المواقف الغربية لم تتغيّر من رحيل الأسد
ثريا شاهين/المستقبل/02 تشرين الأول/15
هل تُعدّ المواقف الغربية الجديدة المتعلّقة بالقبول ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، تغييراً جذرياً، أم إن الهدف لا يزال هو نفسه؟ تفيد مصادر ديبلوماسية، إن الغرب يقبل بفكرة أنه إذا كان بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، من دون صلاحيات تذكر، يؤدي الى حل المشكلة، فلن يصار الى معارضته. إذ إن الغرب لم يغيّر مواقفه بالنسبة الى الأسد على الإطلاق. وهو لا يزال يعتبر أن لا دور للأسد في مستقبل سوريا. فإذا رضي أن يبقى بهذا الشكل في المرحلة الانتقالية، ثم يخرج من الحكم، يعني توفر طريقة «لائقة» لإنهاء سلطته، فإن الغرب سيقبل بذلك حتماً. إلا أن المصادر لا تتوقع أن يبدي الأسد قبولاً بهذا الطرح. لكن الأمر متوقف على الموقف الروسي، حيث إنه إذا رغبت روسيا في الضغط عليه لإقناعه بذلك، فإنه سيقتنع، لا سيما وان الروس هم من أوقفوا النظام على رجليه، بالتعاون مع إيران و»حزب الله»، لكن الأخيرين لم يتمكنا في الآونة الأخيرة وحدهما من إيقافه على رجليه، لولا التدخل الروسي العسكري الأخير والذي توسع، وانتقل من السر الى العلن. هذا فضلاً عن دعم روسيا له ديبلوماسياً في مجلس الأمن، حيث لم يتمكن من استصدار قرار ضده. وتكشف المصادر، أنه لا يمكن اعتبار المواقف الدولية تحولاً، إذ إن الموفد الدولي لحل الأزمة السورية ستيفان دي ميستورا منذ لحظة تسلمه لمهمته، كان يفكر بطريقة تؤدي إلى إنهاء حكم الأسد لكن ليس بالانكسار الفوري، إنما عبر عملية انتقالية يكون فيها من دون صلاحيات، حيث إنه في نهاية هذه المرحلة، ستشكل حكومة، وستجرى انتخابات، وسيصار إلى إنجاز دستور جديد للبلاد، عندها يغادر، أي ليس على طريقة ما حدث في اليمن حيث دول عدة لم تكن لتوافق على ذلك.
آراء الدول الأوروبية متفاوتة في ما بينها بالنسبة إلى طريقة التعامل مع مصير النظام السوري. فرنسا وبريطانيا وألمانيا تعتبر أن النظام، وبالتالي، الجيش السوري لا يستطيع أن يقاتل تنظيم «داعش»، وأنه إذا قاتله فسيزيد هذا الأمر السّنّة تطرفاً. وبالتالي فإن «داعش» سيتمكن مع التنظيمات المماثلة من استقطاب المزيد من المقاتلين والمناصرين، وإذا لم يكن هناك حلّ سياسي فلن يتم التخفيف من خطر هذا التنظيم. أما تشيكيا، التي لم توقف علاقاتها بالنظام، ولم تقفل سفارتها في دمشق، فتقول بأولوية محاربة الإرهاب و»داعش». وأن الأسد يمكنه محاربة الإرهاب. وأنه يجب العودة إلى فتح علاقات مع الأسد. وبولونيا مثلاً، أرسلت موفداً الى دمشق ولم تُعِد العلاقات. الموقف الأوروبي كان متأرجاً، لكن في النهاية الدول الثلاث الكبرى كان لها موقفها النهائي. ثم هناك قضية اللجوء السوري الى أوروبا. فالألمان يريدون بقاء السوريين في أرضهم، لكي لا يدخلوا الى أوروبا حتى خلسة. وتخفيف حدة القتال في سوريا قد ينتج عنه تخفيف اللجوء. من هنا انبثقت فكرة إبقاء الأسد في المرحلة الانتقالية من دون صلاحيات حتى أمنية، قوى أمن وجيش أيضاً، الى أن يخرج لاحقاً بعد تشكيل حكومة جديدة وإجراء تغييرات دستورية. إن هذا الطرح، يأتي في سياق العملية التفاوضية ذات الصلة بالسعي الى الحلّ في سوريا. في تشرين