ماذا يعني تلويح سلام بالاستقالة؟
ألين فرح/النهار/27 تشرين الأول 2015
وسط عجز حكومي تام عن حل مشكلة النفايات التي غرقت فيها البلاد مع أول شتوة، شاعت معلومات وتسريبات صحافية فحواها أن رئيس الحكومة تمام سلام أبدى استياءه واحباطه من رؤية المياه المتدفقة في شوارع بيروت وجبل لبنان وجبال النفايات تسبح فيها ناهيك بالاخطار الصحية والبيئية الناتجة منها، مهدّداً ووزير الزراعة أكرم شهيّب بقلب الطاولة إذا لم يبادر جميع الاطراف الى دعم خطة شهيّب وانقاذ الوضع البيئي قبل الخميس المقبل والتعامل بجدية مع الملف، فكانت المعلومات والتسريبات بمثابة تلويح بإمكان تقديم سلام استقالته نتيجة لعدم قدرته على تحمّل هذا الوضع.
ولكن ماذا يعني تلويح الرئيس سلام بالاستقالة؟ تشير المعلومات من المصيطبة الى ان رئيس الحكومة منهك، ويقول مصدر في قوى 8 آذار إن سلام يعرف بان “إفشال خطة النفايات ساهم فيه فريق “المستقبل” خصوصا بعدم المساهمة الفعلية والفاعلة والجدية في معالجة مطمر سرار في عكار، بدليل الكلام القاسي الذي صدر عن “بعض المراهقين” في حق وزير الزراعة أكرم شهيب المولج بملف النفايات، كما سماهم الوزير خلال المؤتمر الصحافي الذي انعقد في طرابلس السبت الفائت وتناول موضوع النفايات والحلول للأزمة وكان المفترض ان يشارك فيه شهيب”.
ويضيف ان الرئيس سلام يعرف بأن فريقه السياسي “لا يسهّل حلّ ملف النفايات ويعرف ايضاً بان خطة الوزير شهيّب القائمة على اعتماد ثلاثة مطامر في الناعمة وسرار والسلسلة الشرقية غير قابلة للتجزئة، ولكن لم يتوافر أي من هذه المطامر”. في الناعمة وسرار برز رفض وفي السلسلة الشرقية “لم يتم ايجاد” المكان المناسب بعد لاعتماده مطمراً. ويقول مصدر وزاري في هذا الصدد إن الصراع السني – الشيعي انتقل من الملف النووي الى ملف النفايات. والخلاصة بحسب المصدر في 8 آذار، “إن موقف الرئيس سلام يعبّر عن ارادة حقيقية لديه، “لكنه في الوقت نفسه يعرف بأنه لا يزن في المعادلة الوطنية بمعنى انه ليس رئيس حزب أو تيار ولا زعيم طائفة، وانهاكه بالتالي ليس متأتياً عن عجزه فحسب خصوصاً بعد الاجماع على أن الحكومة الحالية هي الاسوأ منذ الاستقلال، بل ان العجز متأت عن ان قرار استقالته ليس في يده والا لكان استقال منذ زمن، بل هو بيد المملكة العربية السعودية ولم يعطَ الضوء الأخضر بعد للاستقالة أو حتى للاعتكاف”، مشيرا الى “تراجع” وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد كلامه على الحوار والحكومة في ذكرى استشهاد اللواء وسام الحسن، وكلامه أمس بعد لقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على امتلاك الرئيس سلام فضيلة الصبر “وهي ضمان لاستمرار السلم الأهلي، ولاستمرار السلم الحكومي، هذا إذا توافر”.
لا شك أن الرئيس سلام منهك ويمرر الوقت ولا قرار بالاستقالة حالياً. في المقابل، يحذر مصدر وزاري من ان استقالة الحكومة أخطر من بقائها مشلولة، معتبراً أن “غاية من يعطّل البلاد دفعْ الرئيس سلام والأطراف الآخرين الى القرف لإثبات سقوط الدولة والتصرّف من دون رقيب ولا رادع. فإذا سقطت الحكومة لا تعود هناك هيئة دستورية مكتملة الشرعية والمواصفات تتعامل مع المجتمع الدولي، علماً انها رغم شللها قادرة على أن تمنع الخروج عن الدستور في قضايا معينة ذات طابع مصيري، ناهيك بأن استقالتها تعني استقالة ما بقي من صلاحيات رئيس الجمهورية التي تمارسها في غيابه.
