داعش» ليس هدف بوتين
مارك شامبيون/الشرق الأوسط/02 تشرين الأول/15
حصل كل من توقع أو أمل في امتلاك الرئيس الروسي بوتين لمفتاح هزيمة «داعش» أو إحلال السلام في سوريا على جوابهم: لم تستهدف الضربات الجوية الروسية الأولى داخل سوريا مواقع التنظيم الإرهابي مطلقًا. بدلاً من ذلك، تابع بوتين عن كثب تنفيذ قواعد اللعبة التي وضعها الرئيس السوري بشار الأسد. نادرًا ما شنت قوات الرئيس السوري هجومًا حادًا وحقيقيًا على قوات «داعش» ما لم تُجبر على ذلك إجبارًا. وفي واقع الأمر، ظل الأسد ينظر إلى قوات التنظيم المتطرف باعتبارها من أوثق حلفائه، في محاولة من جانبه لإقناع المجتمع الدولي أن الحرب السورية تتألف من أحد خيارين لا ثالث لهما؛ إما الأسد أو الهمجية الوحشية. وقال بوتين في خطابه أمام الجمعية العامة هذا الأسبوع إن «الأسد يحارب الإرهاب بكل بسالة وشجاعة ووجهًا لوجه». كلا، فالأسد لا يفعل شيئًا من ذلك أبدًا. لخلق حالة الخيارات الثنائية التي يسعى إليها الأسد، ولإلغاء أي معارضة محتملة من جانب الولايات المتحدة قد تعتبرها أوروبا معارضة مقبولة، وجّه الرئيس السوري قواته لمحاربة قوات المعارضة بدلا من «داعش»، مما يجعل منه حليفًا محتملاً بالنسبة للتنظيم الإرهابي. وعلى النقيض من ذلك، فإن الجماعات التي يحاربها الأسد، والتي وجهت روسيا إليها ضرباتها أول من أمس (الأربعاء)، تعمل وبشكل روتيني على محاربة «داعش».
إن بعضًا من تلك الجماعات هم إرهابيون كذلك. ولكن الجماعات الأخرى ليست إرهابية، بل هي ميليشيات محلية تدافع عن مناطقها ضد عمليات السلب والنهب والقتل من آلة الحرب الرهيبة للأسد. يُعتبر اقتراح الرئيس بوتين ودعوته العالم للانضمام إلى روسيا والأسد في هزيمة «الإرهابيين» وإعادة إعمار الدولة السورية اقتراحًا معيبًا يشبه في كثير منه خطة الرئيس أوباما، سيئة الحظ، لتدريب وتجهيز جميع ميليشيات المعارضة الجديدة. ولقد انقضى ذلك المجهود المزعوم إثر تراجع عدد المستعدين لمحاربة تنظيم داعش فحسب، ونبذ حربهم مع نظام الأسد.
كيف تحول ذلك الموقف إلى مفاجأة؟ هو أمر يصعب الوقوف عليه أو تصديقه. فلقد استخدمت قوات الأسد الاعتقال، والتعذيب، والأسلحة الكيماوية، والبراميل المتفجرة، في عمليات الأرض المحروقة لاستعادة السيطرة بأي وسيلة. من غير المعقول أن ترضى الأغلبية السنية في سوريا وبخنوع إعادة فرض حكم نظام الأسد عليهم، أو مجرد اعتباره شريكًا في القتال ضد أي شر أكبر في المستقبل. وإلى الحد الذي يتمكن من خلاله بوتين من سحق كل أوجه المعارضة الأخرى ضد الأسد، فإن الأغلبية السنية السورية سوف تلتحق بالقوة الوحيدة المتبقية والمستعدة لحمايتهم، أي «داعش». بصرف النظر عن مقدار الوعود التي يمنحها بوتين في محاولة لإضفاء الشرعية من جانب الولايات المتحدة وغيرها من الدول على الحملة الجوية التي يشنها في سوريا، والتي تبدو كمحاولة لتقاسم السلطات، والتعهد بحكومة انتقالية متعددة الأعراق في سوريا بمجرد استعادة النظام هناك، أو حتى الرحيل النهائي للأسد ونظامه، فإن تلك العروض والوعود تتسم بقدر كبير من الخواء حتى تعكس تصرفاته على الأرض أنه تقبل الحقيقة الأساسية لذلك الصراع.