الأول المقبل سيناقش وزراء الخارجية الأوروبيون الوضع السوري في اجتماع لهم. لكن لا تغيير جذرياً في الموقف حول الوضع السوري. هناك دعم لجهود دي ميستورا، ولإمكان أن تصل المباحثات بين قادة العالم في نيويورك على هامش أعمال افتتاح الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حول سوريا الى حلحلة معينة. الأسد، بحسب المصادر، يريد المرحلة الانتقالية، ومستقبل سوريا. الموقفان الأميركي والفرنسي لم يتغيرا. الرئيس الأميركي باراك أوباما لن يُقدم على تغيير جذري في موقفه حول سوريا، إنما إذا نضجت ظروف معينة لحل، فسيساهم به. روسيا التي دخلت مجدداً على الخط السوري، تجد نفسها مضطرة الى ادخال النظام في التفاوض، وبالتالي، مضطرة الى السعي لإبقاء الأسد في المرحلة الانتقالية. الأسئلة المطروحة كثيرة، فإذا بدأت أي مفاوضات، هل ستكون جدية أم لا؟ وأي نظام سيتم تركيبه لسوريا، نظام طائفي على صورة النظام اللبناني أم لا؟ ما الذي سيحصل بالأجهزة الأمنية، لا سيما التي كانت تعتمد القمع، فهل ستحل أم لا؟ كل هذه الأمور خاضعة للتفاوض. وهل باتت لدى أي فريق خارجي مؤثر في سوريا مصلحة فعلية بالدخول في مرحلة تفاوض لإيجاد حل ووقف النزيف الداخلي، ونزيف المساعدات الخارجية؟
بعد مباحثات نيويورك ستتضح الصورة أكثر.
منطق المصالح
علي نون/المستقبل/02 تشرين الأول/15
دخلت روسيا على النكبة السورية لكنها لم تأخذ شيئاً من درب أحد! وجدت الطريق مفتوحاً فسلكته. والفرصة سانحة فانتهزتها. والأدوار الأخرى معطّلة فاشتغلت بدلاً منها. والأمكنة فارغة فعبّأتها! الملعب واسع، والضجيج أوسع. وعبيط من يرى ذلك ويبقى في شرفة المتفرجين.. والدول على ما تقول السردية الأولى، لا تنقاد بالعباطة بل هي مصالح وليست عواطف، وأوزان وليست أشعارا، ومبادرات وليست مناظرات. وما يفعله بوتين هو من ضمن هذه المسلّمات، الناشفة والباردة و»العلمية» وليس من خارجها أبداً! روايات تقديس ذلك الحراك، هي جزء من عدة الشغل ليس إلاّ. لم يأت بوتين إلى سوريا تلبية لنداء الكنيسة الأرثوذكسية! ولا ترجمة لحملة صليبية جديدة (من الشرق هذه المرة؟!) ولم يأت الإيرانيون إليها لأن «مقدساتهم» في خطر! أو تلبية لنداء إلهي! أو ترجمة لنص إحيائي قائم على المذهب! .. وربما ذلك تحديداً هو أخطر ما في هذه النكبة، حيث لا يتورع الباحث عن مصالحه السياسية أو عن منصّة هامشية لنزاعه الأصلي (مع الغرب والأميركيين)، أو المتطلع إلى بعث رميم عظام ماض تليد، عن توظيف كل سلاح في معاركه، وعن طرح المقدّس في موضع السعي الشيطاني! وعن تزييف مقاصده الأرضية بشعارات سماوية! مثلما لا يتورع، عن تعليق العمل بأي معطى إنساني، ولا الذهاب بعيداً في استعارة شراسة الضواري في سعيه الدموي المحموم بين البشر! ويخطئ أهل الضمير في جعله بنداً في السياسة أو في لعبة المصالح الكبرى، أو في حسابات راسمي الخرائط والمصائر البشرية.. فلهذه الأخيرة حيز منفصل يبدأ وينتهي عند انشاء ودعم صناديق اغاثة! ومنظمات انسانية معنية بـ»حقوق الانسان» وإيواء المشردين! ومساعدة اللاجئين! وتطبيب المصابين!.. أشياء يمكن اختصارها كلها تحت خيمة اسمها «الأمم المتحدة»! رأت ايران في الثورة السورية تهديداً لغرسها الذي زرعته وسقته على