قصة الاجتماع السري بين مغنية وبن لادن
عبدالله الرشيد/عكاظ/06 نيسان/16
في شهر ديسمبر من العام 2012، مع احتدام العنف المسلح في الثورة السورية، وجه حسن نصر الله -أمين عام حزب الله- نصيحة مشفقة إلى تنظيم القاعدة الذي بدأ يتوافد للقتال في سورية، فقال: «أوجه ندائي إلى تنظيم القاعدة وأقول لهم إن الغرب وبعض الحكومات العربية قد نصبت لكم كمينا في سورية، وفتحت لكم ساحة لتأتوا إليها من كل العالم، حتى يقتل بعضكم بعضا، ولو فرضنا أنكم استطعتم تحقيق إنجاز ميداني، فإن أول من سيدفع الثمن ويكون الضحية هو أنتم، كما حدث في أفغانستان وبلدان أخرى».
هذه النصيحة الأخوية من زعيم حزب الله لتنظيم القاعدة كانت في يوم من الأيام على شكل معسكرات مشتركة، وتدريب نوعي خاص قام به قيادات في الحزب لتأهيل عناصر القاعدة في بداياته التوسعية مطلع التسعينات.
يشير الصحفي الأمريكي لورانس رايت في كتابه «البروج المشيدة – القاعدة والطريق إلى 11سبتمبر» إلى أواصر الصلات بين تنظيم القاعدة وحزب الله، التي بدأت في السودان عام 1992، حين أقنع حسن الترابي ابن لادن بـ «فكرة تقدمية مثيرة، وهي توحيد جهود الشيعة والسنة ضد العدو المشترك أمريكا، اقتنع ابن لادن للفكرة وتحمس لها، فأوعز إلى مستشاره وصديقه المقرب ممدوح سالم، المعروف بأبي هاجر العراقي، ليعظ في صفوف القاعدة أن العدو المشترك هو الغرب، وأن الطائفتين الرئيستين في الإسلام يجب أن تتحدا لتدميره. كما دعا بن لادن ممثلين من الشيعة لكي يلقوا أحاديث حول هذا الشأن أمام أفراد القاعدة».
في تلك الأثناء عقد أبو هاجر العراقي اجتماعات سرية في الخرطوم مع مسؤول ديني إيراني وشخصيات إيرانية تمهيدا للتعاون بين الجانبين للعمل معا ضد الولايات المتحدة، تمخضت تلك الاجتماعات عن اتفاق عسكري مشترك، نُفذ بنده الأول في 1993 بسفر وفد من أعضاء القاعدة إلى وادي البقاع في لبنان لتلقي التدريب على استخدام المتفجرات، وكيفية تفخيخ الشاحنات على أيدي كوادر حزب الله، حيث كان الحزب هو أول فصيل إسلامي استخدم هذا التكتيك في عملياته الإرهابية.
يذكر الكاتب ياسين جميل في مقالة له عن (علاقات ابن لادن السرية) أن إيران تلك الفترة أقامت معسكرات في السودان لتدريب عناصر القاعدة، «حيث تدرب الكثير من رجال بن لادن على أيدي الحرس الثوري بإشراف الجنرال محمد باقر ذو القادر في مراكز تدريب أقامها بن لادن داخل مزارع للتمويه، كانت تنشط تحت غطاء منظمة (جهاد الإعمار) التابعة للحرس الثوري».
في ظل هذا التواصل المحموم بين القاعدة وإيران عبر وسيطها في المنطقة حزب الله، جرى الترتيب بين الطرفين لعقد لقاء خاص بين ابن لادن، وعماد مغنية قائد الجناح العسكري لحزب الله، وأحد أبرز المطلوبين على قوائم الإرهاب لدى الاستخبارات الغربية. كان ابن لادن منبهرا بالعمليات التي نفذها مغنية عام 1983 وهي تفجير السفارة الأمريكية ببيروت التي أدت إلى مقتل 63 أمريكيا، وتفجير مقر قوات المارينز التي أدت إلى مقتل 241 من مشاة البحرية الأمريكية. طلب أسامة من مغنية تقديم الخبرات لأعضاء تنظيمه، رغبة منه بأن يتدرب رجال القاعدة على تنفيذ عمليات مماثلة، وافق مغنية على التدريب مقابل أن يمده ابن لادن بالسلاح. بعد هذا اللقاء سافر بعض رفاق أسامة إلى إيران للتدريب في مجال الأمن وصنع المتفجرات على أيدي فيلق القدس بموجب التفويض الذي لديه من المرشد الأعلى بتدريب التنظيمات الإسلامية في العالم التي تقاتل «الشيطان الأكبر».
