عاصفة الظهور» تضرب.. روسيا
علي رباح/المستقبل/27 تشرين الأول/15
يجوز لجمهور «حزب الله« ان يسترجع شريط الزمن. قبل أشهر، وفيما كانت ايران تتحدّث بإيجابية عن مفاوضاتها النووية مع «الشيطان الأكبر»، انهارت الجدران النفسية بين واشنطن وطهران، وكان لا بدّ إذ ذاك ان يستكبر الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله قليلاً. يومها، أطلّ ليوزّع بنفسه «كروت» (بطاقات) الدعوة الى مؤتمر «جينيف2»، ودعا السعودية، بلغة المنتصر، الى «استلحاق نفسها باغتنام فرصة المؤتمر، لأن الزمن الآتي ليس لمصلحتها». حتى ان قادة حزبه سخروا آنذاك من قوى «14 آذار»، بعد ان «باعتهم أميركا في سوق النخاسة»، على حدّ وصفهم. يومها، لم يكن الاميركي راعياً للإرهاب التكفيري، بل كان نصرالله يخشى عليه وعلى الغرب من بطش داعش، اذ كان يخاطبهم بالقول، «إن لم تحاربوا الإرهاب الى جانب الأسد، فسيأتيكم الى أرضكم». عاد السيّد في خطابه العاشورائي الى مرحلة ما قبل المفاوضات النووية. عاد لمهاجمة «الشيطان الأكبر»، بعد ان أُزيلت الشعارات المعادية له من شوارع طهران، بوصفه راعياً للإرهاب. فماذا حدث حتى استرجع سماحته خطاب العداء لأميركا؟
لضرورات سياسية مُلحّة، قسّم السيّد عاصفة ظهوره بمناسبة العاشر من عاشوراء الى قسمين. عاصفة أولى، محمّلة بالصراخ والشتائم والتحريض المذهبي، ضربت المنطقة والعالم مساء يوم الجمعة الماضي. وعاصفة ثانية، أقل تأثيراً وضرراً، حلّت على المنطقة ظهر السبت، بعد أن افرغت حمولتها الثقيلة قبل يوم واحد. الأولى ضربت فيينا، هناك حيث كانت تعقد قمة روسية-أميركية-سعودية تركية، بغياب ايران، ووصل برقها ورعدها وجنونها الى السعودية ودول الخليج. كان لا بدّ للسيّد أن يطلّ مساء الجمعة ليخاطب المجتمعين في فيينا. اما هجومه الهستيري على الاميركيين، فمرده الى ما يشاع دولياً عن انسحاب واشنطن جزئياً من المنطقة لصالح موسكو. إعتقد الإيراني أن الاتفاق النووي سيُفضي الى تقسيم النفوذ في المنطقة بينه وبين الاميركي. انجزت واشنطن الاتفاق النووي، وطلبت من الايرانيين التحدّث مع موسكو حول النفوذ في المنطقة، بعد ان تفهّمت مسوّغات التدخّل الروسي المباشر في سوريا.
