معوقات انتخاب عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية
سيمون أبو فاضل/الشرق الأوسط/الأحد، 17 يوليو، 2016
سبق الجلسة 42 لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية محاولة قوية لإحياء الملف الرئاسي اللبناني، قادها الفريق السياسي – الإعلامي للعماد ميشال عون، وترافقت الحملة مع عدّ عكسي لدخول الأخير قصر بعبدا، بحيث باتت المسألة مرتبطة بأيام معدودة، حيث صور فريق عون الواقع للرأي العام بأن معظم القوى السياسية مؤيدة له، باستثناء الرئيس سعد الحريري الذي لم يعد بإمكانه عرقلة انتخابه، نظرا لكونه المرشح الأقوى، ويرتبط دخوله القصر الرئاسي بوصول الحريري إلى رئاسة الحكومة، لا سيما أن البلاد لم تعد تتحمل تداعيات الفراغ القائم، وإطالة أمده يقع على عاتق رئيس تيار المستقبل ومن بعده القوى الإقليمية الرافضة لعون.
وفي موازاة سعي التيار الوطني الحر إلى وضع الكرة في ملعب الحريري ومؤيديه، فقد زخمت مبادرة الدكتور سمير جعجع هذا المناخ الذي عاشته البلاد، إثر طرحه في اجتماعه بكل من الحريري والنائب وليد جنبلاط ضرورة انتخاب عون، ورد جنبلاط بعدم الاعتراض على ذلك، لكن على الحريري أن يؤيد الخطوة.
وكانت انطلاقة جعجع أيضا، تهدف إلى حشر «حزب الله»، وتبيان مدى مصداقية دعمه لحليفه عون إلى رئاسة الجمهورية، كما قصد في حركته هذه إنهاء الفراغ المفتوح على مؤتمر تأسيسي بعد نسف اتفاق الطائف لإيصال البلاد إلى المثالثة، إذ اعتبر جعجع أن رئاسة عون للبلاد لن تضيف أسهما إلى حجم ودور «حزب الله» الذي فرضه بقدراته العسكرية، لكن في مقابل ذلك يمكن الحفاظ على الجمهورية حتى انجلاء توازنات إقليمية قد لا تكون لصالح المحور الإيراني، وذلك باستدراك السقوط في فخ المؤتمر التأسيسي الذي تحدث عنه أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله.
لكن لقاء الحريري – جعجع لم يصل إلى تفاهم بين الرجلين رغم محاولة الأخير إقناع الأول الذي لخص صعوبة تأييده عون، بعدم إمكانيته التراجع عن ترشيحه فرنجية لاعتبارات أخلاقية، كما أن قاعدته الشعبية لا تتقبل انتخابه له بسهولة، وألا قدرة لأحد على ضمان أداء عون وردات فعله.
وإلى رفض تيار المستقبل انتخاب عون، موازاة مع عدم رغبة كل من الرئيس نبيه بري لوصوله إلى بعبدا، وعدم تدخل أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله لسحب ترشيح فرنجية لصالح عون، فإن الجواب الذي انتظره جعجع من الحريري لم يحصل ولن يحصل.
وفي ظل هذا الواقع تكمن معوقات تقدم عون نحو بعبدا، وعدم تأييد الحريري له لأسباب عدة بينها:
– تمنى الحريري على عون، إثر زيارة الثاني له في باريس منذ 3 سنوات، الانتقال في أدائه ومواقفه إلى المنطقة الوسطية، واتخاذ مواقف تدعم قيام الدولة، وتؤكد أحادية دور الجيش اللبناني، لكن أيا من ذلك لم يتحقق ولم يعمد عون كمرشح رئاسي للتمايز عن حليفه فيما خص قتاله على أرض الإقليم، واندفع صهره وزير الخارجية جبران باسيل مرارا في مواقف غير مطمئنة لتيار المستقبل ولمجلس التعاون الخليجي.
– تمنى الحريري على عون أن يخفف من حدة مواقفه تجاه الطائفة السنية والدول العربية الداعمة للبنان.. لكن وزراء ونواب وقيادات التيار الوطني الحر استمروا في مواقفهم الحادة تجاه الطائفة السنية، واعتبارها منبع الأفكار التكفيرية والإرهاب الذي طال في الفترة الأخيرة المملكة السعودية التي تشن قيادتها حربا ضده.
– لم يتفاعل عون مع القيادة الجديدة في السعودية في مقاربة الملفات كافة، واندفع أكثر في تحالفه مع محور إيران.
– رغم تطمينات عون حيال التزامه اتفاق الطائف، وحرصه أن يطبق وفق جوهر احترامه الشراكة، فإن القلق منه يكمن وفق مقولة «الطبع يغلب التطبع»، إذ لن يقبل عون بعد انتخابه رئيسا الإبقاء على الآلية الحالية لإدارة البلد، بل ثمة حذر من دعوته لدى معارضة أي قرار له أو تعيين ما من قبل القوى السياسية، بضرورة تعديل الدستور لاستعادة صلاحيات رئاسة الجمهورية، أو إعادة النظر بنصوص أخرى في غير مجال، بما سيعطي لـ«حزب الله» فرصة النفاذ من هذه الثغرة لاستثمار الخلاف والمطالبة بمؤتمر تأسيسي يسقط مناصفة الطائف، ويوصل البلاد إلى نظام المثالثة.
– إن انتخاب عون رئيسا للجمهورية معناه إهداء الرئيس السوري بشار الأسد حليفا، في وقت تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على إنهاء دوره، وبذلك ستكون له مواقف داعمة للأسد و«حزب الله» من موقع رئاسي له وقعه المعنوي.
– أيضًا فرنجية حليف الأسد، لكنه حالة سياسية نيابية متواضعة، قياسا إلى حجم عون وتحالفه مع إيران، ثم إن فرنجية يؤيد علنا اتفاق الطائف، ومارس الإيجابية مرات عدة وتفاعل مع عدة تسويات داخلية وتشريعات قاطعها عون، ودفع بمؤيديه إلى الشارع وتصادموا مع القوى الأمنية.
لذلك فإن تصوير فريق عون الأمر بأن الرجل يقف على مدخل قصر بعبدا، ويحمل معه مفتاح باب السراي الحكومي، بحيث يشكل انتخاب الحريري لعون دخولهما معا إلى رئاستي الجمهورية والحكومة، هو واقع غير صحيح وتناقضه المعطيات والوقائع، ليس فقط لأن «حزب الله» لن يسهل الأمر، والدليل عدم تدخله لسحب حليفه فرنجية، ويفضل الفراغ حتى حينه الذي يوصل إلى مؤتمر تأسيسي، بل لأن إيران لا تريد أن ينتهي الفراغ دون مقابل – سياسي – في زمن التجاذب الدولي الإقليمي على ساحات الإقليم العربي.