لكي يكتمل إنتصار السابع من آب
المحامي انطوان ع. نصرالله/جريدة الجمهورية/الاثنين 08 آب 2016
السؤال الذي يطرحه المتابعون في الذكرى الخامسة عشرة لأحداث السابع والتاسع من آب 2001: ما أهمّية هذه الأحداث في المسار اللبناني؟ ولماذا تعطى كلّ هذه الضجّة الإعلامية؟ ولماذا ما زالت تحفر في ذاكرتنا ونتذكّرها ولو بأشكال مختلفة، خصوصاً أنّ تلك الاعتقالات لم تكن الأولى ولا الأخيرة التي قامت بها السلطة الحاكمة بكلّ أطيافها في تلك الفترة. شكّلت أحداث آب من العام 2001 الشرارةَ الأولى لانطلاق الصورة الجديدة للسياسة في لبنان، وذلك منذ السيطرة السوريّة على الملف اللبناني في العام 1990 بغطاء ودعم عربي ودولي كاملين. ففي ذلك التاريخ تمَّ اعتقال مئات الطلّاب والقياديين في حزبَي «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، وقد فاقَ عدد الموقوفين الـ 200، وجُلّهم من الكوادر والمسؤولين، إذ شَمل التوقيف محامين ومهندسين وأطبّاء وصحافيين وغيرَهم. وعلى الرغم من الاعتقال عاوَدت الأحزاب تحرّكها في التاسع من آب أمام قصر العدل لتقمعَها بوحشية القوى الأمنية… ويُعتقل عددٌ آخَر، مِن بينهم قياديون في «التيار الوطني الحر» وحزبَي «الأحرار» والكتائب. كان الاعتقال وما رافقَه من إجراءات وأحداث مؤشّراً واضحاً على التأزّم الذي تعانيه الساحة اللبنانية. أولى بشائر هذا التأزّم طفا على سطح الأحداث قبل نهاية شهر تمّوز 2001 بأيام قليلة، إذ بدأت ترتسم ملامح نكسة خطيرة نتيجة التجاذبات بين أجنحة السلطة.
ففي 26 تمّوز صوّتَ المجلس النيابي اللبناني بإجماع 81 نائباً على قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد كما وضعه المجلس مسقِطاً ردَّ رئيس الجمهورية للقانون ومن دون أن يأخذ في الأسباب الموجبة لهذا الرد.
كانت تلك الجلسة الفتيلَ الذي سيؤدّي مع سواه من عوامل أخرى إلى الانفجار وربّما إلى اعتقالات السابع من آب… علماً بأنّ الفتيل المباشر للانفجار اشتعلَ إثر الجولة التي قام بها البطريرك نصرالله صفير على جبل لبنان الجنوبي (الشوف وعاليه وبعبدا) وجزين، والتي امتدّت بين 3 و5 آب، وهي الجولة التي فتحَت باباً جديداً للعلاقة بين بكركي ووليد جنبلاط. بعد 12 يوماً فقط من جلسة مجلس النواب الأولى، وبعد اعتقالات السابع والتاسع من آب، عاد المجلس النيابي في خطوة تراجعية وسابقة تاريخية وصوّتَ في 13 آب على تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي رفضَه سابقاً وأدخلَ موادّ كان قد طالبَ بها رئيس الجمهورية، وكان من شأن هذه التعديلات توسيعُ صلاحيات المدّعي العام التمييزي في مرحلة التحقيقات الأوّلية. التصويت الأوّل على القانون سبقَ الاعتقالات، والتصويت الثاني أعقبَه، ما يثبت أنّ الانفجار تركَ أثرَه حتى في صلب عمل المؤسسات. كانت أحداث آب 2001 مؤشّراً واضحاً وصريحاً على المأزق الداخلي وعلى بداية تبدّل في هذا المشهد لاعتبارات كثيرة، أهمّها:
- المعارضة للوجود السوري، والتي باتت أكبرَ بحكم الانسحاب الإسرائيلي وصمود الداعين إلى خروج سوريا من لبنان.
- بداية تحالفات جديدة داخلية مع استعداد الجميع للانخراط في الانتخابات النيابية المزمَع عقدُها عام 2005 والتي ستُحدّد الأحجام والقوى، خصوصاً مع قرار العماد ميشال عون وتياره المشاركة بها.
- بدء الخلاف الأميركي السوري على ملفّات المنطقة، والذي سيتوسّع بعد الأحداث التي عرفتها الولايات المتحدة الأميركية في 11 أيلول 2001، والغزو الأميركي للعراق عام 2003، ليصلَ إلى ذروته عام 2005.
إذاً أهمّية أحداث آب 2001 تكمن في توقيتها وبأنّها كانت البابَ الذي سيُحدث تبديلاً كبيراً قي المشهد اللبناني… كلّ هذه التطوّرات أدّت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان.
لكن ولكي يكتمل انتصار هذا الحدث، علينا العمل على مصالحة حقيقية عبر إقرار قانون انتخابي يتمثّل فيه الجميع من دون استثناء… مراجعةُ قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي أقِرّ في تلك الفترة وعدمُ السكوت عن الشوائب التي فيه بحجّة أنّ القوى السياسية الجديدة تستطيع أن تُعيّن مدّعيَ عام التمييز… كما مراجعة قوانين ومراسيم عديدة وتطويرُها لنكون أمام دولة الحقّ لا دولة القمع… وأخيراً عدم إدخال الذكرى في العادات اللبنانية السيّئة والمتمثلة في المَثل القائل: «أطعِم الفم حتى تستحي العين»، فهذه الذكرى تستحقّ أكثرَ مِن حفل عشاء… .