لبنان وجغرافيا “حزب الله”
علي بردى/النهار/22 آب 2016
هناك الكثير مما يقال عن تورط “حزب الله” في سوريا. أوغل عميقاً في حربها. أدمته لكنه يسخر من مطالبات اللبنانيين وغيرهم بالتراجع عن هذه المقتلة الرهيبة. لم يعلن أي خطط للعودة. لن يتمكن على الأرجح من العودة. بل سيجد نفسه مضطراً الى المحافظة طويلاً على جزء من جغرافيا بلد كان متماسكاً اسمه سوريا.
لم يجر أحد بعد تقويماً عميقاً مستقلاً لبيانات “حزب الله” عن سوريا الثورة ثم الحرب. لم يعترف يوماً بأن ما بدأ كان انتفاضة عارمة من الناس على ظلم وحشي وبطش موصوف من حكم البعث بقيادة الرئيس بشار الأسد بعد أبيه الرئيس حافظ الأسد. اللبنانيون نالوا حصة وفيرة من هذا وذاك، وبينهم أفراد من “حزب الله” حاولوا التمرد على جبروت البعث. يبدو أن دعم سوريا الأسد لـ”المقاومة الإسلامية” (“حزب الله” حصراً) ضد اسرائيل هو ترياق كل تلك الآلام. يتندر السوريون وغيرهم عن بلد الصمت والجدران التي تسمع. حيطان البيوت مليئة بالآذان. بلد يعج بالمخبرين. نال السوريون كثيراً من شعار البعث: وحدة، حرية، اشتراكية.
لم تعمر الإنتفاضة السلمية طويلاً. لماذا؟ للأسباب المذكورة أعلاه، وما تلاها من العسكرة. لا بد من التكرار: صارت سوريا “أرض جهاد”. تفيد التقارير المستقلة للأمم المتحدة أن فيها الآن زهاء 30 ألفاً من المقاتلين الإرهابيين الأجانب. تدفقوا من نحو 120 بلداً. التدخل الخارجي من كل حدب وصوب ليس خبراً. وحدها الصين لم تتدخل مباشرة في الحرب السورية. يخوض العالم حرباً دولية ضارية في سوريا – وبعض العراق – لدحر الجماعات الإرهابية والقضاء تماماً على الإرهابيين. وضعت ايران “حزب الله” في خانة الجهاد ضد الإرهابيين. هناك حقيقة واضحة أن الجمهورية أرادت لـ”حزب الله” أن يقاتل حتى الرمق الأخير دفاعاً عن بقاء الأسد في الحكم. هذا الحزب جزء لا يتجزأ من جدلية علاقتها مع سوريا الأسد. هي المؤسسة والراعية والممولة الأصيلة للتنظيم الذي نشأ على وظيفة القتال. السياسة تخدم رسالة “حزب الله” الجهادية. لم يدع قط أنه مستقل عن إرادة الولي الفقيه.
استوجب الأمر بعض الوقت لإعطاء “جمهور المقاومة” من اللبنانيين صورة كاملة عما يحصل. التورط الذي بدأ دفاعاً عن بعض الجيوب الشيعية على الجانب الآخر من الحدود صار لاحقاً دفاعاً عن المقامات الشيعية في دمشق “لئلا تسبى زينب مرتين”، ثم انتقل لاحقاً من مجرد ادعاء أنه صون لخطوط إمداد المقاومة، ليكون مجاهرة بمنطق أن طريق القدس تمر من حلب وبقية المدن والبلدات في “سوريا المفيدة”. إذا كانت “كردستان سوريا” تتشكل بفعل ما حصل ويحصل، فمن يرسم حدود “سوريا المفيدة” هذه؟ ما هو مصير “سوريا غير المفيدة”؟ تتصومل؟
كرّس “حزب الله” وجوداً راسخاً في مناطق القصير والقلمون والأرياف السورية الحدودية. جعلها عملياً جزءاً من جغرافيا انتشاره. ما هي الحدود بين جغرافيا لبنان وجغرافيا “حزب الله”؟ فرضت ايران واقعاً خطراً على مستقبل لبنان.