“ربط النزاع” الأخير؟
نبيل بومنصف/النهار/19 تشرين الأول 2015
لا معادلة توازي تاريخ الفشل السياسي في تحييد لبنان عن صراعات المنطقة قديماً وحديثاً سوى قصة فشل مماثلة تتناسل فصولها منذ بدء أزمة الفراغ الرئاسي في تحييد قضايا اللبنانيين الحيوية عن تقلبات الصراع السياسي. والحال ان المقلب الطالع في الصراع منذراً بشلل حكومة انتقالية حاملة لصلاحيات رئاسة الجمهورية اقترب من تفجير هذه النقطة المحورية كأولوية لا يمكن أي فريق سياسي ادارة الظهر اليها بعد الآن لأن ما يظهر في الأفق القريب لن يكون بعده كما قبله فعلاً. لا نخال مسؤولاً جاداً كالرئيس تمام سلام يرمي بالونات تهويل في وجه القوى السياسية ولا سيما منها الممعنة في مسار التعطيل الدستوري عندما يمضي في التحذير من الانهيار الكبير الزاحف ويبلغ ذلك بصراحة الى الدول ذات التأثير كما فعل في نيويورك الشهر الماضي وكما يفعل في لقاءاته مع الموفدين الأجانب. يسوقنا ذلك أيضاً الى ناحية طارئة من الصراع برزت مع تلويح أحد الوزراء الاساسيين الممثلين لتيار المستقبل الوزير نهاد المشنوق بالاستقالة من الحكومة والحوار مع كل ما أثاره التلويح من احتمالات. نظرياً على الأقل، أسوأ ما قد يرتسم من سيناريوات في هذين المؤشرين ان يغدو انهيار الحكومة بذاته “استراتيجية” الخروج من الأزمة والانهيار الذي يسابق الانهيار الآخر الأخطر، سواء حصل ذلك غداً أم في وقت لاحق. ولا نقلل بطبيعة الحال هنا من جدية الفريق المعطل الذي يبدو أكثر من أي وقت سابق ماضياً نحو دفع الصراع الى حافة الهاوية. وبذلك ترانا أمام معادلة ثلاثية شديدة الخطورة بين رئاسة حكومة أفلت زمام السيطرة من يدها وفريقين أساسيين فيها يضعان مصيرها كل من حيثية صارخة في التعارض، تحت وطأة السقوط. استخف اللبنانيون مرات كثيرة بحالات تأزم حادة مع هذه الحكومة وقبلها وفي ظروف صراعية مختلفة تحت مسميات مخدرة مثل المظلة الدولية والاقليمية للاستقرار وحماية الستاتيكو الداخلي. لكن النوم على هذا الصنف من الحرائر لم يحل مرات عدة دون كوارث وانهيارات. لذا لا ترانا مغالين ان اعتبرنا ان هذه الحكومة لم تعد فقط المظلة الأخيرة لبقايا النظام الدستوري المستهدف بما يفوق بأخطاره ما يتصوره كثيرون، وانما ستغدو وبأقرب ما يتراءى لمعطليها انفسهم ورقة التين الأخيرة التي ان تمزقت لن يكون مكسب المعطلين من الأنهيار سوى تحميل فريق التعطيل تحديداً وحصراً تبعة التسبب بالانهيار وتداعياته المدمرة. واذا كان اي توافق سياسي صار راهناً من الاستحالات فلا نخال توافق “ربط النزاع” على أزمات الناس بالحد الملح المحدود قد طار بدوره من فرص استدراك الآتي الأعظم إن قيض لبقية باقية من رؤوس باردة ان تقلع عن الغطرسة القاتلة
الحرب الروسية في سوريا ليست مسيحية، ولا مقدّسة
الأب سامر نعمان/النهار/19 تشرين الأول 2015
عبّر بطريرك الكنيسة الروسية الارثوذكسية كيريل، قبل أيام، عن رجائه بأن يقود التدخل الروسي العسكري في سوريا الى “حماية الشعب السوري، وفضّ ضيق الأبرياء المحتاجين الى الحماية، وإيقاف حوادث الخطف والذبح المقيت تجاه الأساقفة والرهبان، والتدمير البربري للهياكل المقدسة”.وجاهر الرئيس بوتين، قبل فترة وجيزة أيضاً، بإيمانه المسيحي، بعد فترة من الزمن قضاها في الإلحاد، مخاطباً المجتمع الأوروبي وأميركا بأنه: “لا بد من أن نرجع الى قيمنا المسيحية التي جعلتنا ننمو ونزدهر”؛ وارتكازاً على كلام البطريرك كيريل، واستناداً الى إعلان الرئيس بوتين، ارتفعت أصوات تنعت الحرب الروسية في سوريا بـ”المسيحية”، أو “المقدسة”؛ ولا سيما من بعض المسيحيين الذين هلّلوا لهذه الحرب، ظناً منهم أنها تحمل لهم الخلاص من الويلات، والحماية بصفة كونهم أقليات؛ أو من بعض المسلمين الذين استاؤوا منها، وعدّوها “حرباً صليبية جديدة”، وشرعوا يستعدّون للتصدي لها، وإن عسكرياً. ولكن، كيف تكون الحرب الروسية في سوريا، “مسيحية” أو “مقدسة”، والكنيسة بشقيها الغربي والشرقي، لم تعهد الى أحد، ولا الى الرئيس الروسي نفسه أن يقوم بها، باسمها أو عنها؟ وكيف تكون مقدسة إن لم يقبل المسيحيون الشرقيون أنفسهم بنشوبها دفاعاً عنهم، ولا بأحقيتها في الذود عنهم؟ وكيف تكون مقدسة إن كانت، حتى الآن، لم تخدم المسيحيين في مناطق وجودهم، ولا حمت أرواحهم من نار الحرب؟ وعليه، فالحرب الروسية في سوريا غير مسيحية ولا مقدسة، لا بالاعلان عنها، ولا بقيامها، ولا بنتائجها؛ وإنما هي حرب دوافعها سياسية وأغراضها سياسية ومآربها سياسية، وإن تغلفت بغلاف إنساني؛ وأما المسيحيون المشرقيون فغير معنيين بهذه الحرب، أو بنشوبها، أو بما قد ينتج منها، اللهم إلا عند البعض منهم، وعلى الصعيد السياسي، فقط. فيا إخوتي المسيحيين لا تسرّوا بهذه الحرب، فالكنيسة نفسها أسفت على تورطها في الحروب الصليبية ماضياً؛ ولا تبتهجوا بنشوبها، إذ إنها لن تفيدكم في شيء، لا معنوياً ولا أمنياً، ولا تهللوا لقيامها، لأنها لن تجني لكم إلا علائق متوترة مع إخوتكم المسلمين، ولن تعود عليكم إلا بالعداء معهم. ويا إخوتنا المسلمين، لا تسمحوا، من جهتكم، بتسويق فكرة الحرب “المسيحية” أو “المقدسة”، لأنكم تعلمون أنها بعيدة عن هذه الأهداف؛ ولا تأذنوا بترويج هذه الفكرة، لأن إخوتكم المسيحيين غير معنيين بها، نشوباً ونتائج؛ ولا تتساهلوا في محاربتها، لأن ثمة من يريد استعمالها في تحقيق مآربه، وخصوصاً في تهجير المسيحيين من أوطانهم، واقتلاعهم من جذورهم، خطفاً وتنكيلاً وقتلاً.