أولا، يتعين على بوتين الإقرار بأن الأسد جزء من المشكلة.
ثانيا، عليه الاعتراف بالتمييز ما بين تنظيم داعش من جانب، والميليشيات المعارضة للنظام من جانب آخر.
وأخيرًا، عليه إدراك أن أي تسوية سياسية سوف تتضمن وضع المناطق السنية تحت السيطرة السنية أو الدولية، وربما مؤقتًا، في ظل وجود الأسد من عدمه في دمشق.
ومن دون تلك الالتزامات من جانب بوتين، فلن يمكنه التعبير عن القوة الكافية لإحلال السلام على الأراضي السورية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
الغطرسة تضع إيران في دائرة الخطر
أمير طاهري/الشرق الأوسط/02 تشرين الأول/15
من الذي كان يكمن للآخر؟ على مدار الأيام القليلة الماضية كان هذا التساؤل هو محور المناقشات في الدوائر السياسية في طهران. الإجابة، بحسب رواية روجتها بطانة الرئيس الإيراني حسن روحاني، هي أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري كانا كامنين في أروقة الأمم المتحدة بنيويورك انتظارًا لوصول وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف. وعندما ظهر الأخير هرع المسؤولان الأميركيان إليه وأجبراه على مصافحتهما. وبعد لحظات، سرب الأميركيون القصة، مما أثار امتعاض الإيرانيين الكتومين. وتفيد رواية أخرى روجها اللوبي الإيراني في واشنطن بأن الجانبين كانا قد خططا لـ«مقابلة غير مرتبة» بين أوباما وروحاني قبل عدة أشهر، لكنها لم تتم نظرًا لاعتراض «المرشد الأعلى» علي خامنئي. بيد أنه في نهاية المطاف وافق خامنئي على أن يقوم ظريف بالمقابلة غير المرتبة إظهارًا للامتنان على الجهود الحثيثة التي يبذلها أوباما لدفع المصالح الإيرانية في واشنطن.
مما لا شك فيه أن الجانبين أرادا من المقابلة «غير المرتبة» أن تظهر حالة الود في ما بينهما. أوباما متلهف لكي يؤكد قصته الخيالية عن ترويض إيران الثورية وأنه، كما زعم مؤخرًا، جعل «العالم مكانًا أكثر أمنًا». وفي حال انكشف زيف «الاتفاق النووي» الإيراني، والذي هو بالتأكيد كذلك، سيبدو أوباما مثل الساحر المدعي في رواية «ساحر أوز»، الذي إن لم يكن رجلاً شريرًا، فهو على الأقل ساحر غير كفء. من جهته، يتعين على روحاني إنقاذ ما يمكن إنقاذه من «الاتفاق النووي» الذي لطالما قدمه بوصفه الخطوة الجوهرية باتجاه تطبيع العلاقات مع «العالم الخارجي»، والذي يفهم كل إيراني أنه الولايات المتحدة الأميركية. وكان الرئيس الإيراني قد وصف «الاتفاق» بأنه «أعظم نصر دبلوماسي في التاريخ الإسلامي».
ولطالما دفع روحاني بأن الراحل آية الله الخميني كان مخطئًا في مساعدته على تدمير رئاسة جيمي كارتر. لقد كان كارتر متعاطفًا مع الملالي منذ البداية، ولمح إلى استعداده للتعاون معهم عبر إيفاد مستشاره لشؤون الأمن القومي زبيغنيو بريجنسكي للقاء رئيس الوزراء الإيراني آنذاك مهدي بازركان مع وعود بتقديم مساعدات وأسلحة. والآن، ربما بفضل الإمام الخفي أنتجت الولايات المتحدة كارتر آخر في شخص باراك أوباما، مانحة الملالي فرصة