إيران لن تسلّم أوراقها في لبنان ما لم تأخذ حصتها في سوريا
اميل خوري/النهار/22 آب 2016
عندما زار الرئيس الراحل الياس سركيس فرنسا ليطلب من رئيسها فرنسوا ميتران المساعدة على وقف الحرب في لبنان، قال له: “Allez voir Wachington” أي “روح شوف واشنطن”.
وكان لهذا الجواب معنى واضح وهو أن الحرب في لبنان هي من صنع واشنطن وهي التي تستطيع وقفها ولا أحد سواها. وقد أكدت المراحل التي مرت بها تلك الحرب واستمرت 15 سنة صحة ذلك. فالغاية من اشعال الحرب في لبنان كانت التخلص من المنظمات الفلسطينية التي تزعج اسرائيل بعملياتها الفدائية، وتالياً اخراج الفلسطينيين المسلحين الذين يزعجون اللبنانيين باخضاعهم للتفتيش عند الحواجز، عدا تهميشها دور السلطة اللبنانية. وخوفاً من أن يتغلب الطرف اللبناني على الطرف الفلسطيني أو يتغلب الطرف الفلسطيني على الطرف اللبناني، وتحديداً المسيحي بعد وقوف أحزاب اسلامية وقومية عربية الى الجانب الفلسطيني،
رسمت أميركا خطوطاً حمراً للمتقاتلين لا يجوز لأي منهم تجاوزها، ما جعل الحرب سجالاً عند خطوط التماس بين ما كان يسمى “بيروت الشرقية” و”بيروت الغربية” في انتظار ان يتعب المتقاتلون ويصبحوا جاهزين للقبول بالحل الذي وضع في لقاءات الطائف والذي أخضع لبنان لوصاية سورية تتولى هي تنفيذ اتفاق الطائف في غضون سنتين.
لكن الوصاية السورية التي طابت لها الاقامة في لبنان جعلتها تمتد الى 30 سنة وقبضت ثمن ذلك اخراج المسلحين الفلسطينيين من لبنان الى تونس ارضاء لاسرائيل وتنفيذاً لصفقة التفاهم مع أميركا. والآن يستطيع لبنان أن يقول لكل موفد عربي أو دولي صديق يحاول اخراجه من ازمة الانتخابات الرئاسية: “روح شوف إيران”… فكما أن واشنطن كانت وراء اشعال حرب الـ 75 في لبنان تحقيقاً لاهدافها ولاراحة اسرائيل من العمليات الفدائية الفلسطينية، فإن طهران هي التي افتعلت الأزمة الرئاسية وهي التي تحلها إذا شاءت.
فلو انها كانت تريد انتخاب رئيس للبنان لكانت طلبت من نواب “حزب الله” ومن معهم النزول الى مجلس النواب لانتخاب أحد المرشحين عون وفرنجية، وكلاهما من خطها السياسي، بل كانت ضغطت لينسحب أحدهما للآخر ضماناً لفوزه وتبديداً لخوفها من فوز مرشح آخر ليس من خطها، ولما كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يكرر تأكيد تمسكه بترشيح العماد عون حتى بعد فشل المساعي المبذولة لدى الرئيس سعد الحريري لكي يؤيّد العماد عون ويتخلى عن تأييد فرنجية، أي الطلب من الحريري أن يتجرّع كأس السم… وهو ما لن يفعله، وإن هو فعل يكون قد حكم على نفسه بالانتحار السياسي. لذلك فإن السيد نصرالله، على رغم كل الصعوبات التي تواجه ترشيح العماد عون وتعذّر تذليلها، ظل مصرّاً على تأييد ترشيحه مخالفاً ما كان قد اقترحه سابقاً وهو انتخاب من لا يشكّل انتخابه كسراً لأحد، أي مرشح توافق وتسوية، لكنه تناسى ذلك عندما بلغه أن ايران لا تريد انتخاب رئيس للبنان في الوقت الحاضر بل في الوقت الذي تحدّده هي. لقد بات واضحاً ان إيران تريد أن تأخذ في سوريا كي تعطي في لبنان، أي أن يكون الحكم في سوريا موالياً لها فيصبح عندئذ أي حكم في لبنان موالياً لها أيضاً بفعل تأثير الحكم في سوريا على الحكم في لبنان،
في حين أن حكماً في سوريا غير موالٍ لإيران أو حتى محايداً يجعل الحكم في لبنان أكثر حرية واستقلالية في اتخاذه قراراته المحلية والاقليمية والدولية. لذلك يمكن القول إن إيران ستظل تضغط في لبنان لتحصل على ما تريد في سوريا وأن تصيب عصفورين بحجر واحد. واذا كان الشغور الرئاسي لا يكفي لبلوغ ما تريده إيران في سوريا فإنها تستخدم عندئذ أوراق ايصال لبنان الى الفراغ الشامل، وذلك عندما يحين موعد الانتخابات النيابية المقبلة فلا يكون رئيس للجمهورية ولا يكون قانون عادل ومتوازن تجرى الانتخابات على أساسه، ولا يكون تمديد لمجلس النواب بل يكون الفراغ الشامل، وقد يكون هذا ما عناه الرئيس نبيه بري بقوله: “إن لبنان هو على مفترق طرق إذا لم نتوصل الى اتفاق حول الملفات العالقة نهاية السنة”.