على حزب الله الاختيار بين المقاومة والحكومة
منى فياض/العرب/23 آذار/16
اعتدت مؤخرا أن أشير إلى إيران ومواقفها وليس إلى حزب الله، إذ أن السؤال المطروح هو هل ما زال هذا الأخير يملك زمام أمره وقراراته؟ لأنه كما يقول أمينه العام تماما “جندي في جيش الولي الفقيه” ينفذ الأوامر العسكرية والأمنية التي يتلقاها. وهذا لا يمنع أن يساهم أحيانا في صياغتها وإخراجها، لكن الغاية منها خدمة إيران ومصالحها.سبق أن كتبت عن سياسة إيران المزدوجة، التي تتصرف تارة كدولة تريد أن تظهر نفسها كجزء من المنظومة الدولية العالمية وتجهد لتجميل صورتها وفتح أبوابها للرساميل الغربية. لكنها تمعن في التصرف كحزب عقائدي وثورة تغزو وتريد أن تفرض سياساتها ضاربة بعرض الحائط المواثيق الدولية والأعراف الدبلوماسية. وليس أدل على ذلك من إحراق السفارة السعودية في إيران وقنصليتها.
حزب الله يتصرف بازدواجية مماثلة في لبنان. فهو يعلن أنه مقاومة ويمتلك جراء ذلك أجهزة وأعتدة أمنية وعسكرية، مع أجندة خاصة ينفذها بمعزل عن إرادة الشعب والدولة اللبنانية، كما يتمتع، جراء ذلك، بإعفائه من الرسوم الجمركية في ما يتعلق بنشاطه المقاوم هذا.
صفة المقاومة جعلته يسمح لنفسه بالقيام بنشاطات أمنية وعسكرية على طول الكرة الأرضية وعرضها. كما جعلته يشترك في الحرب على الشعب السوري (ناهيك عن اليمني)، تلبية لأوامر مرشد إيران، ويرسل مدربين وخبراء إلى اليمن وإلى البحرين، ويقوم بأعمال تضر الأمن الوطني في عدد من البلدان العربية من مصر إلى السعودية، بحسب وثائق عرضت بعضها وسائل الإعلام. وأخيرا اتهم مع إيران بصلات تربطهما بنشاطات القاعدة وأسامة بن لادن وهجمات 11 سبتمبر 2001. في عودة إلى عصور غابرة وقبل أن تترسم حدود الدول الوطنية ويُعرف كل مواطن بانتمائه الحصري لدولة وجنسية معينة أولا، وليس لطائفة ولا لدين ولا لحزب، لكن بالرغم من كل ذلك، حزب الله يفرض نفسه ويحميها باسم لبنان وكجزء من الدولة اللبنانية وبرلمانها وحكومتها. وبهذا نجده ينسخ النموذج الإيراني في لبنان. لكن إيران دولة لها نظامها الشرعي وحكومته التي تقرر سياساته، بينما حزب الله يورط لبنان ودولته رغما عنهما، فيما هو لا يمثلهما ولا يمكنه التصرف باسمهما. إنه يمثل شريحة من اللبنانيين بالطبع، لكن لا نعلم إذا كانت لا تزال توافق حقاً على هذه الأدوار المنتشرة التي لم تكن مكشوفة إلى هذا الحد حتى الآن.
هناك سؤالان يطرحان في هذه المناسبة: الأول هل حزب الله هو حزب مقاومة حقا؟ وهل هذا سلوك مقاوم؟، الثاني كيف توصل حزب الله إلى فرض سياساته على الجمهورية اللبنانية، حيث يمنع انتخاب رئيس للجمهورية ويعطل البرلمان عبر عدم حضور الجلسات ويعطل الحكومة؟
في ما يتصل بالسؤال الأول نجد أن حزب الله اعتمد طويلا في سلوكه على سمعته الطيبة، في لبنان وعند الشعوب العربية، جراء مقاومته إسرائيل ومساهمته في تحرير لبنان. فهل لا يزال “مقاومة” حقا الآن؟
تعريف المقاومة ودورها متفق عليه عامة، هي الدفاع عن الوطن ضد أخطار خارجية، مثل احتلال أو اعتداءات من طرف خارجي على التراب الوطني. وذلك في حال عجز الجيش الوطني أو تواطئه مع الاحتلال. لكن الجيش اللبناني جيش وطني يقوم بدوره في حماية الحدود من الجنوب إلى الشمال منذ أن سمح له بذلك بعد حرب 2006، وجنوده وضباطه من أكفأ جنود العالم. ألا تنتفي إذن صفة المقاومة عنه بعد أن تحرر الوطن ليعود أعضاؤه مواطنين كغيرهم؟ بمعنى أن يحلّوا أنفسهم كمقاومة ويمكن لمن يرغب بالاستمرار في الدفاع عن الوطن الانخراط في الجيش. هذا عدا عن أن المقاومة لا يمكن أن تكتسب شرعيتها إلا عندما تكون غالبية الشعب معها.
