إلى بيروت الضائعة. لقد مرّت سنة ونصف سنة تقريباً على الفراغ الرئاسي الذي تعترف الأمم المتحدة، وواشنطن، وباريس، وموسكو، ونيودلهي، وجزر المالديف، بأن لإيران الدور الرئيسي، بل كل الدور، في “صنعه” والتمسّك به على رغم حصول طهران على الاتفاق النووي. كثيرون من المسؤولين والسياسيّين، هنا وفي الخارج وحتى بالنسبة إلى البيت الأبيض، كانوا يتوقّعون أن تُسارع “إيران العظمى” إلى إطلاق سراح الرئاسة اللبنانيّة بعد نيْلها مطلوبها، واستعمالها تعطيل الدولة اللبنانيّة ورقة ضاغطة في اجتماعات خمسة زائد واحد…حتى هذه اللحظة لا يزال كل شيء في لبنان على حاله. بل باتت “مشكلة زبالة” تهدّد الوضع والاستقرار واضرب واطرح… ولم يتوقّف الأمر عند حدود الزبالة، ونزول بعض الفئات إلى الشوارع، ومحاولة افتعال صدامات مع قوى الأمن. إلى هنا، إلى هذه النقطة، يبقى الحال مقبولاً لو لم يُفاجئنا الرئيس الإيراني حسن روحاني، ويُفاجئ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالقول والتأكيد إن الموضوع الرئاسي اللبناني ليس مستعجلاً. وثمّة تطوّرات تفرض تأجيله تكراراً إلى تشرين الثاني. يمون الرئيس الإيراني. غالٍ وطلب رخيصاً. فليكُن تأجيل جديد، قد يجد له روحاني باباً لتأجيل آخر لغايات قد تكون أبعد من كل ما راوَدنا من أفكار وتحليلات وتعليلات في ما مضى من الأيام والأسابيع والأشهر. وتمون إيران التي تلعب دور المفوّض السامي والمنتدب والوصيّ، من غير أن يُعلن ذلك رسميّاً. فالأعمال والتصرّفات كافية وافية لتحكي وتفسِّر وتشرح، ولا يبقى من حاجة إلى توضيح. وليصطفل اللبنانيّون. وليبقوا على ما هُم عليه من تشرذم وانقسامات. وليبقَ البلد بلا رئيس للجمهوريّة، وتحت رحمة مفاجآت آخر تطوّرات أكوام الزبالة وإجراءات القيّمين عليها. فالجماعة في طهران عندهم مواويل كثيرة، تتمدّد على ثلاثة أرباع مساحة المنطقة العربية ودولها وحروبها وأزماتها. والدول الكبرى وعالم الخارج الذي بدأ يتعثّر بمئة وثلاثين ألف مهاجر معظمهم من سوريا، وقليلهم من ليبيا، جميعهم كلّهم يكادون يغرقون في شبر مهجَّرين… فكيف لو كانوا مكان لبنان الذي يستضيف ما يرجّح البعض بلوغ عددهم المليوني مهجَّر سوري. وفي بلد مساحته لا تتجاوز عشرة آلاف وأربعمئة واثنين وخمسين كيلومتراً مربّعاً؟ إنما بيت القصيد يبقى في طهران، وفي “تواضع” كبار مسؤوليها خلال أحاديثهم مع رؤساء الدول العظمى في العالم. كلام روحاني الصريح والمريح يضعنا أمام علامة استفهام لا تعجُّب.