حقائب “الجمهورية القويّة”
ميشال هليّل/النهار/8 آب 2016
أكثر ما يُدهش في ترشيح العماد ميشال عون العلني أو الضمني للرئاسة منذ عام 1988 وما قبل هو الحديث عن هذا الترشيح، إيران تؤيّده قازاقستان ترفضه، حظوظه ارتفعت، حظوظه انخفضت، أيلول مناسب له، شباط يؤذيه، وأكثر ما يؤسف في هذا الحديث بعد السياسيين والصحافيين والمنجّمين، هو مواقف الأحزاب التي تدعم وتسحب الدعم، تُوالي وتعارض، تجاهر وتمالق، وأكثر من يلفت في هذه الأحزاب، الآن على الأقل ومنذ نحو عام، هو حزب القوات.
حين نقرأ التصريحات أو البيانات أو الأحاديث الصادرة عن المسؤولين أو المستشارين أو القياديين، خصوصاً القياديين في القوات، نظن لوهلة أنها منسوبة زوراً إليهم، وأنّ هناك على الأكيد مُنتحلي صفة، وأنّ جماعة ما لغاية ما تعمد إلى تشويه صورة هذا الحزب. هذا ما نظنّه، لكن ما هو صحيح أن القوات ومنذ الكوكتيل الشهير في معراب، تتخبّط مثل مجموعة كشفية ضلّت في إحدى الغابات، وهي لا تتورّع عن التخلّص من التزاماتها والانقلاب على مواقفها، وكانت آخر محاولاتها الحديث المفاجئ لرئيس الحزب الذي نقلته أخيراً “النهار”. يقول رئيس الحزب بعد سنتين من تعطيل العماد عون الانتخابات إنه مستعجل لانتخاب العماد عون، كلام في محلّه. الناخب في عجلة والمُرشح بطيء.
الناخب المسكين يدخل المجلس ومعه بضعة نواب أيضاً مساكين، والمرشّح المنتفخ صاحب أكبر الكتل النيابية يدخل في غيبوبة. ويتابع “أدعو إلى إحداث خرق في موضع الرئاسة ولا أرى حلاً غير انتخاب عون”، الخرق من خلال عون، خرق من؟ وكيف؟ وماذا؟ الخرق من خلال من يمارس الخنق… نظرية جديدة في علم السياسة، الحل بواسطة المشكلة، التعمير عن طريق التخريب، والتعطيل، والتدمير، والتهجير والتفكيك من غير أن ننسى أنّ “المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار”. ويضيف كما في كل تصريح، “المسؤولية تقع على حزب الله”، هو غير مسؤول، الجنرال غير مسؤول، فقط “حزب الله”، وماذا يفعل “حزب الله”؟
يرشّح العماد عون. وماذا تفعل القوات؟ ترشّح العماد عون، الاثنان لهما مرشّح واحد ويرفضان سواه، تلك هي الديموقراطية، مرشّح واحد كالحزب الواحد كالصف الواحد، مرشح سرق منه الرؤساء المتعاقبون على مدى ثلاثين عاماً عمره وشبابه ومستقبله، واليوم يسعى الى التعويض علينا، والقوات ستعوّض عليه. ويعترف رئيس الحزب بأنّ الحريري طرح عليه الذهاب الى مرشح ثالث “لكني رفضت، لأنّ ذلك سيأخذنا إلى الفراغ أكثر… ولأنّ الضمان إذا ما انتخب عون موجود في الدستور…” الفراغ الأكثر، لا الأوسط ولا الأبسط! والضمان في الدستور، والحل في الدستور، والخلاص في الدستور، هذا ما يقوله رئيس الحزب، إذاً لا مشكلة لأنّ لدينا دستور، ويختُم كلامه “عندما رشّح الحريري فرنجية… تحركنا”.
مسؤول يقول إنه يتحرّك حين يتحرّك الآخرون، يُرشّح حين يُرشّحون، يُحالف حين يُحالفون، وأبداً لا يجرؤ حيث لا يجرؤ الآخرون.فالقوات لم تكن تقول الحقيقة للناس ولا لمحازبيها ولا لمناصريها المستقلّين المخدوعين، لم تتحرّك عن قناعة، تحرّكت عن نكاية، بعد ثمانية أشهر أتى من يقول إن لقاء معراب كان لقاءً فولكلورياً لغسل الأيدي لا لغسل القلوب، فالانتخابات هي الهدف والمصالح والأنانيات وإليكم النهاية: “لأننا لو تأخرنا في التحرّك لكان عون مشى بفرنجية وكنا جهّزنا حقائبنا للسفر”. القوات تتأخّر، عون يمشي، الحقائب للسفر. جملة بسيطة تضع فيها الكلمات حيث تشاء… عون يتأخر، الحقائب تمشي والقوات للسفر، أو نحن للسفر، أو عون، أو الحكيم… أحياناً تتمنّى أن يكون ما تقرأه ناتجاً من خطأ، وتفتش عن التصحيح، أحياناً تأسف وأحياناً تندم، وفي كل مرّة تتمنّى، أن يكون في لبنان دولة، ونظام دولة، ورجال دولة، ويكون من الأفضل أن تنتظر التصحيح.