خريطة المعطيات الرئاسية في طاحونة المراوحة ومخاوف من محاذير اقتصادية للتوتر في الشارع
روزانا بومنصف/المستقبل/20 أيلول/16
كان لافتا جدا بالنسبة الى مصادر سياسية رفيعة قياسا على العوامل التي بنى عليها التيار العوني تفاؤله قبيل جلسة 8 آب الماضي على انها ستكون جلسة انتخاب العماد ميشال عون، ان المدة الفاصلة عن جلسة 28 ايلول لم تسمح بتراكم عوامل اضافية جديدة الى هذه العوامل السابقة ايجابا بل ادت الى تراجعها. اذ كان بني على موقف للنائب وليد جنبلاط قال فيه انه لا يمانع بانتخاب الجنرال عون مما رفع سقف الآمال المعلقة على تغييرات في المواقف ستتبع موقف الزعيم الاشتراكي وكان هذا الموقف حجر الاساس في بناء قوة الدفع حول جلسة 8 آب. والموقف الذي يعبر عنه الحزب الاشتراكي في ضوء تصعيد “التيار الوطني الحر” على اثر تعطيل الحكومة وجلسات الحوار لم يظهر وجود استمرارية للموقف السابق وفقا لتصريحات مباشرة او غير مباشرة ولا تزخيما له في اي شكل من الاشكال بل على العكس في ظل مخاوف لا يخفيها الحزب على الوضع ككل بكل مستوياته . وبني الدفع السابق لجلسة 8 آب ايضا على تواصل بين التيار والرئيس نبيه بري على خلفية موضوع النفط قبل ان يعود بري في الايام الاخيرة ليسكب مياها باردة على الرؤوس الحامية على هذا الصعيد وبصراحة اشد وضوحا من السابق من خلال اعلانه تفضيله دعم النائب سليمان فرنجية تزامنا او بعد ساعات على اعلان “حزب الله” ان انهاء الفراغ الرئاسي له طريق واحد هو انتخاب العماد عون. هذا الاعلان بالذات من الحزب مجددا في ظل صراع سعودي ايراني محتدم اكثر من اي وقت مضى لا يجعل امكان انتخاب عون بوصفه المرشح الاوحد والسيف الذي يضرب به الحزب داخليا صعبا فحسب بل مستحيلا اقله في المرحلة الراهنة لا سيما من “تيار المستقبل” المستهدف باستمرار من التيار العوني و”حزب الله” على انه يملك مفتاح وصول عون الى الرئاسة الاولى. فيما يعتبر مراقبون سفر الدكتور سمير جعجع في هذا التوقيت في اجازة خارجية بمثابة ابتعاد طوعي عن امكان حشره في مواقف لا يود اتخاذها لا الى جانب عون ولا ضده. وهذه العوامل شكلت رسائل واضحة للجنرال قبيل اعداده للتصعيد المرتقب في الشارع وفق ما يلوح مسؤولون في التيار من اجل ان يقيم حساباته على هذا الاساس خصوصا ان مجموعة الدول الخمس الكبرى سبق ان ادلت بدلوها ايضا في هذا المجال الاسبوع الماضي اثر لقاء سفرائها مع الرئيس تمام سلام. وفيما يدرك الجميع ان الجنرال عون لا يمكن ان يغفل مناسبة 13 تشرين بما ترمز اليه من اجل تصليب المواقف داخل تياره واعادة توظيف المناسبة من اجل تأكيد زعامته التي بنيت في العام 1989 على مواجهة الوصاية السورية (وهو امر يمكن ان يوظفه سياسيا في الاحوال العادية لمن يأخذ عليه موقعه السياسي الحالي) ، فان جملة المواقف الصادرة عن سائر الافرقاء على نحو شبه اجماعي ترسم حدودا مسبقة على خلفية جملة امور اولها ان لا افق فعليا لانتخاب العماد عون او رئيس للجمهورية في المطلق في المدى المنظور على الاقل في ظل المعطيات الراهنة ايا يكن حجم الشعارات التي يرفعها والتي تخشى قيادات متعددة من بينها قيادات مسيحية ان تساهم في احتقان شارعي تم تحذير التيار منه من جانب قوى عدة من بينها “تيار المستقبل” بحيث كانت محور الاتصالات التي تردد ان السيد نادر الحريري اجراها مع الوزير جبران باسيل اي ان رفع السقوف كثيرا جدا عن مظلومية وميثاقية ستجعل متعذرا على التيار لاحقا النزول عن هذه السقوف وهي توتر الاجواء ليس الا. وثانيا على خلفية ان التوتر الذي ترتفع وتيرته عل في ذلك سبيلا لاخراج الوضع من انهياره المحتمل عبر انتخاب العماد عون انما يؤدي وللمفارقة الى تصعيب الوضع الاقتصادي في البلد اكثر فأكثر وزيادة تأزمه.
تقول مصادر سياسية ان ليس ثمة قلقا من التصعيد العوني في الشارع ما دام “حزب الله” يعلن التزام التهدئة اي في حال عدم مشاركته في التظاهرات العونية. وهذا مصدر اطمئنان يعني ان سقف التصعيد يبقى محدودا . لكن ومع تفهم قلق عون ورغبته في انتخابه قبيل حصول تطورات تطيح اي امكان من هذا النوع فضلا عن عدم امكانه تحمله مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية لمدة اطول ، فان ثمة محاذير لا يمكن اغفالها في ظل ابقاء الوضع السياسي مضطربا اي مع تعطيل الحكومة وجلسات الحوار. اذ ان الوضع الاقتصادي الذي يشارف حافة الهاوية يخشى ان يتحول في ضوء اي تدهور غير محسوب من مسؤولية التيار المباشرة اذا استمر في التصعيد من دون افق لا داخلي ولا اقليمي فيما لا تجد الاوضاع الصعبة للمواطنين وحقوقهم اي اهتمام في موازاة ملاحقة التيار ما يعتبرها حقوقه، من دون ان يعني ذلك ان الازمة الاقتصادية هو من تسبب بها بل هي نتاج عوامل متعددة. لكن من اطمئن الى الاجراءات التي اتخذها حاكم المصرف المركزي الدكتور رياض سلامه في الآونة الاخيرة ، فاته ان ما قام به هذا الاخير ليس دليل عافية بل هو دليل مرض خصوصا لجهة محاولته او سعيه لشراء وقت اضافي من اجل تثبيت الليرة اللبنانية في انتظار انتهاء الازمة السياسية. وهذه الحركة المواكبة للازمة لا تحتاج الى مزيد من التوتر بل تبقي البلد منتظرا تحت سقف الحكومة الحالية ومحاولة اقرار بعض القوانين التي تبقي لبنان يتنفس اصطناعيا ليس الا.