“قديس” بلا نصر ولا شهادة…ماذا طلب بدرالدين من سليماني قرب حلب قبل مقتله؟
سلام حرب /موقع 14 آذار/16
أعلن حزب الله اليوم 13 أيار 2016 في بيان رسمي له مقتل ” القائد الجهادي الكبير مصطفى بدر الدين (ذو الفقار) في سوريا بعد حياة حافلة بالجهاد والأسر والجراح والإنجازات النوعية الكبيرة ويلتحق بقافلة الشهداء القادة رضوان الله عليهم، ومنهم رفيق دربه وجهاده وحبيب عمره الشهيد القائد الحاج عماد مغنية” كما جاء في البيان الذي ألحق به خبر آخر مفاده ان بدرالدين قد قتل جراء انفجار قرب مطار دمشق وأن الحزب سيعمل على تحديد طبيعة الانفجار وأسبابه، وهل هو ناتج عن قصف جوي أو صاروخي أو مدفعي؟
من سجون الكويت الى شباط 2008… ماذا جمع بين عماد مغنية وبدرالدين؟
ما يجمع بين مصطفى بدرالدين وعماد مغنية هو أكثر من مجرد ضبابية في الصورة الشخصية لهما، اذ كان التشابك بين الإسمين يتمحور حول المصاهرة العائلية وادارة العمليات الأمنية والعسكرية على طول الشرق الأوسط وعرضه حيث شكل الإثنان نموذجاً لإرهابيي الولي الفقيه “المتعددي الاستعمالات”. ثم بات ما يجمعهما الآن هو موضع المقتل في سوريا والمدفن في روضة الشهيدين. الاسمان ارتبطا ببعضهما منذ العام 1983 وبالتحديد في الكويت، حيث كان مصطفى أمين بدرالدين تحت اسم “الياس فؤاد صعب” يحاول “تصدير الثورة الخمينية” ويعمل لتفجير السفارة الأميركية هناك فالقي القبض عليه واودع في السجون الكويتية، بالرغم من أنّ نصف التراب اللبناني كان محتلاً من الاسرائيلي وأولى بالقتال في سبيل تحريره.
وعلى غرار الرعيل الأول من قادة حزب الله ومنهم نصرالله وعباس الموسوي ومحمد حسين فضل الله، فقد التحق بدرالدين باكراً بحزب الدعوة العراقي الذي تزعمه محمد باقر الصدر وساند ايران ضد العراق وأفرز أمثال نور المالكي.
بالعودة الى بدرالدين، فقد نفّذ مغنية عملية ارهابية لاطلاق سراح الاول من خلال خطف طائرة كويتية الى مطار بيروت. ومن جديد، ورد اسم بدرالدين في العام 1985 وبالتحديد في أيار وحزيران عندما خطف مغنية (منظمة الجهاد الاسلامي) كل من الفرنسيين ميشال سورا وجون بول كوفمان، ومن ثم الأميركيين ديفيد جاكبسون وتوماس ثاذرلاند. وقد طالب البيان الصادر عن الجهاد الاسلامي في حينه “بإطلاق معتقلين شيعة مقربين من حزب الله من سجون الكويت من بينهم مصطفى بدرالدين. وهنا بدأت حركة مفاوضات سرية في كل من باريس وواشنطن لمحاولة حل قضية الرهائن في لبنان، بحسب ما جاء في الصفحة 124 من كتاب “في سر الرؤساء” Dans Le Secret Des Présidents باللغة الفرنسية. هذا الكتاب ذكر كيف أن المتهم الرئيسي في قضية ايران غايت الأميركي اولفر نورث (الممثل الشخصي للرئيس رونالد ريغان) زار بيروت في تلك السنة ومن ثم توجه الى الكويت العاصمة حيث “قابل سراً رئيس وزراء دولة الكويت لإقناعه باطلاق سراح معتقلين لديه من حزب الله من بينهم مصطفى بدرالدين” كما جاء في الصفحة 138: وبالرغم من كل هذه الجهود، فان بدرالدين يدين بحريته للرئيس العراقي صدام حسين الذي غزا الكويت عام 1990 ما اتاح مجالاً لهروب السجناء من زنازينهم ومنهم بدرالدين”.
طوال أكثر من عقد ونصف العقد، ظل مصطفى بدرالدين بعيداً عن الأضواء الاعلامية وان كان ينشط ضمن العمل الأمني لحزب الله وأقله ضمن العمل العسكري نظراً لإعاقته الجزئية، ولكن ثقة عماد مغنية بصهره جعلت الكثير من الأبواب تفتح أمامه ويتم ايكال المهام الحساسة له منها العمليات الخارجية في حزب الله المعروفة بالـ910 وبعدها الوحدة 1800، التي كانت تعمل لمساعدة الفلسطينيين في الداخل، وثم حوّل بدرالدين جهوده إلى العراق في العام 2003 لتأسيس حزب الله آخر تحول الى مسمى الحشد الشعبي الشيعي من خلال الوحدة 3800. اسم بدرالدين عاد للظهور مع مقتل مغنية في دمشق في شباط 2008 باعتباره خليفته في المجلس الجهادي مع عدم تأكيد أي أمر بهذا الخصوص.