وفي هذا الإطار، تقول مصادر دبلوماسية في بيروت لـ»المستقبل»، «ان نصرالله، وتماشياً مع مبدأ «بحكيكي يا كنّة لتسمعي يا جارة»، وجّه رسائله للروس على اعتبارهم الحليف الجديد للأميركيين في المنطقة. والشواهد على التناقضات الروسية- الايرانية باتت كثيرة، ليس أقلها الاختلاف بين الطرفين على مقاربتهما لحل الأزمة السورية. بل أكثر من ذلك، فمقتل عدد من قادة الحرس الثوري و«حزب الله«، بعد دخول روسيا الى سوريا، يبقى لغزاً كبيراً لم يستفض نصرالله والايرانيون في شرح ملابساته. من أطاح بهؤلاء؟ من اغتال القيادي في حزب الله ابو محمد الإقليم، وهو، بحسب المعلومات، ربما يكون خليفة عماد مغنية في سوريا، او على الاقل احد الذين استلموا جزءاً من صلاحياته. المصادر نفسها، تستبعد ان يكون «جيش الفتح» هو من نفّذ عمليات اطاحت ببعض قادة ايران وحزب الله في سوريا. فهؤلاء، بحسب المصادر، لا يشاركون في القتال على الارض، بل يتواجدون في مراكز قيادية، لا يمكن لاحد ان يطالها الا بعملية استخباراتية دقيقة. وتتساءل المصادر: هل هذه العمليات هي من ثمار التنسيق الاستخباراتي بين روسيا وتل ابيب وبـ»قبّة باط» أميركية؟ وهل قضت هذه القيادات بغارات روسية قيل انها «عن طريق الخطأ»؟ وما هي الرسالة من وراء هذه الاغتيالات؟
وفي خطابه العاشورائي، وصل السيّد الى حد غير مسبوق من اثارة النعرات المذهبية باسم «العداء لاميركا وللتكفيريين». يصوّر سماحته الصراع اليوم على نحو غير معهود بين فسطاطين: فسطاط المسلمين الحُسَينيين الذين يقاومون الغطرسة الاميركية ووكلاءها التكفيريين. وفسطاط المسلمين من «جيش يزيد»، او الارهابيين الذين يحظون بدعم اميركي. هكذا يخوض نصرالله، الذي وصف العرب بـ»العبيد»، معارك «الولي الفقيه» في المنطقة. عندما اجتاح بيروت في ايار عام 2008 كان يحارب «عملاء اميركا والصهاينة». وحين توغّل بالدم السوري، صار يحارب «التكفيريين». وما لبث ان اخترع العداء للوهابية ليُسوّغ تورطه في اليمن. واليوم يضع السيّد مشهدية للمعركة بين «الحسينيين وجيش يزيد»، ليخوضها تحت مسميّات مذهبية واضحة وبلا مستحى، علّه يحافظ على اجماع شارع شيعي بات يسأل عن آفاق المعركة واهدافها. و»من يتراجع من جمهوره عن هذه المعركة، كأنه خرج على الامام الحسين في منتصف ليل العاشر من عاشوراء»، يقول نصرالله. الطرح بحد ذاته يكشف نوايا حزب «ولاية الفقيه». من يطرح هذه المعادلات لا يمكن ان يقنع الناس بأنه يخوض حرب الضرورة وليس حرباً مذهبية. اي جنون يفعله حزب الله بزج جمهوره وبيئته في مستنقع دم يعلم مسبقا مخاطره ومآسيه؟
إجرام التكفيريين والميليشيات الإيرانية واحد. التكفيريون يذبحون بالسكين، بينما الميليشيات الايرانية، المهذبة والحضارية، تذبح بالبراميل المتفجرة وبصواريخ زلزال ورعد وبرق. الاجرام واحد، غير انه في هذا الطرف يحظى بتبنٍّ ودعمٍ مباشرين وعلنيين من ايران و«حزب الله«. بينما تخوض السعودية، المتهة بالارهاب والتكفير، حربا امنية واعلامية ودينية ضد الارهاب. ويمكن المقارنة بسهولة بين خطاب الاعلام السعودي والخليجي إثر تفجير المسجدين في السعودية وأحد المساجد في الكويت، وبين النفخ في بوق الطائفية والمذهبية على «المنار» ووسائل إعلام إيرانية اخرى.
وصل صراخ السيّد الى واشنطن وسُمِع صداه في موسكو، هناك حيث اجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالات بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قبيل وعقب زيارة الأسد لها. صراخ نصرالله غطى على تساؤلات الجمهور، حول حقيقة مجريات الحرب السورية والخنادق المستجدة وخسائر الحزب. لم يأت السيّد على ذكر كل ذلك. وعلى وقع الهتافات المعادية للسعودية، وضع السيّد خارطة طريق جديدة: إسرائيل مجرّد أداة، وحربنا الوجودية هي مع وكلاء اميركا التكفيريين في المنطقة، طبعاً بعد ان كانوا وكلاء اسرائيل سابقاً! هكذا حضّر نصرالله جمهوره الى حرب طويلة، عليه ان يدفع فيها اثماناً باهظة واضافية، لمواجهة «جيوش التنابل»، كما وصفهم! حرب يقودها الجندي في ولاية الفقيه بأوامر من الولي الفقيه يموت فيها الآلاف كرمى عيون الولي الفقيه. ومن ثم يخرج سماحته ليقدّم محاضرة عن العبيد والأسياد !
