من أرشيف العام 2014/من أجل رئيس لبنانوي مارونويّ!
د.نبيل خليفة/13 تموز14
الخلاف على رئيس للبنان هو جزء بل نتيجة للخلاف على جوهر لبنان وتاريخ لبنان ومستقبل لبنان ومصير لبنان. والمعايير التي تطرح تزكية للرئيس (قوي، ممثل لطائفته، وفاقي او توافقي..) هي كلام حق يراد به باطل!
كيف، ولماذا؟ وأين هي وما هي معايير القوة.. والتمثيل لدى الرئيس؟
ما دام رئيس الجمهورية، لدى انتخابه يكون ملتزماً بأن يقسم يمين الولاء ((للأمة اللبنانية)) كما اكد واضع دستور 1926 ميشال شيحا وهو قسم له معناه وأبعاده ومفاعيله الجيو – سياسية والايديولوجية فإننا بالتالي امام إلتزام عقائدي لبنانوي مارونوي وليس امام مجرد رئيس يحمل الهوية اللبنانية والمذهبية المارونية!
اولاً: ماذا تعني اللبنانوية؟
تحمل اللبنانوية، مجموعة أفكار – مبادىء تتخطى الانتساب السطحي الى لبنان لتؤكد الانتماء العميق الى وطن الارز على اسس وقواعد: فلسفة الوجود، وفلسفة التاريخ، وفلسفة الهوية، وفلسفة الحياة الاجتماعية، وفلسفة القيم.
- هذا يبدأ بالنظرة الى لبنان في ذاته، كما كان يقول شارل مالك، اي باعتباره حقيقة جغرافية وتاريخية او العكس باعتباره خطأ جغرافياً وتاريخياً!
- وهذه الحقيقة اخذت جذورها من جغرافيا جبل لبنان، شرقي المتوسط وأخذت تسميتها، لبنان قبل 1500 سنة من اسم سورية و2300 سنة من اسم بلاد الشام.
- واكتسبت هذه الحقيقة شرعيتها من ارادة غالبية سكان البلاد وتأكيد الشرعية الدولية:
- – في مجموعة الدول الكبرى الست (1861) وفي عصبة الأمم (1920)، وهيئة الامم المتحدة، وقرارات الشرعية الدولية في مجلس الامن لأكثر من عشرين مرة وعلى رأسها القرار 1559 (2/9/2004).
- ان كيان لبنان، بحدوده الجغرافية التاريخية، واستعادة ما سلخ منه في ستينيات القرن التاسع عشر (الاقضية الاربعة) كما شرحه كبير مؤرخي العالم العربـي استاذي أسد رستم، وكما طالب به بطريرك الكيان الياس الحويك وحصل عليه عام 1920 بإعلان لبنان الكبير على خط القمم، خط تقاسم المياه مع سورية.. هذا الكيان لم يصبح قناعة مسلماً بها لدى بعض اللبنانيين من ذوي النـزعات والايديولوجيات والاحزاب الانتي لبنانوية بآفاقها القومية السورية والعربية او بطروحاتها الاسلاموية.
- يعاني الكيان اللبناني من أزمة مع الدول الثلاث المجاورة له براً وبحراً وبنسب متفاوتة: سورية بطول حدود برية 376 كلم وحدود بحرية داخل المنطقة الاقتصادية الحصرية بنحو 100 كلم = 476 كلم وهي ترفض ترسيم حدودها مع لبنان! بمعنى انها ترفض الاعتراف بلبنان الكيان والدولة والسيادة.
اسرائيل بطول حدود برية مع لبنان 78 كلم وبحرية بحدود 100 كلم اي 178 كلم: نحن على خلاف كامل معها على الحدود البحرية واختلافات على الحدود البرية وهي تعتبر لبنان خطأ جغرافياً وتاريخياً، من زمن بن غوريون!
قبرص: الخصم الجديد للبنان بالتعاون مع اسرائيل وبحدود بحرية مختلف عليها تصل الى 36 كلم على الخط البحري الوسطي في المتوسط.
- ان القاعدة العمومية الاساسية في كل ذلك، بل الامثولة التي توصل اليها علماء الجغرافية السياسية هي: ((ان دولة جارة كلها (Limitrophe) ترفض ان ترسّـم حدودها معك (او تسعى لفرض حدودها بالقوة عليك) يعني انها لا تعترف بك ولا بسيادتك كدولة)).
ثانياً: ماذا تعني المارونويّة؟
هي مختصر الايديولوجية المارونية وتجسيد للخط التاريخي لمسار الجماعة المارونية منذ 1600 سنة وتأكيد للمشروع الماروني الذي عمل ويعمل، له أبناء مار مارون طوال تاريخهم. وهذه الامور الثلاثة تدور حول محور واحد هو لبنان الانسان والكيان، هو معنى لبنان في الذهن الماروني:
- فالموارنة انتقلوا من أرض الاضطهاد في سورية الى ارض الحرية في لبنان ولذا ((فالمارونية لم تكتب تاريخها الحقيقي من ورق بل في كتاب ارضها)) كما يقول الخوري ميشال الحايك.