حالة حزب الله تشكل استثناء لجميع المقاومات المعروفة منذ نشأته وطريقة استحواذه على المقاومة ومنع مكونات الشعب الأخرى من الاستمرار فيها وجعلها حصرية باسمه وربطها بطرف خارجي بات يهدد الأمن القومي العربي ويعبث به باعتراف رجاله.
فإذا كان حزب الله مقاومة لبنانية أي عربية، هل يمكنه أن يكون جزءا من مشروع هيمنة على لبنان وغير لبنان؟ كيف لمكون لبناني عربي أن يرضى بالانتماء إلى جهة تتبجح بأنها تحتل أربع عواصم عربية منها بيروت التي يفترض به الدفاع عنها؟ أم هناك احتلال إيراني حلال ومقبول، وآخر إسرائيلي حرام ومرفوض؟ تصبح المفارقة: أن هناك طرفا داعما “لمقاومة” بلد لكنه يعلن “احتلاله” لهذا البلد عبر “المقاومة” التي يدعمها بالذات؟ بالنسبة للسؤال الثاني، نجد أن حزب الله يتبع سياسة إيران واستراتيجيتها التي تعتمد الدهاء ، ومن هنا القول المأثور في أنها “تذبح بالقطنة”، فسياساتهم تخطط لمعاركها مسبقا وعلى مدى طويل وتعتمد الصبر والدهاء. تتجنب مهاجمة القوي وتهاجم الضعيف، كما أنها لا تضرب إلا مباغتة وعندما تكون على ثقة بالنجاح، وهي لا تتوقف عن التحرك والهجوم كي تبقي أعداءها في حالة خوف وحذر دائمين.
وفي كل ذلك لا تنسى أن تحافظ على معنويات جمهورها عبر بروباغندا مدروسة تغطي على الهزائم وتجعلها انتصارات وتضخم مكاسبها. فالإعلام من أهم وسائلهم القتالية ويخصصون له المليارات ويشترون الصحافيين والكتاب حتى الغربيين منهم. الإعلام هو سلاح هذه المنظومة الفعال الذي تعتمده لمحاربة الأعداء والقضاء على الخصوم وتحطيم معنوياتهم. هي في كل ذلك تعتمد سياسة القضم والأذى بجرعات صغيرة مدروسة، حيث لا تجعل عدوها يتخلى في سلوكه عن تحفظاته كي لا يرد عليها بشكل قوي مؤذ. الأمر الذي تخطته في اليمن مثلا عقب سكرة الانتصارات والتفاخر باحتلال 4 عواصم عربية ما استجلب عاصفة الحزم وكل ما تبعها. إن المقولة الذهبية لحزب الله، على هدي إيران، هي أن الدرب المفضي إلى النصر الكبير يمر عبر الآلاف من الانتصارات الصغيرة. وهذا ما نجح في لبنان على كل حال.
من هنا وأمام تدهور الدولة اللبنانية وتحللها، على الحكومة اللبنانية وحزب الله الكف عن التكاذب واللف والدوران. هذا إذا أرادت الحكومة ومن يقف حقا مع لبنان، أن يحفظاه. المطلوب المواجهة وتخيير حزب الله بين كونه حزب مقاومة (رغم التحفظات على هذه التسمية) تأتمر بأوامر الولي الفقيه أو غيره، وبين أن يكون جزءاً من الدولة وممثلاً في الحكومة عبر وزراء يمثلونه حصراً ولا يمثلون حكومة لبنان ورئيسها.