العمر لتحقيق طموحاتهم دون مراجعة أي من القوى الكبرى. ويأمل روحاني، بدعم من أوباما، في تنشيط الاقتصاد الإيراني المتداعي، وتثبيت أقدام فصيل رفسنجاني على صعيد الجبهة الداخلية، وربما اقتناص الأغلبية في البرلمان ومجلس الخبراء عبر الانتخابات المقرر إجراؤها الربيع المقبل. ويلخص صادق زيبا كلام، أحد مستشاري روحاني، طرح الرئيس الإيراني قائلا: «لحسن الحظ، لا يعتقد السيد روحاني أن الحضارة الغربية في سبيلها إلى الانحدار والسقوط. ولا يريد تصدير الثورة، ولا يؤمن بأن مستقبل البشرية متوقف على الحضارة الإيرانية أو الإسلامية. ولا يعتبر إنكار الهولوكوست مهمة تاريخية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولا يلوح بغصن الزيتون لأميركا فحسب، لكنه ومنذ انتخابه قبل عامين لم يدع ولو مرة واحدة إلى تدمير إسرائيل». تعليق زيبا كلام على نهج روحاني إزاء «مسألة إسرائيل» يأتي في أعقاب تقارير تحدثت عن لقاء جمع وزيرًا سابقًا خدم في حكومتي الرئيسين الإيرانيين السابقين هامشي رفسنجاني ومحمد خاتمي بمندوبين إسرائيليين اثنين في قبرص من أجل إجراء «محادثات استكشافية». المشكلة تكمن في أن علاقات المودة مع الولايات المتحدة ربما تقود روحاني وفصيله، بقيادة رفسنجاني، إلى عالم خيالي تغذيه الغطرسة. والمؤشرات على ذلك حاضرة بالفعل. في الآونة الأخيرة، أدلى كل من روحاني وظريف بتصريحات استعلائية عن بلدان أخرى عديدة، بعدما انتفخت ذواتهما مؤخرًا جراء الاعتقاد بأن الولايات المتحدة باتت في صفهما. ويزعم روحاني أن الدعم العسكري الإيراني أنقذ العراق من براثن «داعش». ويقول الرئيس الإيراني: «لو لم تكن قواتنا المسلحة هناك، لكان (داعش) في بغداد بالفعل الآن.. نحن من أنقذنا سامراء وبغداد وأبعدنا (داعش) عن كربلاء».
وبغض النظر عن حقيقة أن «داعش» لم يكن يومًا قريبًا من كربلاء، وأن إيران لم تكن لها أي علاقة بالدفاع عن بغداد أو سامراء، يتناسى روحاني أن العراق الذي يسكنه 30 مليون نسمة ربما يستاء من التعرض للإهانة من جانب ملا أجنبي. ويسخر روحاني من العراق الذي «كان يعتبر يومًا أقوى دولة عربية»، ويقول: «انظر إليه الآن، انظر إلى هذا البلد البائس». كما يدعي روحاني أن القوات الإيرانية أنقذت سوريا. ويتناسى أن سوريا أبعد ما تكون عن الإنقاذ. في الواقع لقد أسهم الدعم الإيراني لبشار الأسد في تمزيق هذا البلد. بل إن روحاني المفعم بالغرور والغطرسة تحت وهم الدعم الأميركي فإن تسييسه لمأساة الحج ربما كان مدفوعًا برغبة في تعويض اعتماده المتزايد على واشنطن، ولكي يبدو أكثر «ثورية» من خامنئي. على أي حال، كان ذلك خطأ منه وأثار غضب القيادة الشيعية في النجف. وحتى تركيا لم تسلم من الغطرسة الإيرانية. لقد أغلقت حكومة روحاني حدودها مع تركيا ونصحت مواطنيها بعدم السفر إلى هناك بدعوى «العنف وعدم الاستقرار». كما تباهى روحاني خلال لقاء جمعه بالرئيس النمساوي هاينز فيشر بأن «إيران هي جزيرة الاستقرار في المنطقة».