“القديس – الشبح” بين دماء بيروت ودرعا
الفضيحة المدوية التي اعادت وضع بدرالدين ضمن الخريطة الأمنية لدى اللبنانيين والعالم ورود اسمه في نيسان 2011 وبشكل مباشر في تحقيقات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باعتباره مشتبهاً به في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 مع عدد من القيادات الحزبية الأخرى. حينها انبرى حزب الله للدفاع عن بدرالدين ورفاقه باعتبارهم بمرتبة “قديسين” لا يمكن المس بهم وهم فوق الشبهات. بالمقابل، وصفت المحكمة الدولية بدرالدين بأنّه المخطط الرئيسي للعملية، وتستند الاتهامات له ولأفراد حزب الله الثلاثة الأخرى على أدلة تتعلق بشبكة الهاتف المحمول وعبر 13 هاتفًا خليويًا الذي من خلالها راقب وأدار عملية اغتيال الحريري وقبله مراقبته وشراء شاحنة متشوبيشي وفبركة شريط ابو عدس. كما وجد المحققون الدوليون تماثلاً كبيراً في الأسلوب المتبع في تفجيرات الكويت وذلك المستعمل باغتيال الحريري.
وقد نقلت المحكمة أنّ بدرالدين وفق القانون هو غير موجود في لبنان لأنّه بكل بساطة لا يوجد بيانات رسمية عنه فمثلاً “لم يستخرج يومًا جواز سفر، ولا رخصة قيادة، ولا تسجيل لأي عقار باسمه في لبنان، ولا تملك السلطات أي معلومات عن دخوله إلى لبنان أو خروجه منه، ولا بيانات في وزارة المالية تفيد بأنه دفع الضرائب يومًا، ولا حسابات مصرفية باسمه. فهو شبح”. كما وجهت أصابع الاتهام لاحقاً الى بدرالدين كمتورط محتمل في تنفيذ الانفجار الذي طال باص الاسرائيليين في مدينة بورغاس البلغارية في تموز من العام 2012.
حكاية اخرى بدأها بدرالدين وكان مقدراً له أن تكون فيها آخر فصول حياته، حين شارك الحزب القتال في سوريا الى جانب بشار الأسد متمنياً بحسب ما نقل عنه بأن “ينتصر أو يستشهد” فلا نال هذه ولا تلك. تحت اسم “صافي بدر” أدار بدرالدين هذه المرة حرب حزب الله السورية من وراء الستار. وكان المشرف على توزيع هذه المسلحين والتنسيق مع قوات النظام والايرانيين وكذلك الروس لاحقاً. هناك كان على بدرالدين التدخل شخصياً في تفاصيل المعركة قرب درعا حيث فوجئ حزب الله بان التكتيكات التي علمها للفلسطينيين في غزة تستعمل ضدهم وبالتحديد الأنفاق الهجومية. كما صدر في شباط من العام 2015 بيان لافت عن “المرصد السوري لحقوق الانسان”، ومقره لندن ويعرف بتوثيقه للانتهاكات الانسانية، ان المسؤول العسكري الذي يقود مقاتلي “حزب الله” في معارك درعا هو مصطفى بدر الدين. وغير بعيد عن درعا وعن دمشق التي سقط فيها عماد مغنية، قتل ابنه جهاد في غارة اسرائيلية في هضبة الجولان مع عدد من القادة الايرانيين واقتربت بذلك لحظة بدرالدين. وبحسب مصادر اميركية، كان الظهور الأخير العلني لبدر الدين في جنازة ابن اخته جهاد مغنية، في وقت تردد أن “ذو الفقار” نفسه كان المستهدف في هذه الغارة ولكنه غيّر خططه في آخر لحظة.
وقد نشر موقع ديبكا فايلز المقرب من الاستخبارات الاسرائيلية اليوم صباحاً تقريراً مفاده أنّ “إسرائيل قد تكون وراء مقتل بدرالدين قرب دمشق. وأن المعلومات المتوفرة تشير الى حصول خلافات جسيمة بين بدرالدين من جهة ونصرالله والايرانيين من جهة اخرى حول القتال في سوريا. فقد أبدى بدرالدين رفضه مراراً وتكراراً لطلبات الايرانيين والنظام المشاركة في الكثير من العمليات العسكرية في سوريا، وخصوصاً مع تكليف حزب الله القيام بشكل مفرط بمهام منهكة ناهيك عن الخسائر الجسيمة التي أصابت الحزب.
كما ينقل التقرير أن مصادر مطلعة نقلت حصول اجتماع الأسبوع الماضي بين الجنرال قاسم سليماني (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني والمسؤول عن القوات الايرانية في الخارج) وبين مصطفى بدرالدين (باعتباره المسؤول العسكري لحزب الله) قرب حلب. وقد اختلف الإثنان حول الطريقة التي ينبغي أن تجري فيها الحرب في سوريا، حيث شدد بدرالدين على “أن إيران وقعت ضحية لمخطط التضليل الروسي الذي طبقته موسكو وحرمتنا بموجبه من الغطاء الجوي في سوريا في أعقاب ما وصفه ب “انسحاب روسيا من الحرب”. وهنا لم يطالب بدر الدين فقط “بعدم توسيع هجمات إيران وحزب الله في سوريا ولكن تضييق حجم المشاركة بشكل كبير”. وعلاوة على ذلك، أعلن بدرالدين الدين، وعلى ما يبدو من دون استشارة نصر الله، أنّه قد “بدأ في سحب قوات حزب الله من مختلف الجبهات في سوريا وإعادة تمركزهم قرب الحدود السورية اللبنانية. وترجح مصادر الموقع أن هذا يعدّ سبباً كافياً للعديد من الأطراف في طهران ودمشق وبيروت للتخلص من بدرالدين.
المصدر : خاص