في قبضة الاستعمار مجدداً؟
خالد غزال/الحياة/02 تشرين الأول/15
بعد ان اقتطعت اسرائيل هضية الجولان السورية وتخلى النظام عنها، وبعد ان ألحقت تركيا لواء الإسكندرون بدولتها ونسيها النظام، ها نحن مجدداً نشهد عودة الإستعمار الروسي، والإستعمار الإيراني، عبر دخولهما المباشر واحتلال الأرض، وكذلك الإستعمار الغربي المتدخل عبر احتلال الجو. الى جانب ذلك هناك احتلالات لقوى إرهابية مدعومة من قوى عربية وإقليمية ومتغذية من إيران والغرب. لم تتوقف روسيا عن دعم نظام بشار الأسد منذ اليوم الأول للانتفاضة. اتخذ الدعم طابعاً دبلوماسياً حين كان الروس يعطلون أي قرار أممي يدين النظام في إرهابه واستخدامه للأسلحة الكيماوية. كما كان الروس يمدون النظام بالأسلحة والخبراء تحت حجة وجود معاهدة دفاع بين موسكو ودمشق. تصاعد الدعم الروسي وتطور في شكل نوعي خلال العام الجاري الى ان وصل مؤخراً الى دخول نوعي بالسلاح والجنود وبناء القواعد العسكرية بما يوحي بإقامة طويلة. كان الدعم بداية تحت عنوان محاربة الإرهاب، فيما تحول اليوم الى حماية النظام ومنع سقوطه بأي شكل من الأشكال. لا يخفى ان روسيا تتخذ من الإرهاب ودعم حليفها بشار حجة لإيجاد موقع قدم لها في الشرق الأوسط تستخدمه منطلقاً لحماية مصالحها وتوسيع نفوذها. ليس في قاموس الروس ما يمكن دعوته مصالح السوريين والدفاع عن حقوق الإنسان، فالتاريخ الروسي، وقبله السوفياتي حافل بالانقضاض على مصالح الشعوب وقمع حركات الاحتجاج فيها، يدل على ذلك التدخل في المجر عام 1956، وفي تشيكوسلوفاكيا عام 1968 لإنهاء ما كان يسمى بـ «ربيع براغ». في المقابل مارست إيران دوراً استعمارياً بامتياز منذ الأشهر الأولى للانتفاضة. لم تكن الحجة محاربة الإرهاب، فإيران ضالعة بقوة في إرسال الإرهاب الى سورية ونشره في أكثر من منطقة. لإيران أهدافها ومصالحها المتصلة بالحصول على موقع على البحر المتوسط، يشكل نقطة انطلاق للتدخل في المنطقة العربية وتصدير ثورتها الى الشعوب العربية. تجلت السياسة الإيرانية الاستعمارية في إثارة النزاع المذهبي بين المسلمين والذي يعود لأربعة عشر قرناً دار فيها صراع بين القبائل حول السلطة والموارد. فنظمت تحريضاً مذهبياً في العراق وسورية في شكل خاص، وطورت دورها في سورية بإرسال السلاح والرجال لدعم الأسد. الأخطر في الدور الإيراني كان استعادة تقليد استعماري فرنسي وبريطاني يقوم على تفكيك النسيج الاجتماعي في كل بلد وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين مكوناته وإيصالها الى حروب أهلية، ثم التدخل لفك الاشتباكات. إضافة الى ذلك، عملت على ممارسة تطهير عرقي بقوة السلاح، وبمساعدة ميليشياتها العراقية واللبنانية، من أجل ايجاد مناطق مذهبية صافية تشكل قاعدة لمد نفوذها على سائر المناطق السورية.
أما المعسكر الغربي المتمثل في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، فقد أنجز دوره الاستعماري بنجاح. فقد شجع دخول الإرهاب وجلبه من مختلف مناطق العالم تحت حجة إبعاده عن أرضه وجعل المقاتلين ينهون بعضهم بعضاً، كما عمل المستحيل لمنع سقوط الأسد، بل استخدمه أداة في إدارة حرب أهلية نجحت حتى الآن في تدمير معظم سورية، بشراً وحجراً ومؤسسات وبنى تحتية، إضافة الى ضرب قواها المسلحة، وهو هدف سعى اليه الغرب لإنهاء موقع سورية السياسي والاستراتيجي الذي يمكن ان يشكل خطراً على مصالح الغرب واسرائيل اذا ما نجح الشعب السوري في إنهاء نظام آل الأسد.
لا شك في ان المنظمات الإرهابية التي رعاها النظام والغرب والقوى الإقليمية قد أفلتت من الحدود المرسومة لها، فاحتلت أراضي واسعة من سورية، وبدأت في ممارسة سياسة أبشع مما عرفته السياسات الاستعمارية، فدمرت ما عجز عنه النظام وقوى الغرب، وهي تشكل معضلة راهنة ومستقبلية ضد مصالح الشعب السوري. يبقى السؤال عن النظام والشعب السوري. لا شك في ان أضعف القوى اليوم هو بشار الأسد ونظامه بعد ان أنهكته الحرب الأهلية. بات ألعوبة في يد القوى الاستعمارية ومنفذاً لمطالبها. لعله أكبر المشجعين على الإرهاب وعلى استدعاء الاستعمار الى سورية. هو من صنع في البداية «داعش»، وتماهى معها. فبشار هو «داعش»، و»داعش» هي بشار. ولا مجال لمحاربة «داعش» وأخواته بوجود بشار ونظامه. فكل واحد يتغذى من الآخر، بل كل واحد يدرك ان وجوده مبرر وجود الآخر. لا شك في أن المتضرر الأكبر والدافع لأفدح الأثمان من هذه السياسات الاستعمارية وحليفها، هو الشعب السوري، الذي تهجر أكثر من نصفه، وفقد مئات الآلاف من أبنائه، ويعاني الذل في المهاحر اليوم ويموت ابناؤه في البحار. هذا الشعب سيكون عليه النضال من أجل تحرير سورية من المستعمرين ومن النظام الأسدي أولاً، وسيكون عليه استعادة وحدة سورية وبناء نسيجها الاجتماعي على قاعدة هوية وطنية عربية، تبدو اليوم في أضعف قواها. انها مهمة تحرر وطني وقومي ملقاة على سورية وقواها الحية.