مدى ثلاثة عقود في سوريا، فجاءت مباشرة (ومواربة) لحماية ذلك الجنى. ولم تعوّف في طريقها شيئاً. من «المقاومة» وحمايتها الى «المقدسات» والدفاع عنها! ورأت روسيا، ان الفلتان السوري فرصة لها للردّ على العقوبات النازلة فتكاً باقتصادها، ولاعادة الألق الى دورها العالمي، ولاشفاء عقد النقص التي ضربتها بعمق مع إنهيار امبراطوريتها في الحرب الباردة، فجاءت الى الميدان وقررت اللعب فيه على كيفها، ولم تعوّف في طريقها شيئاً حتى لو كان استصدار موقف كنسي يقدّس حرباً موجهة الى مسلمين! وفي ارض اسلامية! وتحت شعار «محاربة ارهاب» لم يرهب ويؤذي ويدمّر، في الواقع، الا الاسلام والمسلمين! بنى الروس والايرانيون سياساتهم وفق مسلّمة المصالح التي يعتنقها اوباما! لم يفعلوا شيئاً من خارج ذلك النصّ سوى بالتفاصيل التي تغيّب الاخلاق! استثمروا في «الرؤية» الاميركية وليس في نقيضها! وهذه بسيطة وواضحة «وعلمية» بدورها، برغم ان الضحية لا يراها، او بالأحرى، لا يستطيع ان يراها، واذا رآها، لا يستطيع ان يستوعبها: ما الطارئ الذي يستدعي اوباما لأن يهبّ الى مواجهته حفاظاً على «مصالح» بلاده الاستراتيجية في سوريا؟! تهديد مصادر الطاقة؟! تهديد اسرائيل؟! تهديد خطوط المواصلات الدولية بين الغرب والشرق؟! تهديد «الاراضي» الاميركية؟! انتشار الاسلحة الاستراتيجية الفتاكة؟! مخاطر خلخلة نظام السوق وحركة أسواق المال، وبيوت البورصات العالمية؟! ماذا يعني بالنسبة اليه، ان يدمّر بلد مثل سوريا، وان يقتل نحو 300 الف سوري، وان يشرّد الملايين من السوريين، طالما ان كل ذلك لا يؤثر في منظومة المصالح تلك؟ الجواب هو لا شيء! وعلى هذا الجواب بُنيت وتبنى «اسئلة» الدخول الروسي والايراني في النكبة السورية. وليس على الشعر والنثر وأناشيد «القداسة» و»حقوق الانسان»..
هل يدفع بوتين ثمن تدخله في سورية؟
الياس حرفوش/الحياة/02 تشرين الأول/15
تدخل الحرب السورية مرحلة جديدة قد تكون حاسمة مع التدخل العسكري الروسي. فهذه الحرب التي طالت وقتلت 300 ألف شخص ودمرت مدن سورية وقراها وبناها التحتية، أصبحت الآن حرباً كونية بكل ما لهذه الكلمة من معنى. كل جنود العالم ومقاتليه وإرهابييه موجودون على أرض سورية، والآن صارت مقاتلات الدول الكبرى تتجول في أجوائها، وتقصف ما تختاره وما يناسبها من مواقع. ومهزلة المهازل ان الرئيس السوري لا يتعب من تكرار أن مصيره يجب أن يتقرر من قبل السوريين، فيما بلاده واقعة تحت هذه الحال من الاحتلال العالمي! تحولت سورية الى «ساحة» للصراعات الدولية ولتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، نتيجة انهيار الدولة السورية ومؤسساتها، واستخفاف العالم بها. هكذا وجد فلاديمير بوتين أن «الساحة السورية» هي المكان الأفضل لتلقين اوباما درساً في الطريقة التي يجب ان تقاد بها دولة كبرى. ففي مقابل عجز أوباما وتلكوئه عن اتخاذ اي قرار في سورية او في سواها، حزم بوتين امره وقرر ارسال مقاتلاته لدعم الدفاعات المنهارة للنظام السوري، في خطوة اعتبر مصدر عسكري سوري انها ستحدث «تغييراً كبيراً» في مجريات الحرب، بينما ذكرت تقارير صحافية ان ايران ارسلت المئات من قواتها اضافة الى عناصر «حزب الله» لدعم قوات النظام في معاركه مع المعارضة.