في «فظاعة» الحوار
علي نون/المستقبل/27 تشرين الأول/15
الحوار المكسور مع «حزب الله» سيبقى مكسوراً. فيه عطب أصلي عصي على التصليح والتجبير، وينطلق من الاساس قبل ان يصل الى الفرع: هذا حزب لا يحاور انما يبلّغ. ولا يجادل إنما يأمر. ولا يطرح رأياً إنما يقينا.. وميزانه لا يشبه الا موازين امثاله الخلاصيين الموصولين مباشرة برب البشر من دون البشر.
بيانه جاهز ولسانه ولاّع. إذا شعر بالخسارة أمطر «الأغيار» بالتهويل والتهديد. واذا شعر بالحرج أمطرهم بالشتم والاهانة، واذا اشكلت معه في المنطق والحجة استعان فوراً بمخزونه الديني ورماه كمقدس لا يمسّ. في زبدة أمره، ان ثقل حديده يمنعه من السير الطبيعي بين الناس. وثقل نصّه يمنعه من الاعتدال في السياسة والاجتماع ومرادفات الحياة. وكثرة احماله تجعله ينوء ويشطح.. إصراره على سيرته لا يفاجئ أحداً. لكن المعضلة عند «الاغيار» تكبر عن معدلاتها فور ذهابه الى خارجها. والى محاولته لبس أثواب لا تناسب قياساته. أي أن يدّعي رغبته في الحوار! وان يقول في ذلك ما يقوله غيره! ثم ان يتجاهل في تفاصيل طروحاته، ان مشكلته هي مع حاله بقدر ما هي مع ذلك الغير: مضطر للحوار لكنه لا يعرف كيف يحاور! ولا يريد ان يحاور! وبدلاً من الانكباب على ذاته لتعديل الاداء، يصعّد النبرة واللهجة والطرح والطلب حتى يُكمل عدّة التعجيز لدى الآخرين! وفي أساس أمره، انه الهي وغيره بشري. وروحي وغيره مادي. ومسلّح مدرّع وغيره مدني مكشوف. وقبل ذلك كله، انه دائماً على حق وغيره على باطل.. وفي فرعيات أمره، انه لا يستطيع ان يستوعب كيف «لأهل الباطل» إدعاء اي حق! وكيف لأهل الخطيئة السياسية ان يتمترسوا عند مواقفهم بتلك الصلابة والصلافة! هكذا مثلاً، لا يتورع أحد من وجوهه القيادية عن ابداء كل ذلك العجب من رفض «الفريق الآخر» الاذعان لارادته هو في الموضوع الرئاسي. او لسياساته هو في النكبة السورية. او لمواقفه هو في كل شأن عربي: يَفْجُرْ في أحاديته ومحوريته وارتباطاته ثم يستغرب ويستنكر كيف يرفض الآخرون مرشحه لمنصب رئيس جمهورية لبنان! يفجر في التعرض لقبلة الاسلام وأكثرية المسلمين ثم يستهول كل رد فعل عليه! يزايد حتى على أهل بيئته في العراق ويضع نفسه في موضع الأعلم منهم بمصلحتهم، والأفهم منهم بأوضاعهم! يحلّق بعباءة «الولي الفقيه» فوق حرائق تمتد من اليمن الى سوريا، ثم يتحدث «بكل صدق» عن «تبعية» الآخرين في الداخل اللبناني للخارج! تتشاوف ايران بأدوارها ونفوذها في كل ركن فتنوي مشتعل في الجوار العربي، لكنه يشتم ضحاياها العرب. ويتهمهم بكل جور. ويأخذ عليهم تمسكهم بأرضهم وسيادتهم وقرارهم وطريقة عيشهم وحقهم.. ثم يعيّر غيره في لبنان بـ»فشل» رهاناته السياسية على سقوط الطاغية في دمشق، ويتجاهل هزائمه النكبوية في حماية ذلك الطاغية وصولاً الى استدعاء «عاصفة السوخوي» الروسية! الفظيع في هذه السيرة، ان أصحابها لا يزالون يتحدثون عن الحوار!