الدولة اللبنانية ليست في حرب مع سوريا ولا مع أي بلد آخر، والجيش اللبناني يدافع عن الحدود مع سوريا وفي الجنوب، مع أنه يقف عاجزا أمام خرقها من لبنان إلى سوريا. يحق لحزب الله أن يفعل ما يشاء، سواء كأفراد أو كفرقة مذهبية خاضعة للولي الفقيه، لكن ليس باسم المقاومة ولا باسم اللبنانيين.
وبهذه الحالة على حزب الله أن يثبت هل هو فعلا جزء من الحكومة اللبنانية وبالتالي لا يورطها في قتال عابر للحدود ومخل بأمن العديد من الدول، ويسمح بالحفاظ على الحد الأدنى من الوجود اللبناني بما يسمح للبلد بالاستمرار في حده الأدنى من أجل المصلحة المشتركة لجميع من يستظل بسمائه.
أسرار “حزب الله” في الخرطوم!
وائل علي/المدن/الثلاثاء 22/03/2016
أسرار “حزب الله” في الخرطوم! خمسة أسرار يخشى “حزب الله” تسريبها!
تعتبر العلاقة بين “حزب الله” والنظام السوداني قديمة جداً، وتعود تحديداً الى انقلاب الرئيس عمر البشير في العام 1989، وهي علاقة مشتركة تربط الطرفين منذ أن كان النظام السوداني في أيامه الأولى يعاني من غياب أي جهاز أمني قوي لحمايته، ولجمع المعلومات عن خصومه، مما اضطر النظام إلى إرسال عدد من الضباط للتدرب في إيران وفي معسكرات تدريب تابعة لـ”حزب الله” في سهل البقاع.
ظلت العلاقة بين النظام السوداني و”حزب الله” مرتبطة بالتدريب على يد الخبراء الإيرانيين، ولم تكن هناك علاقة اتصال مباشرة بينهما حتى تأسس المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، والذي ضم “حزب الله”، ثم ترسخت العلاقة مع مواقف التعاطف والتضامن التي أبداها الحزب مع الحكومة السودانية عندما قصفت أميركا مصنع الشفاء للدواء في العام 1997، حيث صرح لـ”رويترز” أنذاك عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب عمار الموسوي، قائلاً إن “الضربات الاميركية على اهداف في السودان وأفغانستان، قد تدفع الى المزيد من الهجمات على المصالح الاميركية، واذا كانت الولايات المتحدة تعتقد انها بهذا الاسلوب تستطيع إرهاب العرب والمسلمين، فإن هذا العمل الوحشي ضد الابرياء سيذكي نيران المشاعر العدائية تجاه الولايات المتحدة”.
كان التحالف بين النظام السوداني و”حزب الله” سياسيا، بما أن النظام باعتباره إسلامياً يتعاطف مع نظام إيران، الذي يرى فيه نموذجاً إسلامياً. ومن منطلق التحالف مع إيران كان الإلتقاء مع الحزب في الخط السياسي، الذي كان يرفعه الحزب، خصوصاً تحرير جنوب لبنان، وطرد الجيش الإسرائيلي، وتحرير فلسطين.
أخذ التحالف السياسي في النمو عندما قرر الحزب الدخول للإستثمار في السوق السودانية، عبر واجهاته الإستثمارية التي تنتشر في افريقيا، فاستثمر في جميع المجالات، في المطاعم، والمقاولات، والاتصالات، وتطورت العلاقة لتشمل مجالات التجارة والسياسية، حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما تبعها من أحداث. وخلال هذه الفترة أرسل البشير مستشاره السابق مصطفى إسماعيل عثمان، بعد حرب تموز، في مبادرة سياسية، للضغط لعودة وزراء قوى “8 آذار” الى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، التي قاطعوها.
في هذه الفترة وصلت العلاقة الى أوجها، خصوصاً أنه يتردد أن النظام السوداني سمح ببث قناة “المنار” التابعة للحزب من الخرطوم أثناء حرب تموز في العام 2006، كدليل على التعاطف مع الحزب أمام همجية العدوان الإسرائيلي في ذلك الوقت. في المقابل، سعى “حزب الله” دوماً إلى تطوير العلاقة مع النظام السوداني، وكان حريصاً عليها، وصولاً الى عرض الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله التدخل في دارفور عسكريا إلى جانب قوات البشير في العام 2010، عندما قال في رسالة شفهية ان “مقاتلي حزب الله سيكون لهم شرف القتال في دارفور، وان تروي دماؤهم الطاهرة ارض السودان”. غير أن هذه الرسالة لم تلق من النظام السوداني أذناً صاغية، بل إن مسؤولاً سودانياً صرح حسب وثائق “ويكيلكس” لأعضاء السفارة الأمريكية في الخرطوم أنهم يعتبرون “حزب الله” من المنظمات الإرهابية.