لكن روحاني ليس وحده الذي ضربته العنجهية. ويزعم مستشاره آية الله علي يونسي أنه لأول مرة منذ الفتح العربي «تعود بغداد إلى فلك إيران». كما يؤكد وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولاياتي أن طهران «لن تسمح تحت أي ظروف بسقوط بشار الأسد»، كما لو أن الرئيس السوري موظف لدى الجمهورية الإسلامية. ويزعم ولاياتي أيضًا أن الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي سقط لأنه «لم يصغ إلى مرشدنا الأعلى» الذي نصح جماعة الإخوان المسلمين بـ«تطهير الجيش المصري وإنشاء قوة جديدة على غرار الحرس الثوري الإسلامي». ويتمادى رفسنجاني في الغطرسة زاعمًا أن «الذين يحكمون العراق الآن هم رجالنا». ويذكر تحديدًا الرئيس العراقي السابق جلال طالباني واصفًا إياه بأنه «شخص لطالما كان يعمل لصالحنا». ويتلاعب آية الله جوادي آملي بالكلمات ليسخر من العراق، حيث قال ضاحكًا: «العراق أصبح (أوراق)»، والتي تعني باللغة الفارسية «محطمًا». ويصف ظريف باكستان بأنها «هامشية رغم ترسانتها النووية». كما يتهكم حزب الغطرسة على الدبلوماسيين ورجال الأعمال القادمين إلى طهران من أوروبا ومناطق أخرى من العالم ويصفهم بأنهم «متوسلون» جاءوا لكي يعربوا عن إجلالهم لإيران الإسلامية. هذه الصورة تذكر الإيرانيين بالنقوش الحجرية في مدينة برسبوليس الأثرية، والتي تصور مبعوثي الدول الخاضعة وهم يتقدمون لتقبيل قدم ملك الملوك الفارسي. الحقيقة أن الأوروبيين وغيرهم يأتون لإبرام عقود مع الحكومة الإيرانية في حال استعادت طهران سيطرتها على عائداتها النفطية، وهو أمر غير مؤكد بالمرة. ويحاول روحاني، لأسباب يصعب تفهمها، أن يقدم نفسه بوصفه سياسيًا «معتدلاً». ولكي تتطابق صورته مع هذا الزعم لا بد أن يبدأ أولاً بتخفيف لغته ولغة مساعديه. إن الغطرسة خطيئة والكبرياء مقدمة للسقوط.
إيران.. مفارقات شيعية لبنانية
نديم قطيش/المدن/الخميس 01/10/2015
في إطلالته الإعلامية الأخيرة ثاني أيام عيد الأضحى، قال أمين عام حزب الله حسن نصرالله رداً على سؤال “إن حزب الله حزب لبناني له تأثير في الأوضاع الاقليمية بسبب “تركيبة المنطقة وتحالفاتنا وقدرتنا على الحضور في بعض المساحات او الميادين” رافضاً فكرة الدولة ضمن الدولة او الحزب الاكبر من الدولة.
فما هي “تركيبة” المنطقة التي وسعت نفوذ حزب الله الى هذا الحد في السنوات القليلة الماضية؟ ومن أين ولدت “القدرة على الحضور” في المساحات والميادين؟ لم يعد خافياً أن التركيبة هي التركيبة المذهبية التي تتلاعب ايران بمكوناتها وشقوقها في العراق والميليشيات الشيعية فيه، ولبنان وإختطاف شيعته، واليمن عبر ميليشيات الحوثي، وسوريا عبر حماية النظام العلوي والبحرين عبر ركوب موجة المطالب المحقة بالاصلاح وتحويلها الى منصة لإسقاط نظام المملكة وتهديد عموم الخليج. أي التركيبة التي تتيح لإيران إشعال قضايا وحروب وإحداث تمزقات تستثمر إدارتها على نحو يخدم نفوذها ومشروعها التوسعي المذهبي. أما “القدرة على الحضور” التي تحدث عنها نصرالله، فهو نفسه من إعترف ذات خطاب أنها تتكون من دفعات دعم مالي ومعنوي وسياسي وعسكري ايراني لحزبه لم ينقطع منذ العام ١٩٨٢! من حيث لا يدري كان نصرالله يقر بإخراج الشيعة اللبنانيين من وطنيتهم ويعترف بدوره في إلصاقهم بمشاريع أكبر من لبنان بل بمشاريع اعتداء على لبنان وعلى المنطقة تحت غطاء ما يسميه “التركيبة” و“القدرة على الحضور”! وما تصديه لمسألة ادارة موسم الحج وركوب موجة المرشد في طهران ومجاراته في هجومه على المملكة وقيادتها الا إمعان في وضع الشيعة في مواجهة عمقهم الطبيعي ووطنيتهم السليمة التي تقوم على إحترام الدول الاخرى وسيادتها وحدودها واركانها الوطنية.
