فخامة الرئيس 1559
أحمد الغز/اللواء/04 أيلول/16
صادف الأمس الذكرى الثانية عشر لصدور القرار ١٥٥٩ الذي صدر في ٢ أيلول ٢٠٠٤، أي في اليوم التالي للتمديد لإميل لحود في ١ أيلول. ويعتبر هذا القرار الحدث الأساس في التكوّن السياسي اللبنانيّ منذ ذلك التاريخ، اذ انقسم اللبنانيّون بين مؤيّد لهذا القرار ومعارض له، بالاضافة الى ما تبعه من تداعيات واغتيالات وحروب واصطفافات سياسية وقرارات دولية، ممّا أدّى الى انقسام عامودي على المستويين الاجتماعي والسياسي. استطاع اللبنانيّون تغليف خلافهم حول هذا القرار بالعديد من القضايا والموضوعات، بالاضافة الى الانتكاسات الأمنية والعسكرية مرّات ومرّات، مروراً بالخلاف حول القضايا الدولية والإقليمية والميثاقية والاقتصادية والاجتماعية، وجميعها لها أساس وحيد هو الخلاف على القرار ١٥٥٩، وتجاهل الجميع التقارير التي كانت تقدّم دورياً لمجلس الأمن حول تنفيذ لبنان للقرار.
أعتقد أنّ معارضي القرار قد نجحوا الى حدّ بعيد في تغييب مضمون هذا القرار عن التداول، إذ صوّروا الخلاف حوله بالتمييز بين المقاومة والميليشيا، في حين أنّ القرار تضمّن بنوداً غاية في الوضوح ومنها خروج القوات الخارجية من لبنان، وهذا ما جعل السوريّين يعلنون بعد خروجهم من لبنان على أثر عملية الاغتيال الكبرى أنّهم انسحبوا تطبيقاً للقرار ١٥٥٩، ممّا يعني بوضوح أنّ هذا القرار وضع للتطبيق.
تناسى اللبنانيّون أنّ أصل القرار هو انتخابات الرئاسة وسيادة الدولة على كامل أراضيها، مما جعل طاولة الحوار الأولى عام ٢٠٠٦ تضع تقصير ولاية رئيس الجمهورية كبند أوّل، ثمّ البحث بالسلاح الفلسطيني خارج المخيّمات. وكانت هذه المواضيع حينها رسالة للمجتمع الدولي بأنّ لبنان يسعى الى تطبيق القرار ١٥٥٩، بالاضافة الى موافقة هيئة الحوار على المحكمة الدولية.
جاءت حرب تمّوز لتؤسس واقعاً سياسيّاً مغايراً، فكان القرار ١٧٠١ بمثابة اعادة تأكيد على القرار ١٥٥٩ الذي وضع الجنوب تحت الوصاية الدولية عبر قوات الطوارىء، وقد تضمّن القرار ١٧٠١ الإشراف على الحدود البحرية والبرية للبنان. وإن وجود ثلاثة عشر الف جندي دولي في الجنوب والبحر يؤكد ان القرار ١٥٥٩ هو للتطبيق. جاء الاستحقاق الرئاسي في العام ٢٠٠٧، وقد تمّ تعطيله سبعة أشهر انتهت بالذهاب الى الدوحة بعد أحداث أيّار الأمنية. وانتخب ميشال سليمان بحضور دولي إقليمي في مجلس النواب وعلى مستوى رفيع، إذ حضر كلّ من أمير قطر وأمين عام الجامعة العربية ورئيس البرلمان العربي ورئيس مجلس الامة الكويتي ومفوّض السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي ونائبة رئيس البرلمان الاوروبي ومبعوث الاتحاد السويسري ومستشار الرئيس السوداني بالاضافة الى وزراء خارجية السعودية وايران وفرنسا وتركيا واسبانيا وايطاليا والكويت والاردن والبحرين وعمان، ممّا يؤكد أيضاً أن القرار ١٥٥٩ قد وضع لينفّذ.
وها نحن الآن ندخل العام الثالث للشغور الرئاسي وقد استنفدنا كل المهارات والشطارات والمبادرات والانقلابات ولم نستطع حتى الآن انتخاب رئيس. ها نحن الآن في الذكرى الثانية عشرة لصدور القرار ١٥٥٩ مع ما تسبّب به من أكلاف وتضحيات وانهيارات سياسيّة وأمنيّة واقتصادية واجتماعية، بالاضافة الى المخاطر التي تهدّد لبنان من داخله وخارجه بسبب الحريق السوري الذي حوّل لبنان الى مخيّم كبير للّجوء الانساني، وأيضاً المخاطر الأمنية واستمرار التهديدات الاسرائيلية والشلل الحكومي والبرلماني والأمني والعسكري، مع عدم وجود إرادة وطنية إنقاذية لدى القوى السياسية.
أمام هذا الواقع واحتمالاته المأساوية على الدولة والكيان، لا يسعنا الاّ أن ندعو جميع الأفرقاء الى التحلّي بالشجاعة الوطنية من أجل إنقاذ لبنان والحفاظ على الدولة الوطنية، والإسراع في انتخاب فخامة الرئيس ١٥٥٩ قبل وقوع الكارثة.