منذ انقلاب النظام السوداني على المعسكر الإيراني، والمشاركة في عاصفة الحزم في اليمن ، و”حزب الله” يتوجس من أن يقوم نظام البشير بكشف المستور و إخراج أسرار الحزب التي يمتلكها الأمن السوداني، والتي يمكن أن تدين الحزب بالإرهاب في المحافل الإقليمية والدولية، ومن بين هذه الأسرار التي يخشى “حزب الله” تسريبها:
1- الشبكات الإقتصادية والإجتماعية الداعمة للحزب في افريقيا، وأسماء الداعمين، خصوصا من اللبنانيين والسوريين المغتربين في افريقيا، خصوصاً أن رامي مخلوف وأحمد محمد حسنين هيكل، هم شركاء في استثمارات “حزب الله” في السودان كما كشفت وثائق إستخبارتية سورية مسربة.
2- تورط عناصر الحزب في عمليات ارهابية في الدول العربية، حيث تبين من اعترافات المتهمين في خلية “حزب الله” في مصر، أن الحزب أقام معسكرات لتدريب المتعاطفين معه (أكثرهم من المصريين) على فنون التفخيخ، والتفجير، وكان عنوان هذا المعسكر هو تحرير فلسطين، وإن كان سامي شهاب زعيم الخلية نفى في اعترافاته أن يكون خطط للقيام بأي عمل ارهابي في مصر و لو ضد السياح الإسرائيلين في سيناء.
3- أسرار صفقات الأسلحة التي يملكها الحزب، خصوصاً أن البحرية الإسرائيلية استطاعت، وفق ما نشر موقع “الشاباك”، القبض على سفن محملة بالسلاح لصالح الحزب في سواحل السودان. وقضية سفن السلاح التي تمر عبر السودان من القضايا الإشكالية التي سببت فك الإرتباط بين نظام الخرطوم وطهران، لأنه لم يكن مقبولاً استخدام إيران و”حزب الله” للأراضي السودانية من دون إذن لتهريب السلاح إلى غزة، مستعينة ببعض المهربين من قبائل البدو العربية، الذين يتنقلون في الحدود الفاصلة بين ارتريا والسودان ومصر. وكانوا عرضة للطيران الإسرائيلي في أكثر من مرة أشهرها تدمير 17 شاحنة محملة بالسلاح في الصحراء شمال مدينة بورسودان في العام 2009، والتي تسببت في مقتل و اصابة 200 مهرب.
4- النشاطات غير المشروعة التي يقوم بها الحزب في افريقيا، خصوصاً أنه خلال العام الماضي احتجزت سلطات الجمارك السودانية، حاويات مخدرات مصدرها لبنان، وتم تفكيك والقاء القبض على أكثر من تشكيل عصابي يتاجر في المخدرات، ويقوده لبنانيون وسوريون، على الرغم من أن الحكومة السودانية لا تتحدث عن “حزب الله” كمتهم، وكذلك كانت عملية القبض على هذه العصابات بعد “عاصفة الحزم”، وفق ما أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي!
5- أن تقوم الحكومة السودانية بفضح أسرار قضية هروب السجين سامي شهاب، زعيم خلية مصر، حيث تبين أن من قام بتهريبه خارج مصر أثناء ثورة 25 يناير، هي المخابرات السورية بعملية أمنية أدارها اللواء علي مملوك، عبر تأمين وثائق سفر مزورة، استطاع عبرها شهاب السفر من مصر إلى السودان ثم إلى بيروت. وهذا الأمر إن ثبت فسوف يزلزل قضية اقتحام السجون التي يتهم بها الرئيس الأسبق محمد مرسي، و قد يضيف اللواء علي مملوك كمتهم في تهريب السجناء، وهذه الرواية نقلتها نصا صحيفة السياسة الكويتية في العام 2011 عقب أسبوع من تنحي مبارك.