حزب الله vs. الجماعات التكفيرية: لا أكره الأساطير ولكن التَّوائم
لقمان سليم/جنوبية/16 مايو، 2016
في 14 الجاري نشر حزب الله بياناً يتهم فيه «الجماعات التكفيرية» باغتيال مصطفى بدر الدين. في ما يلي تعليق من وحي هذا الاتهام.
تُريد السيرةُ الأشْيَعُ لبداياتِ حزب الله، وهي السيرةُ التي يتبنّاها حزبُ اللهِ نَفْسُهُ، ويُسايِرُهُ في تبنّيها، من بابِ المجاملةِ أو المُمالأةِ أو الجَهلِ، كثيرونَ، أنَّ نشأتَهُ كانت في عام 1982 استجابةً لما كانَ عامذاكَ من اجتياح إسرائيليّ للبنانَ وَصَل في ذُروته إلى العاصمةِ بيروت.
بالطبع، لا تحتاجُ هذه السّيرة التي تُعيدُ، على نحوٍ ما، إنتاجَ أسطورةِ «التوأمَيْن» المولودَيْن لبطنٍ واحدةٍ، والمنذورَيْن، ابتداءً، لتدافُعٍ لا أفْقَ له إلا أن يقتلَ أحدُ الاثنَين الآخرَ، أو أن يَقْتَتِل الاثنان وذُريّتُهما إلى ما لا نهايةَ (جلجامش وأنكيدو، رومولوس وريموس، هاشم وعبد شمس) ــ لا تحتاجُ سيرةٌ لحزب اللهِ من هذا القبيلِ، وعلى هذا النّسقِ، إلى التوقّف عند تفاصيلِ السنواتِ التي سِبقت 1982، ولا عند تفاصيلِ السنواتِ التي تَلت 1982، والتي انشغَلَ حزب الله خلالها، فضلاً عن قتالِ إسرائيلَ، بأمورٍ كثيرةٍ أخرى لا تمت إلى «المقاومة» بصلة.
هو كذلك ولا بدّ من الاعتراف بأنّ حزب اللهِ نَجَحَ في تَعميمِ هذه السّيرةِ الحزبيةِ التي تختزلُ الأسبابَ الموجِبَةَ لنشأتِهِ بسببٍ وجيهٍ واحدٍ أحدٍ هو التَّصدي لعدوانٍ موصوفٍ بتوقيعِ عدوٍ «تاريخي» ــ بل نَجَحَ في رَفْعِ هذه السّيرة إلى مَرْتبةِ «السّيرة» التي لا يرقى إليها الشك.
كذلك لا بدّ من الاعتراف، أيضًا، بأنّ نجاحَ حزب اللهِ في ذلك لم يُقتَصَر على قبولِ «البيئة» فقط بهذه السرديّة، (اللبنانيّين الشيعة)، بَل تجاوزَ ذلك إلى بَثِّ هذا القَبول في «بيئات» أخرى، محليَّةٍ وغير محليَّة.
ولعلَّ الأبرزَ من سِمات هذا النجاح هو الحَرَجُ الشديدُ، حتى لدى المُختلفين عن حزب اللهِ من حيث المُنطلقات الفكرية، ولدى المُخالفين عليه في السياسة، من مُساءلة أسبابِ هذا النجاح ومُلابساته ــ وفي الطّليعة من هذه المُلابسات ما كانَ من استئثارِ حزب الله، منتصفَ الثمانينياتِ من القرنِ الماضي، ترجمةً للتفاهم السوريّ/الإيرانيّ، بـ«المقاومة» ميدانيًا، وتنصيبه، (تنصيب نفسه)، وليّاً سياسيًا عليها، ووصيًا على دَيمومتها…
وهذا ما كانَ؛ ونَجحَ حزب اللهِ في المهمّة المُوكلة إليهِ نجاحاً مُنقطع النظير، وخيرَ دليلٍ على ذلك، بأن استدركَ على «التحريرِ» (2000) الذي كان يُفترض أن يُؤذِنَ بـ«تقاعد المقاومة» وتوسَّل بمزارع شبعا ــ مزارع شبعا كعنوان سياسي لا كمساحة جغرافية موضِع تُنازع ــ لإقامةِ الحجّةِ على ضرورةِ استمرارِ «المقاومة» في مشاركةِ الدّولة، بل في مُرابحتها، في ما يعودُ لها، مبدئياً، من امتيازات سياديّة لا تَقبلُ القِسمةَ إلا تحت طائلةِ أن تتحوّل الدولةُ المعنيةُ إلى دولةٍ على معنى التّسامح الاصطلاحي. ثمّ نجح حزب اللهِ، مُجدداً، مع الانسحاب العسكريّ للنظام السوريّ من لبنان، في تجديدِ عقدِ الإذعانِ، (لمصلحته)، الذي قوامُهُ مشاركةُ الدولةِ ومُرابحتُها تحتَ عنوانِ ثلاثيّة «الجيش والشعب والمقاومة».
نظريّاً، ما يزال هذا العقدُ قائماً، وعمليّاً كذلك؛ بلْ يمكنُ القول إنّ هذا العقدَ قد توسَّعَ على المستوى العملي، من يومِ أن أطلقَ حزب الله أوّل طلقةٍ في النزاعِ السوري، بحيثُ تجاوزَ بندي الدفاع عن لبنان واللبنانيّين، واستعادةِ ما تبقّى من أراضٍ لبنانيةٍ مُتنازعٍ عليها بين لبنانَ وإسرائيل، بأن أضيفَ إليهِ بندُ الدفاعِ عن لبنانَ واللبنانيّين خارجَ الأراضي اللبنانيّة!
بطبيعة الحال، لم يتبلورْ هذا البندُ الأخيرُ الذي أناطَ بمَوجبِهِ حزبُ الله لنفسِهِ حقَّ القتالِ خارج الأراضي اللبنانيّة بالصيغةِ التي انتهى إليها بين ليلةٍ وضُحاها. ومن أبرزِ المصاديقِ على أن المشاركةَ، مثلاً، في النزاعِ السوري، إلى جانبِ النظام، سبَقَت تبلورَ هذا البند، وسَبقَت انعقادِ القتالِ على «عداوةٍ» وعلى «عدوٍّ» واضِحَي المعالم، ما توسَّل به حزب الله من حُججٍ متتالية لتبريرٍ مشاركتهِ في ذلك النزاع، واستطراداً لتبريرِ فاتورة الدم، والفواتيرِ الأخرى، التي يُسدِّدها، من كيسِهِ ومن كيسِ اللبنانيّين، الشيعةِ وغير الشيعة، ثمناً لمشاركتهِ تلك.
كان ذلكَ، كلّ ذلك، وها نحنُ اليومَ حيثُ كنا وسلّمنا بأنْ نكون: شهودَ زورٍ لامبالينَ، إلّا من رحِمَ ربّي، على استحداثِ أسطورةِ توأمَيْن جديدةٍ: «حزب الله» vs. «الجماعات التكفيرية»!
لا أكرهُ الأساطيرَ ولكنْ التَّوائم، لا سيّما متى ما زَعَمَ التوأمَيْنِ بأنّهما لَيْسا من بطنٍ واحدة…