وأمس أكد رئيس الحكومة امام أقطاب الحوار أن لا حلّ لأزمة النفايات الا بتوافق كل الأفرقاء وتعاونهم وانه يدعو الى جلسة حكومية لبتّ كارثة النفايات قبل حصوله على موافقة كل الأحزاب والتيارات، الا أن هذه التمنيات تبقى من دون تطبيق عملي ما لم تقترن بهذه الموافقة. فهل سيبدأ تنفيذ الخطة قبل الموعد الذي حدده رئيس الحكومة ووزير الزراعة الخميس. وهل يسمّي رئيس الحكومة المعرقلين كما هدّد مراراً ويقلب الطاولة الحكومية على رؤوس الجميع؟
الحوار مستمرّ لمنع فتنة سنيّة – شيعيّة مثلما منع تجدّد “حرب إلغاء” مسيحيّة – مسيحيّة
اميل خوري/النهار/27 تشرين الأول 2015
هل صحيح أن إيران اشترطت للمساعدة على استمرار الأمن والاستقرار في لبنان والتجاوب مع رغبة الدول الشقيقة والصديقة له، تأخير إجراء الانتخابات الرئاسيّة فيه إلى حين تصبح جاهزة لتسهيل إجرائها، لذلك سهلت تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام وشجعت على إجراء حوارات ثنائية وجماعية تبحث في كل شيء ما عدا الانتخابات الرئاسيّة الى ان يحين وقتها؟ وبما أن إيران تستطيع من خلال “حزب الله” تعكير الأمن في لبنان وزعزعة استقراره ساعة تشاء، كان الحوار بين “تيار المستقبل” والحزب لتحقيق هدف أولي هو تنفيس الاحتقان بين السنّة والشيعة لمنع حصول فتنة تدمر لبنان، وتجعله نهائياً بلا دولة ولا مؤسسات، وهو ما لا يريده أحد في الداخل ولا في الخارج. لذلك يستمر الحوار لهذه الغاية على رغم تبادل التصريحات النارية من حين إلى آخر، والتي كانت كافية لوقفه لو لم يكن ثمة قرار كبير باستمراره حتى لو ظل يدور في حلقة مفرغة لأن استمراره هو استمرار للأمن والاستقرار في لبنان ووقفه هو زعزعة لهما ودخول في المجهول.
لذلك كان لا بد من حوار يجري بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” لضمان استمرار الأمن والاستقرار لأن ما بين الحزبين المسيحيين الكبيرين لا يختلف كثيرا عما بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، واحتمال حصول صدام مسيحي – مسيحي يذكّر بذاك الذي حصل في الماضي وعرف بـ”حرب الالغاء”. وعلى رغم أن كثيرين كانوا يأملون من خلال هذه الحوارات في التوصل إلى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية باعتبار ان له الاولوية على أي أمر آخر، فإن هذا الاتفاق لم يتم التوصل اليه، لا بل صار اتفاق على إبقائه خارج البحث وكأن الوقت لم يحن بعد للبحث فيه، وهو ما حصل في الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” ويحصل ايضا في الحوار الجماعي برئاسة الرئيس نبيه بري، وصار تقطيع لبعض الوقت في البحث عن مواصفات الرئيس، حتى إذا صار اتفاق عليها انتقل البحث الى اختيار المرشح الذي تنطبق عليه هذه المواصفات علّ إيران تكون قد أصبحت جاهزة للمشاركة في اختياره. وإذا كان لا بد من إضاعة مزيد من الوقت، كان البحث في قانون جديد للانتخابات قد يسهّل الاتفاق عليه التوصل الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية تعرف إيران نفسها انه لن يكون من 8 آذار ولا من 14 آذار بل من خارج هذين الاصطفافين، ومن يكون أكثر قرباً إلى أحدهما، وهذا يقرره تطور الاوضاع في المنطقة ولا سيما في سوريا.
وهكذا يستمر الحوار لمنع حصول فتنة بين السنّة والشيعة، وصدام مسيحي – مسيحي بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، وهو ما كان قد يقع لولا الحوار الذي يمتص التوترات السياسية والمذهبية حتى وإن أبقى الخلاف بين المتحاورين سواء على موضوع الانتخابات الرئاسيّة أو على سلاح “حزب الله” وتدخله في الحرب السورية، وهي مواضيع بات حلّها خارج أي حوار وبإرادة خارجية وليس بإرادة داخلية باتت مكبّلة وأسيرة مواقف لا رجوع عنها. واستمرار الحوار حتى وإن كان شبه حوار طرشان، جعل بعض من يشاركون فيه ومن داخل الاحزاب نفسها ينتقدونه في مجالسهم الخاصة لأن ما يتوق إليه الناس هو الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر، وهذا لم يحصل وقد لا يحصل في المدى المنظور ما دامت ايران تمسك بورقة الانتخابات وتنتظر من يدفع لها ثمنها لتبيعها. لكن البائع حاضر، أما الشاري فغير حاضر بعد، وفي انتظار أن يحضر يحرص الجميع على استمرار الأمن والاستقرار بشتى الوسائل، لا سيما تسليح الجيش وتبادل المعلومات بين الاجهزة الامنية اللبنانية وغير اللبنانية لملاحقة العناصر المشبوهة والارهابيين واعتقالهم لأن هذا باتت له الاولوية عند الناس في انتظار الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، إذ ماذا ينفع ان يخسر الناس الامن والاستقرار وهم في انتظار حصول هذا الاتفاق، وهو ما جعل “القوات اللبنانية” ترد على من يأخذ عليها سياسة “التبريد” مع العماد ميشال عون على رغم استمراره في تعطيل انتخاب رئيس للبنان، والمزايدة عليها بالقول: “إن سياسة المواجهة مع التيار الوطني الحر ترتد سلباً على الشارع المسيحي الذي سئم الانقسامات المسيحية ويتطلع الى وحدة صف مسيحي”، وهذا ما ذهبت إليه ورقة “النيات المشتركة”. وقد تساءل الدكتور سمير جعجع في مقابلة تلفزيونية: “ألا تستقيم الحياة السياسية إلا بمهاجمة عون؟ المهم أن القوات لم تبدل خطابها. لذلك ترى القوات وجوب الحفاظ على “الستاتيكو” المسيحي، خصوصا أن المسيحيين أصابهم الملل والقرف من انقسامهم وشرذمتهم”. وهذا هو ايضاً لسان حال “تيار المستقبل” و”حزب الله” في الحرص على استمرار الامن والاستقرار والاكتفاء بذلك ريثما يصير في الامكان انتخاب رئيس للبنان، إذ ماذا ينفع انتخابه بعد الخراب؟