رفع الصوت لا يبرئ
راشد فايد/النهار/2 آب 2016
تزخر جعبة “الأمين العام” بعدد لا يحصى من قتلى حزبه، ما يتيح له، في أي لحظة، أن يروي ظمأه الى التهجم على خصومه بخطاب، حجة مناسبته دفن واحد من ضحايا نهجه، أو ذكرى مصرعه. من ذلك ظهوره الأخير الذي كرسه لإعطاء السعودية مواعظ في العداء لإسرائيل، وحفظ العروبة، وهو المجاهر بإيرانيته، مالاً وسياسة وسلاحاً، وقضاءً وقدراً: إنه زمن العروبة – الفارسية، التي تمثلها وجوه، بعضها “حديث العروبة”، وبعضها مخضرم، يميل بـ “عروبته” إلى حيث تميل مصالحه، بين البعث الأسدي والناصرية حيناً، و”الكتاب الأخضر”، أحياناً، ونفط الخليج في بعض الأحايين.
وعلى عادته، لم ينس دور نائب المرشد المحلي، فخصص أقل من خمس وقته ونصه لذكرى شهيده، وحال الفساد، من موقع المتفرج لا المعني، وحال تلوث نهر الليطاني وبحيرة القرعون، بخبرة المدعي العام البيئي، فبدا أن ما يهمه انتهاز المناسبة لتجديد إطلاق النار الإيرانية على المملكة، سنداً إلى لقاء، علني، ليس الأول للواء السعودي المتقاعد، أنور ماجد عشقي، الذي يدير مركزاً متخصصاً للدراسات، مع مسؤول اسرائيلي. فلقد شهد العام الفائت 5 لقاءات مماثلة، إذا صدق محرك البحث الشهير google، ولم يحمل الأمين العام إبان ذلك على السعودية، كما فعل نهاية الأسبوع الفائت. فلماذا هذه الحدة “التأديبية” في الخطاب المذكور؟ لا يكمن الجواب في الانتماء العروبي المتأجج عند الخطيب، ولا في استماتته لتحرير فلسطين، وهو الذي تعهد علنا أن يقف دوره التهديدي لإسرائيل عند الخط الأزرق، بل الجواب في تضييق الخناق على الطموح الإيراني الإقليمي، وتزعزع الثقة بنصر مزعوم يمتد من صنعاء إلى حلب، ما يدفع أهل الممانعة إلى السعي لتدمير صورة الدور السعودي في الدفاع عن عروبة المنطقة، باتهام الرياض بالتنازل عن الحقوق العربية تجاه الكيان الإسرائيلي.
تناول الخطاب خطوة اللقاء، وليس مضمون الموقف الذي أكده اللواء السعودي المتقاعد، بقوله، إنه “لن يحصل لقاء لمسؤولين رسميين من السعودية وإسرائيل قبل اعتراف الأخيرة بالمبادرة العربية”، مضيفا “أن الاتصالات لا تصل إلى مستوى علاقة بين الشعوب”. وشدد على التمسك ببنود مبادرة قمة بيروت 2002: القدس وحدود 1967 وحق العودة. استفظاع الخطيب أي اتصال سعودي – إسرائيلي يجوز لو أن من يستظل استراتيجية ايران يتذكر أنها السباقة إلى قرع بوابة حكومة اسرائيل. فالذاكرة غير القاصرة، وغير القصيرة، تعرف أن التعاون بين الطرفين بدأ قبل حرب الخليج الأولى، وشحنات الأسلحة التي كانت تصل مواربة، وقد اعترف أول رئيس ايراني هو أبو الحسن بني صدر بعجزه عن مواجهة إصرار رجال الدين حينها على هذا التعاون. سجل الود بين طهران وتل أبيب حافل، منذ زمن المؤسس الخميني. وارتفاع الصوت لا يعني البراءة.