عندما ترمي إيران علينا «ثالثة الأثافي»
د.مصطفى علوش/الجمهورية/ 02 أيلول/16
«بل كلّ قوم وإن عزُّوا وإن كثُروا عَريفهم بأثافي الشرِّ مرجوم» (علقمة الفحل)
الأثافي هو إسم جمع لأثفية، وهي ثلاثة أحجار تركز حول الموقد، يثبت عليها القدر.
لست أدري كيف تحوّل تعبير ـ»ثالثة الأثافي» لوصف الشر المطلق الذي يقع على بعض الناس، وعندما يقال «رماه بثالثة الأثافي» فهذا يعني أنّ فلاناً أوقع بفلان أعظم الشرور.
ما لنا ولشؤون اللغة العربية، فشجونها أصبحت أكثر من أن تُعدّ، فقد تحوّلت إلى لغة في طريق الزوال بعدما فرغت من القوة الناعمة، وعجزت عن استيعاب العصر بعلومه ومصطلحاته، وبعدما هجرها أصحابها تاركين وراءهم رسماً دارساً «بسقط اللوا بين الدخول فحومل…».
لكن ما لفتني منذ بضعة أيام قول أحد فلاسفة «حزب الله» المتخصّصين في علوم الهجاء، أنهم «مبتلون بحزب «المستقبل» حيث يوجد بداخله أفرقاء طبيعتهم المعاندة والمكابرة والمشاغبة والمزايدة والمنافسة فيما بينهم».
لا عتب على القائل، فلم يعتد في تدرّجه السرّي في مراتب حزبه العقائدي العسكري على مبدأ الحرية والإجتهاد في القول والفعل، وهو سمة منطقية للسياسيين في العصر الحديث، خصوصاً بعدما ولّى زمن العقائد الجامدة التي تصخّر العقل وتصحّر الخيال وتقضي على وعي الفرد لتحلّ محله اليقينية الجماعية والأساطير، ومع ذلك فإنّ «حزب الله» وقائده ونوابه ومحازبيه ومجاهديه ومناصريه هم أسرى وعبيد لعالم الأساطير.
بلاء «حزب الله» هو بالضبط وجود تيار من اللبنانيين، وتيار «المستقبل» منهم، ما زال منذ أكثر من عقد يعاند ويكابر ويشاكس، وما زالت عينه تقاوم مخرزاً إيرانياً اسمه «حزب الله» زرع في لبنان في غفلة من الزمن، وقف حائلاً دون استسلام البلد لمشاريع الولي الفقيه لجعله مجرَّد مستعمرة ومنصّة تطلق وتتلقى الصواريخ بدلاً عن طهران وتبريز وأصفهان.
لم تكتفِ إيران برمي ثالثة أثافيها المتمثلة بالميليشيات التابعة للحرس الثوري على لبنان، بل هي ترميها على سوريا والعراق واليمن والبحرين، وتسعى لجعل كلّ بلدان المنطقة تحت وابلٍ من الأثافي، وكلها من أجل مجرد أسطورة وحلم إمبراطوري بائد لم يعد له مكان اليوم إلّا في خيال المؤمنين به.
بلاء «حزب الله» ليس بوجود تيار «المستقبل»، فبلاؤه ينبع من عدم إدراكه أنّ لقب المرشد الأعلى يشبه بالنسبة لنا لقب الفوهرر والدوتشي والمهيب والقائد والأخ الأكبر، وكلها عناوين لتجارب قريبة طحنت بأثافيها البشرية كلها، ولو كان جماعة الحزب من ذوي الألباب لما قتلوا ولا قتلوا، ولا فجّروا ولا دمّروا في سبيلها.