كم تذكرت الصحافي العلم الراحل كامل مروة مؤسس ورئيس تحرير صحيفة الحياة وأنا أتابع نصرالله. ما لا يعرفه كثيرون ان كامل مروة كان عراب إنجازين قاتلين: أولاً هو عراب نظرية تحالف الوطنيات تحت غطاء “الحلف الاسلامي”، الذي دعا إليه الملك فيصل بن عبد العزيز، عام ١٩٦٥، لمواجهة الناصرية بما هي ايديولوجيا اعتداء قومية على أي وطنية أو قطرية! وثانياً هو مهندس العلاقة التاريخية بين الملك فيصل وشاه ايران في سياق تعزيز فكرة تحالف الوطنيات تحت لافتة “الحلف الاسلامي” في مواجهة افراط جمال عبد الناصر بعروبة هادمة للدول والكيانات. لعب مروة في تلك الأشهر التي مهدت لاغتياله في أيار ١٩٦٦دوراً محورياً في نزع الألغام من طريق العلاقات الإيرانية السعودية التي كانت وظلت تشهد توترات عديدة حول البحرين والنفط وصراعات النفوذ والأحجام بعد خروج بريطانيا من المنطقة. غير أن حنكة مروة كانت في التقاط المخاوف المشتركة للسعودية وإيران على وطنياتهما من توسع نفوذ عبد الناصر وصعود نجمه الجماهيري القومي، والبناء عليها للتقريب بين العاصمتين. وبالفعل في شهر نوفمبر 1965 زار الملك فيصل إيران ضمن أول جولة خارجية له بعد توليه الحكم، في إشارة لا لبس فيها للأولوية الاستراتيجية الناشئة في ذهن القيادة السعودية للعلاقة مع ايران الشاه! وبالعودة الى ما نتج عن لقاء الزعيمين يبرز التأكيد حينها على ضرورة الوحدة الاسلامية بصيغة اقتراح علني، غير مسبوق تولاه فيصل، لعقد مؤتمر قمة إسلامي رحبت فيه إيران وأبدت حماسة له. ثم ما لبث الملك السعودي ان أعلن في 31 يناير كانون الثانى ١٩٦٦ من العاصمة الاردنية عمان عن تشكيل لجنة للتحضير لمؤتمر قمة إسلامي، وهو ما عارضته القاهرة وبذلت في سبيل تعطيله كل الجهود الممكنة، اذ لم يكن العنوان الاسلامي الا غطاءاً لتحالف وطنيات قلقة من الناصرية. نجح عبد الناصر في المواجهة السياسية في جعل المؤتمر يقتصر على المملكة العربية السعودية والأردن وإيران الشاه. ونجح في شق الصف الخليجي عبر موقف للكويت إنحازت فيه ضد المؤتمر، كما إستغل معركته الداخلية مع الإخوان المسلمين كأداة للتخويف والترهيب، على إعتبار أن المؤتمر يعزز المناخات الاسلامية التي تسمح للتنظيم بالازدهار وتهديد الدول وأنظمة الحكم! ولعب بطريقة رفيعة المستوى على علاقة الشاه بإسرائيل بهدف الإغتيال المعنوي للمؤتمر. وبالفعل بعد اسابيع من اعلان عمان، شن عبد الناصر في 22 فبراير ١٩٦٦ هجومه الاعنف على السعودية في خطاب القاه في حفل حاشد في جامعة القاهرة متهماً “الامبريالية والرجعية” بتأسيس الحلف الاسلامي، ضد حركات التحرر. لم يكتفِ عبد الناصر بالإغتيال المعنوي للمؤتمر. لم تمضِ سوى اسابيع قليلة على خطاب عبد الناصر حتى دخل أحد “قبضايات” بيروت، مدفوعاً من مخابرات القاهرة، على كامل مروة في مكتبه في صحيفة الحياة وأرداه برصاصتين أطفأتا أحد أبرز وجوه الصحافة والسياسة والوطنية والحكمة والاعتدال. لم يقتل كامل مروة عقاباً على مقال، او انتقاماً من إنتقاد لاذع لطالما تميز به، بل لأنه يمثل العقل العميق والدينامية الحقيقية لمشروع المواجهة مع عبد الناصر الذي نرث اليوم بقايا مشروعه ونتخبط فيها. الشيعي اللبناني كامل مروة إستشهد دفاعاً عن وطنية لبنانية لا تقوم ولا تستمر بغير الالتقاء مع وطنيات الاقليم بما فيها الوطنية الايرانية. الشيعي اللبناني حسن نصرالله يخرج الشيعة اللبنانيين وغير اللبنانيين في كل لحظة من وطنياتهم ويدفعهم دفعاً للتصادم مع وطنيات الاقليم برعاية وتحكم مباشر من إيران. من كامل مروة الى حسن نصرالله تاريخ من مفارقات العلاقة بإيران.