لم يكلّف بوتين نفسه عناء ابلاغ أوباما بقرار التدخل في سورية رغم لقائهما في نيويورك. بل كلف احد جنرالاته (في بغداد) بإبلاغ زميله في السفارة الأميركية في العاصمة العراقية بالقرار قبل ساعة فقط من بدء العمليات الروسية في اجواء سورية. استخفاف واحتقار للقيادة الأميركية لا مثيل له منذ ازمة الصواريخ الروسية في كوبا، في زمن نيكيتا خروتشوف، التي كادت ان تؤدي بالعالم الى حرب كونية، بعد تهديد جون كينيدي، وإسراع الاتحاد السوفياتي الى سحبها في اللحظة الأخيرة. حاول فلاديمير بوتين ان يضع تدخله في سورية في اطار الحرب على الإرهاب، ودعا العالم الى المشاركة في هذه الحرب، معتبراً ان روسيا تواجه خطر عودة الإرهابيين الى اراضيها، إذا لم تقم بعملية استباقية للقضاء عليهم في سورية. غير ان بوتين فضح اهدافه من التدخل في سورية عندما دعا الجميع، في خطابه امام الأمم المتحدة، الى دعم الرئيس السوري في قيادة الحرب على الإرهاب، فيما تعتبر معظم دول العالم، باستثناء موسكو وطهران وحلفائهما، أن بشار الأسد هو المسؤول الأول عن إطالة أمد الحرب في سورية وعن فتح ابوابها للإرهابيين من كل مكان، اضافة الى ان الجرائم التي ارتكبتها قواته والميليشيات الداعمة له لا تقل وحشية عن جرائم التنظيمات الإرهابية. إضافة إلى ذلك، يعتمد بوتين في تصنيفه للإرهاب والإرهابيين، القاموس نفسه الذي يلجأ اليه بشار الأسد. فكل المعارضين في سورية هم في نظره إرهابيون، باستثناء أولئك المعارضين الذين يعيّنهم النظام السوري لهذه المهمة وتستقبلهم موسكو من وقت الى آخر في مهمات «الوساطة» التي تقوم بها. لهذا لم يكن مستغرباً ان لا تميّز المقاتلات الروسية في غاراتها بين مقاتلي «الجيش الحر» ومقاتلي «داعش»، لأن الجميع في نظرها سواء. ما يقوم به بوتين في سورية اليوم قام بمثله زعيم آخر من عصر الاتحاد السوفياتي اسمه ليونيد بريجنيف. دفع بريجنيف قواته ودباباته إلى أفغانستان لإنقاذ نظام بابراك كارمال ومحاربة الإرهابيين قبل أن يصلوا إلى بلاده. وما أنجبه ذلك التدخل أصبح جزءاً من تاريخ الاتحاد السوفياتي إذ إنه ساهم في انهياره. تدخّل بوتين في سورية محفوف أيضاً بالأخطار على بلد يواجه أزمة اقتصادية صعبة ومعارضة للتدخلات الخارجية وتحاصره عقوبات غربية قاسية. لو كان هناك رونالد ريغان في البيت الأبيض لأمكن القول إن موسكو ستدفع ثمن تدخلها في سورية كما حصل معها في أفغانستان. لكن تجربة التدخّل الروسي في أوكرانيا التي انتهت بصمت غربي يشبه الهزيمة يمكن أن تتكرّر في سورية … في عصر العجز الأميركي.