مقتل بدر الدين: سياق لإنهاء وظيفة «حزب الله»!
محمد قواص/الحياة/17 أيار/16
من حق «حزب الله» أن يقلق من العقوبات الأميركية المالية الصارمة ضده، كما من المنطقي أن يغضب من النظام المصرفي اللبناني، ابتداءً من المصرف المركزي، وأن يهدد بالرد على ما أسماه «حرب إلغاء». وجذور القلق نابعة من أن المزاج الأميركي ينفخ ريحاً سوداء ضد الحزب، تتجاوز ما هو تقني مالي، بحيث يأتي المزاج الخليجي العربي الإسلامي المدين للسلوك «الإرهابي» للحزب مكملاً لسياق دولي مستريب.
وفي رمزية مقتل قيادي الحزب مصطفى بدر الدين سياق يروم اغتيال الدور المفصلي لـ «حزب الله»، الذي يتجاوز بكثير ذلك اللبناني «المقاوم» الذي وُسِم به منذ إطلالات الحزب الأولى، ويندرج في إطار كونه أداة استراتيجية أساسية في خدمة «تصدير الثورة» في إيران.
بمعنى آخر، هناك في عقوبات واشنطن كما في المزاج الإقليمي العربي الإسلامي كما في اغتيال بدر الدين وعماد مغنية وسمير القنطار وغيرهم ما يروم شلّ دور الحزب في تصدير ثورة الولي الفقيه.
ولئن يعبّر ضجيج الحدث واللبس الرسمي في تبديل هوية القتلة من «العدو» إلى «التكفيري»، عن تخبط في أجندات «حزب الله» وفوضاه في تحديد اتجاه بوصلة «جمهور المقاومة»، فإن مقتل بدر الدين وفّر مناسبة للتذكير بـ «الوظيفة» الحقيقية لـ «حزب الله»، السابق واللاحق على مسألة تحرير أراض لبنانية محتلة، والتي من أجلها استثمرت طهران فيه عقيدة ومالاً وتدريباً وتسليحاً، بمستويات فاقت قطاعات سياسية وعسكرية داخل إيران نفسها.
يمثّل نشاط مصطفى بدر الدين العدائي ضد الكويت جانباً من مهمات الحزب لخدمة الأجندة الإيرانية في المنطقة والعالم. فاستهداف الكويت، مثلاً، بقي ثابتاً في الخطط الإيرانية سواء بالطبعة التي قدمها بدر الدين في الثمانينات، أو بخلية الحزب التي ألقي القبض عليها العام الماضي.
دشّن الحزب حضوره في الثمانينات بعمليات خطف لمواطنين أجانب في بيروت، كما بعمليات خارجية في أوروبا، كما خطف طائرات مختلفة الجنسيات. وفي كل مرة كان حافز العمليات نزاعٌ إقليمي أو دولي مع إيران تتم التسوية في شأنه مع الحاكم في طهران. ولا ريب أن شخصية عماد مغنية، صهر بدر الدين، تمثّل أيضاً في مضمون أدواره نموذجاً آخر من وظيفة «حزب الله» الحقيقية، كما أن أدوار الحزب في سورية والعراق واليمن والبحرين… إلخ، تسحب البساط من «لبنانية» الحزب الذي يحرص قادته على تأكيدها، لا سيما لدى الشيعة في لبنان.
ومنطقي أن يسخّر الحزب المرتبط مع طهران عقائدياً وسياسياً ومالياً جهده في خدمة الدفاع عن النظام الإيراني ومصالحه، شأنه في ذلك شأن أحزاب عقائدية ارتبطت «أمميتها» مع المركز في موسكو أو «قوميتها» مع المركز في بغداد مثلاً. لكن ما هو غير مقبول أن تعمل آلة الحزب على جرّ طائفة بأكملها، في لبنان وغيره، للوقوف خلف مهماته في الكويت أو الأرجنتين أو بلغاريا أو حتى في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولكل حالة أوردناها، مثلاً لا حصراً، ملفات قضائية ذات مرجعيات قانونية تثبت التورّط من دون لبس ولا تردد.
لن يسمح العالم بعد الآن لإيران بتصدير ثورتها، كما لا يروم المجتمع الإيراني، الذي صوّت بكثافة للتيار الإصلاحي، الترويج لهذه السلعة وتمويل تسويقها. في ذلك أن مفاعيل الاتفاق النووي تستدعي نقل إيران من دولة «ثورة» إلى دولة «بزنس»، وأن الإنفتاح المتوخى على إيران، والذي ما زال دونه استعصاء النظام المصرفي العالمي، يتطلب تأهيلها لحسن استيعاب الاستثمارات التي سيسوقها العالم نحو إيران، وأن امتدادات إيران في الشكل الذي يمثّله «حزب الله» بات مرفوضاً تجوز مكافحته بمفاعيل مالية وبحصار إقليمي يحوله «إرهابياً» وبتصفية قيادات ورموز واكبت ورشَه التصديرية السابقة.
يدرك «حزب الله» حجم التحوّلات التي طرأت والتي ستطرأ على واقعه ومهماته ومستقبله. يكتشف من خلال الانتخابات البلدية في لبنان أنه لم يعد حزب «المقاومة» الذي لا يُناقش. بات التمرد على سطوة الحزب روتينياً في سياق التنافس بين «الأهالي» لإدارة شؤون بلدياتهم، ذلك أن بيئة الحزب ليست معنية بأجندته الخارجية التابعة حرفياً لقرار المرشد في إيران، لا سيما في سورية، وهي لم تعد معنية بهالة «المقاومة»، إلا في إطار المداراة وتجنب القفز من السفينة التي وضع الحزب الطائفة فيها خلال العقود الأخيرة.
لن تتوقف سُبحة الإغتيالات التي ستطال رموزاً وقيادات داخل «حزب الله» تلعب أو لعبت أدواراً في خدمة الأجندة الإيرانية الخارجية. لن تكون موسكو بعيدة عن المزاج الدولي في هذا الإطار، على نحو يتيح للمراقبين أن يلاحظوا ارتفاع عدد الجنرالات الإيرانيين القتلى في الحرب السورية، كما تصاعد استهداف مصالح «حزب الله» في هذا البلد. وربما من الحكمة تأمل نفي الحزب بعد «التحقيق»، أي مسؤولية لإسرائيل في قتل مصطفى بدر الدين، على نحو قد يؤسس لتغير هوية العدو الحقيقي للحزب وتبدل عقيدته العسكرية.
* صحافي وكاتب لبناني