أكدت هذه القصة صحيفة نيويورك تايمز التي كشفت في يناير 2002 وثائق خاصة حصلت عليها من مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية تؤكد وجود اتصالات بين مغنية وإيران وبن لادن خلال التسعينات، تقول الصحيفة: «عقد مغنية لقاء واحدا على الأقل مع بن لادن. من الواضح أنه كان يهدف إلى مناقشة إقامة علاقات تعاون معه، طبقا لبيانات قدمت إلى محاكم فيدرالية أمريكية من قبل مساعد سابق مقرب من بن لادن». وهو السوداني جمال الفضل الذي انشق عن القاعدة، وقال في شهادته التي قدمها للمخابرات الأمريكية: «سيف العدل ومجموعة معه ذهبوا إلى جنوب لبنان بداية التسعينات وتدربوا على يد حزب الله».
هذه الصلات بين القاعدة وحزب الله، دعمت فرضية كانت تتبناها بعض الدوائر الحكومية والاستخباراتية الأمريكية -كما يشير لذلك الباحث النرويجي توماس هيغهامر- هي أن القاعدة تعاونت سرا مع حزب الله الحجاز في تنفيذ العملية التي استهدفت مجمع أبراج الخبر عام 1996، وقتل فيها 19 أمريكيا، و372 جريحا، ورغم أن من قام بها هم أحمد المغسل، وعبدالكريم الناصر، وغيرهما من أبناء الطائفة الشيعية، بتمويل ودعم من النظام الخميني، إلا أن بن لادن احتفى بالعملية في خطاب ألقاه بقندهار، قال فيه:
جيش الصليب غدا هباء يوم فجرنا الخبر
بشباب إسلام كماة لا يهابون الخطر
تفجير الخبر يتفق تماما مع النهج الذي بدأته القاعدة، ويحقق الأهداف التي تنادي بها آنذاك، وهي «إخراج القوات الأمريكية من جزيرة العرب»، فليس مستغربا أن نجد تشابها كبيرا بين عمليتين، الأولى التي استهدفت مقر البعثة الأمريكية لتدريب الحرس الوطني بالرياض في العليا عام 1995، وقتل فيها خمسة أمريكيين، واعترف المنفذون بتأثرهم بتوجيهات بن لادن والمقدسي، والثانية التي جاءت بعدها بسنة، وهي عملية الخبر. لذلك ورد في التقرير الأمريكي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر ما نصه: «لقد شاهدنا أدلة قوية ولكن غير مباشرة، أن تنظيم القاعدة قد لعب دورا غير معروف حتى الآن في هجوم الخبر».
لكن على الرغم من اختلاف وجهات النظر حول حقيقة علاقة تنظيم القاعدة بحزب الله الحجاز، إلا أنه من المؤكد وجود علاقات عميقة وتاريخية جمعت بين حزب الله والقاعدة في أكثر من موضع. من بينها ما تحدث عنه أخيراً حسن نصر الله، محاولا تبرير تدخله العسكري في سوريا، وأنه ليس طائفيا، حين أشار إلى قتال عناصر حزب الله «دفاعا عن المسلمين السنة في البوسنة والهرسك»، ومن المعلوم أن أبرز الفصائل الجهادية الأجنبية التي قدمت للقتال في البوسنة والهرسك كانوا من القاعدة، فأول مجموعة وصلت للبوسنة هي من المجاهدين العرب القادمين من أفغانستان.
يورد موقع الأخبار اللبناني تفاصيل موسعة عن دور حزب الله في معارك البوسنة والهرسك، وتقاطعه الواضح مع عناصر القاعدة هناك، يقول: «لعبت القيادات الإيرانية كرئيس مجلس صيانة الدستور آية الله جنتي، دورا في تسريع الدعم للمقاتلين في البوسنة، فأرسلت مجموعات من الحرس الثوري وحزب الله.. كما أن خمسين مدربا ومستشارا من حزب الله وحركة التوحيد الإسلامية وصلوا في 9/11/1992 لتنظيم صفوف المقاتلين البوسنيين بعدما غادروا عبر مرفأ طرابلس في شمال لبنان. كما استخدمت البنية التحتية والمعسكرات التي أنشأها الحرس الثوري في البوسنة للإمداد اللوجستي والبشري لإدخال متطوعين من مختلف الجنسيات من أفغانستان والشيشان واليمن والجزائر، وتدريبهم على القتال».
إنه تحالف طويل بين فصائل الإرهاب التي فرقتها المذاهب، واتحدت في الغايات والأهداف، والمطامع، «تحالف شاذ» كما يصفه الكاتب السعودي مشاري الذايدي في مقالة له تحت هذا العنوان، قال فيها: «حدثني شخص، يعرف تماما ما يقول، أن يوسف العييري -مؤسس تنظيم القاعدة في بلاد الحرمين-، هو ضابط الارتباط السري بين (قاعدة السعودية) و(حزب الله اللبناني)!».