حزب الله” يهدد جنبلاط علنا
أحمد عدنان/العرب/04 أيلول/16
ليس المطلوب أن يحمل جنبلاط على عاتقه مواجهة عسكرية ضد حزب الله وإيران منفردا، لكن المطلوب أن يعود جنبلاط إلى موقعه الأصل، وهذه معركة وجودية فرضت نفسها على الموحدين الدروز. حين يكتب تاريخ لبنان الحديث، لن يغفل المؤرخون اسم الزعيم الوطني الكبير وليد جنبلاط. وسيرد اسم البيك الدرزي في صفحات كثيرة، خصوصا في أزمنة التحولات والانعطافات. سنراه يوما أول الشجعان. وفي يوم آخر سنجده أول الواقعيين. وهناك من قال ذات زمن “كمال جنبلاط يصرف من رصيده الدرزي لمصلحة رصيده الوطني، أما وليد جنبلاط فيصرف من رصيده الوطني لمصلحة رصيده الدرزي”، وهذه مقولة بحاجة إلى دراسة جادة ومنصفة لاتخاذ موقف نهائي منها. قبل أيام ليست بعيدة، نشرت صحيفة ناطقة باسم حزب الله تهديدا علنيا بالاغتيال لجنبلاط، والفزاعة الجديدة هي داعش.
وهنا أمر غريب، فقبل الثورة السورية المجيدة، تفرغت إسرائيل لتصفية خصوم حزب الله وتحقيق أهدافه. وبعد الثورة انتقلت هذه المهام إلى داعش، هذا هو كلام حزب الله، فأيام 14 آذار اتهم حزب الله الإسرائيليين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه من شهداء ثورة الأرز، واليوم يرمي مشروع الاغتيالات التي تستهدف خصومه حصرا على الدواعش، فسبحان القادر على كل شيء. ووفق المختصين، فإن تهديد ما يسمى بحزب الله لجنبلاط له سببان، الأول إعلان جنبلاط عن استعداده للتصويت رئاسيا من أجل الجنرال ميشال عون، تابع حزب الله، فكان التهديد رسالة واضحة بأن الحزب ليس لديه مرشح إلا الفراغ، وأن عون أداة لا أكثر. أما السبب الثاني فقد جاء من سوريا، من منطقة السويداء تحديدا، فإيران تسللت إلى هناك، وتعمل على إعادة رسم المشهد الدرزي فيها من أجل موطئ قدم دائم يقدم لها نقطة تماس جديدة مع إسرائيل، ويمثل جنبلاط وأنصاره عقبة جدية أمام المشروع الإيراني. أيا كان سبب التهديد الذي يستهدف جنبلاط، فهو يعبّر عن وقاحة غير مسبوقة للحزب الإلهي، والسبب أنه ليس هناك من يتكلم فضلا عن غياب من يحاسب ومن يعاقب ومن يردع.
التقارب المستحيل
وفي رأيي المتواضع، أن سياق التهديد الجنبلاطي يجب تحليله بمنظور أوسع، فبعد انتخابات 2009 النيابية قام جنبلاط بانعطافة سياسية انسحب عبرها من تحالف التيار الاستقلالي (قوى 14 آذار) إلى منطقة قريبة من القوى الموالية لإيران وبشار الأسد (قوى 8 آذار)، وبعد أن أعاد تموضعه، أعاد تموضعه مجددا إلى موقع وهمي يسمى التيار الوسطي، يقول فيه إنه ليس 14 آذار وليس 8 آذار، وربما يكون التوصيف الدقيق لهذا الموقع هو: لا أحب حزب الله لكني عاجز عن مواجهته، ورغم كل ذلك، لم يتوقف الحزب عن تهديد جنبلاط كلما لاحت له ضرورة أو فرصة.
يجب أن يدرك جنبلاط، أن حزب الله وبشار الأسد لن ينسيا أبدا، أن جنبلاط هو بطل الاستقلال اللبناني الثاني. بدأت القصة من منابع عدة، مطالبة جنبلاط بإعادة انتشار القوات السورية بعد انتخابات الألفين، ومصالحة الجبل مع بطريرك لبنان مار نصرالله بطرس صفير، ثم تصعيده ضد التمديد لرئيس الجمهورية إميل لحود، وفوق ذلك المطالبة بالقصاص من قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أي حزب الله وبشار الأسد. لن يغفر الحزب الإلهي وطاغية دمشق لوليد جنبلاط أنه حمل مسؤولية 14 آذار على كتفيه في عامها الأول وبعض عامها الثاني، ربما كلما قرأ أمين الحزب السيد حسن نصر الله اسم جنبلاط تذكر التصريح الجنبلاطي “السيارة التي استهدفت الرئيس الحريري انطلقت -بعد تجهيزها- من الضاحية الجنوبية”، لن يسامح نصر الله جنبلاط على إصدار القرارين الشهيرين في مايو 2008، تفكيك شبكة الاتصالات غير الشرعية التابعة لحزب الله وإقالة مدير أمن مطار بيروت نظير اكتشاف كاميرات تابعة للحزب في حرم المطار.
ولن ينسى بشار الأسد كلمة جنبلاط في ساحة الشهداء “يا بيروت بدنا التار من لحود لبشار”. وفي هذا السياق يجب أن نؤكد أنه كما كانت لجنبلاط حسنات عظيمة في تلك المرحلة، كانت له أخطاء فادحة، كالحلف الرباعي في انتخابات 2005، وإصراره على تحييد سلاح حزب الله من النقاش الدولي، وهذه أخطاء ندفع ثمنها إلى اليوم. خلاصة هذا الحديث، أنه مهما حاول جنبلاط إعادة التموضع، فلن ينسى محور طهران-دمشق-الضاحية، مواقفه الوطنية التي أجهضت مشروعهم ذات يوم، ورغم تغول مشروعهم هذه الأيام نظريا، إلا أنهم يدركون تماما قدرة البيت الجنبلاطي على المواجهة، والدليل على ذلك دور جنبلاط المحدود والنوعي في الثورة السورية. أتمنى أن تكون هذه الحادثة فرصة لوليد كمال جنبلاط من أجل مراجعة مواقفه وسياساته كلها بعد سنة 2009، فمكان جنبلاط الطبيعي، ومن ورائه طائفة الموحدين الدروز الكريمة، هو في قلب معركة العروبة، وفي صلب مسيرة الاستقلال اللبناني المختطف من ميليشيا إيرانية.
ليس المطلوب أن يحمل جنبلاط على عاتقه مواجهة عسكرية ضد حزب الله وإيران منفردا، لكن المطلوب أن يعود جنبلاط إلى موقعه الأصل، وهذه معركة وجودية فرضت نفسها على الموحدين الدروز، ولنا فيما يجري للعلويين في سوريا المثل والعبرة، فرغم الحلف المتين والقديم بين بعض العلويين وبين إيران، إلا أن دولة الولي الفقيه تسعى لتشييعهم، وتدمر مصيرهم ومستقبلهم باستعمالهم وقودا ضد السنة وضد العرب، وفي رأيي أن هذا ما يحاك للسويداء إضافة إلى الأهداف السياسية الانتهازية. في سيرة القادة والعظماء، يركز التاريخ على الصفحات الملحمية، وليد جنبلاط قائد 14 آذار الذي انزوى بعد 2009 شكل تراجعه خسارة للبنان الدولة والوطن قبل أي تحالف إقليمي أو محلي، وحين يعود جنبلاط سيتنفس لبنان الموجوع والجريح والمختنق.