- والموارنة ((لم يحوّلوا لبنان الى حصن يحميهم بل الى معقل للحريات لكل من يهوى الحرية مسيحياً كان ام مسلماً ام زنديقاً. واننا جعلنا من هذا المعقل منطلق المشاريع التحررية والاصلاحية في كل بلد عربـي وبيئة مشرقية تتوق مثلنا الى التحرير والاصلاح))، كما يقول الخوري يواكيم مبارك.
- ان تجذر الموارنة في الارض اللبنانية هو الذي حدد لهم ثلاثة امور: الوجود (اي الكينونة) والحضور (اي نوعية الكينونة) والدور (اي الرسالة). ولذا صار لبنان مختصر آمال وأشواق الموارنة وصار رمزاً لإيمانهم وحريتهم وهويتهم وذاتيتهم ووجودهم وحضورهم في التاريخ والمرجعية المركزية للانتشار الماروني في العالم. وبذا تحول لبنان الى رمز ماروني يحمل طابع القداسة، وأصبح المشروع الماروني التاريخي تأكيد وتثبيت لبنان الكيان كونه حقيقة جغرافية وتاريخية وبالتالي دولة سيدة حرة ومستقلة بحدودها التاريخية وهو ما فعله البطريرك الحويك. ((فكان لبنان الكبير بالنسبة للموارنة هو ختام لتاريخهم الطويل في البحث عن الحرية والاستقلال)) كما يقول المفكر الالماني تيودور هانف.
- وما دام لبنان الكيان رمزاً مارونياً، فهو ككل رمز ديني يحمل معنى القداسة والاستمرار والثبات اي معنى النهائية وليس معنى المؤقت والعارض والمتغير والمرحلي، بل معنى الامر المحسوم مرة واحدة وبشكل نهائي..
وما يجري اليوم هو الصراع حول مفهوم نهائية لبنان! فأمام كل استحقاق يود اعداء الكيان ان يقولوا للعالم تفضلوا ((لبنان غير قادر على انتخاب رئيس او تأليف حكومة او حتى تعيين ناطور)) انه دولة فاشلة..!
انه خطأ جغرافي وتاريخي ولا بد من إلغائه وإعادته الى حضن ((وطنه الأم)) اي الى حضن ((سورية)) او الى حضن اسرائيل ام الى حضنيهما معاً!
باختصار، ان المارونوية هي التبرير الفلسفي/السياسي للبنانويّة. فبين الاثنين علاقة جدلية وهي علاقة تتناول حقيقة الوجود وثبات الوجود ومبرر الوجود وغائية الوجود. وكلها تستوجب العمل والنضال لتأكيد نهائيتها لترسيم الحدود مع دول الجوار الجغرافي: سورية واسرائيل وقبرص وليس التعاون والتفاهم معها او مع بعضها على حساب السيادة. فلبنان الكيان نقض لسورية ونقيض لإسرائيل ونقيضة لقبرص هذه الدولة المجزوءة التي تحمل جراح الانقسام عميقاً على وجهها وفي صدرها وهي آتية في آخر هذا الزمان لتسدد لنا سهماً في خاصرتنا الغربية بالتفاهم مع اسرائيل بعد ان تلقينا وما نزال نتلقى سهاماً كثيرة، في خاصراتنا الجنوبية والشرقية والشمالية!
ان الرئيس اللبناني القوي والممثل الحقيقي لوطنه وشعبه وجماعته، ليس الزعامة التي تقتنص التأييد باللعب على العوامل السياسية المحلية والاقليمية، الذاتية والقبلية والعائلية وقوى الارتهان المعروفة الانتي لبنانويّة وهي قوى ذات ولاء وانتماء خارجيين مهما كانت قدرة التضليل لديها، بل المطلوب رئيس يكون قائداً تاريخياً وليس مجرد زعيم يستجدي الولاء والدعم من خصوم أمته. فالقائد التاريخي اللبنانوي المارونوي هو الذي يلتزم بخط الموارنة التاريخي وبمشروعهم التاريخي وبرمزهم التاريخي اي (بلبنان الرمز) وبإنجاز كمالية هذا الرمز (اي لبنان النهائي بحدوده المرسمة مع جيرانه على خط القمم)..
هذه هي الألف باء الاساسية بتحديد قوة الرئيس اللبناني ومدى تمثيليته للبنان وللشعب اللبناني وللموارنة في آن! وان لدى الموارنة طاقات كبيرة وكثيرة فيها زعامات الصف الاول السياسي بالتأكيد ولكن فيها ايضاً قيادات الصف الاول الثقافي المسيحي ببعده الديموقراطي، والاسلامي السني ببعده العربي، والاسلامي الشيعي ببعده العاشورائي. على ان تكون أولى مهام الرئيس الجديد التاريخية مواجهة الفتنة السنية – الشيعية في لبنان والمنطقة كما دعونا إلى ذلك في محاضرتنا أمام بطاركة الشرق الكاثوليك في الربوة منذ العام 1994 لأن كل اصطفاف مسيحي جهوي في هذه الفتنة سيكون خطأ استراتيجياً خطيراً بل أخطر منه مشروع مجزرة تاريخية للمسيحيين! ان الأمم يبنيها الفكر المبدع الرائي والمستقبلي وليس الألاعيب والاستيهامات والمصالح الفردية الضيّقة!!