دويلة الأسد حدودها الدم والخراب
ثائر الزعزوع/العرب/27 أيار/16
يبدو نظام دمشق ومعه داعموه في سباق محموم مع الوقت لأجل تنفيذ مشروعهم بإقامة دويلة ترضي مصالح كل من موسكو وطهران، وتضمن بقاء بشار الأسد حاكما على دويلته “المفيدة” التي كان قد أعلن عنها في سبتمبر من العام الماضي. وأمام انعدام أي قدرة على حسم الأمور عسكريا رغم الغارات الجوية من سلاحي الجو الروسي والسوري التي لم تنقطع يوما، ورغم الهدنة النظرية المعلنة، وعشرات الآلاف من عناصر الميليشيات الطائفية الذين جلبتهم إيران لمساندة قوات النظام المنهكة والمفككة، إلا أن ذلك كله لم يغير في واقع الأمر شيئا، بل زاد الأمور تعقيدا، وأظهر روسيا في مرات عديدة عاجزة عن إيجاد سبيل للقضاء على من تسمّيهم “الجماعات الإرهابية” وهي تقصد بذلك كافة أطياف الشعب السوري الثائرة على نظام دمشق. كما أن استحالة ترتيب أوراق مفاوضات الحل السلمي التي ترعاها الأمم المتحدة، ومراوحتها المكان الذي انطلقت منه أول مرة قبل قرابة أربعة أعوام، في ضوء رفض وتعنت النظام على القبول بأي صيغة من شأنها إنقاذ ما تبقى من سوريا، أضف إلى ذلك التحذير الأميركي المباشر، الذي وجهه وزير الخارجية جون كيري، بأن على الأسد تسليم السلطة في شهر أغسطس المقبل، على الرغم من أنه لا يمكن أبدا الركون إلى ذك التهديد الأميركي، ببساطة لأن واشنطن أكثرت من التهديدات والوعود دون أن تحرك ساكنا، لا لإزاحة النظام، ولكن على الأقل للتقليل من حجم المأساة الممتدة منذ أكثر من خمس سنوات، بل ويمكن القول إنها، واشنطن، كانت واحدا من بين أسباب أخرى أطالت عمر النظام وعمر المأساة معا.
كل ذلك دفع الأسد وداعميه إلى تسريع خطواتهم قبل فوات الأوان، فكان اللجوء إلى الخطة التي يتقنها النظام، والتي عمل بها منذ الأيام الأولى لانطلاق الثورة، وقد أثبتت نجاحها لدى جمهور مؤيديه، بل ولدى بعض الرأي العام العالمي، فتمكن النظام من شيطنة الثورة السلمية وتصويرها غزوا إسلاميا يسعى إلى تدمير اللحمة الوطنية والقضاء على الأقليات والدفع باتجاه حل عسكري دموي لتصل الأمور إلى الحالة الكارثية التي وصلت إليها اليوم. كما يمكن تلمّس خبرته الواسعة في مثل هذه الأعمال الإجرامية من خلال حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، والذي أشارت أصابع الاتهام، ومنذ الساعة الأولى إلى نظام دمشق دون غيره، فهو المستفيد الوحيد من تلك العملية، بل إن التحقيقات الأولى التي أجراها المحقق الدولي ديتليف ميليس أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن نظام الأسد يتحمل المسؤولية الكاملة عن اغتيال الرئيس الحريري ومن كان معه.
تأسيسا على ما تقدم يمكننا أن نقرأ التفجيرات المروعة التي ضربت مدينتي طرطوس وجبلة الساحليتين، والتي راح ضحيتها العشرات من المدنيين، دون التدقيق في انتماءاتهم الطائفية، ولعل اختيار مدينة طرطوس تحديدا يشكل اختصارا كبيرا في الوقت بالنسبة لمخططي ذلك العمل الإرهابي ومنفذيه على حدّ سواء، ولا يهم فعلا ما إذا كان تنظيم داعش هو من قام بتنفيذ العملية التي تبناها على الفور، إذ ينبغي البحث عن المستفيد الأول من دماء الأبرياء التي سالت، ومن الحالة الإعلامية التي تلت تلك العملية، بل والتساؤل لماذا اختار تنظيم داعش تنفيذ تفجيراته، التي تمت بيسر وسهولة، واستهدفت مدنيين عزلا، ولم تستهدف واحدة من القطعات العسكرية أو الأمنية، في هذا التوقيت بالذات؟ ولمصلحة من؟ واقعيا، أكثر المستفيدين مما حدث هو النظام السوري، فقد استطاع أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، كما يقال، لقد كسب، نظريا، مزيدا من الالتفاف من قبل مؤيديه، الذين وصلتهم رسالة الخوف واضحة غير مشفرة، ووجّه بالمقابل سهام اتهاماته إلى المعارضة السورية محمّلا إياها المسؤولية عمّا حدث، والأمر الأهم هو أنه بدأ فعلا برسم حدود دويلته ذات الولاء الإيراني، التي لن ينافسه فيها أحد، وخاصة في ضوء إعلان الولايات المتحدة عن بدء معركتها لطرد تنظيم داعش من محافظة الرقة، وهو الأمر الذي لا يريده الأسد بطبيعة الحال، فهو يدرك أن طرد داعش يعني بالضرورة اقتراب نهايته، ولا يعني هذا الكلام تبرئة داعش، لكن ربما يؤكد الحقائق التي باتت معروفة للجميع بأن التنظيم الذي حافظ على “علاقته” مع النظام هادئة ومستقرة، بل وجمعتهما تبادلات تجارية، لن يتأخر عن نصرة حليفه، واستطرادا جميع حلفائه في محور المقاومة والممانعة، في الوقت والزمان المناسبين، وهذا تماما ما يفعله في سوريا وفي العراق وصولا إلى اليمن.