كان أنطوان لحد وجيشه خشبة خلاصهم… وهذا ما قاله لي قبل رحيله
جولي ابوعراج /24 أيلول/16
عام على رحيل قائد “جيش لبنان الجنوبي” اللواء الركن أنطوان لحد،
علم من أعلام التاريخ اللبناني المعاصر، سواء اتفق البعض مع خطه أم لا، فلا يمكن لأحد أن يمحي الـ 50 عامًا من الخدمة التي قضاها في الجيش اللبناني، داخلًا كواليس السياسة لاعبًا، مؤثرًا و شاهدًا .
غاب لحد عن العالم صامتًا ومتألمًا، حاله حال الكثيرين من أولئك الذين دفعوا ثمن خيار خطهم الوطني، في زمن اجتاح الاحتلال فيه أرض الوطن زارعًا اقزامه، الذين اعتبروا انفسهم يومًا عمالقة – فكانوا خير نموذج للعمالة والارتهان.
رحل لحد، تاركًا وراءه إرثًا، لم تسمح هموم الأيام من تغليفها في كتاب تسمر فيه الحوادث على حائط الزمن لتكون شاهدة لحقائق شوهت وتشوهت.
في إحدى اللقاءات معه في خريف 2011، وفي دردشة جانبية كشف لحد أمامي ما لم يكشفه يومًا علنًا، لا خوفًا ولا ارتعابًا بل احترامًا لبعض الرموز الذين أمّنوه له وآمنوا به وبوطنيته ووطنية جيشه الذي كان للكثيرين من أقطاب السياسة اللبنانية الحالية، حلم التحرير وعودة الدولة .
حدثني لحد قائلًا: “اليوم نحن عملاء في نظر الكثيرين، لكن الجميع يعرف عمق وطنيتنا، فلطالما اعتبرونا خشبة خلاص هوية، للأسف، كانوا أضعف من حمايتها(..)
يوم الانسحاب كانت كواليس السياسة اليمينية في لبنان بين هرج ومرج، رفضوا خروجنا لكنهم هابوا إعتلاء المنابر ودعوتنا للبقاء خوفًا من أسياد القرار آنذاك، إذ عُقدت لقاءات متتالية في بيوت أحد المسؤولين وتم الاتصال بالبطريركية المارونية التي التزمت الصمت بحثًا عن حكمة هربت منها، حتى طرقت كلمة التهديد السورية الباب مهددة ومتوعدة أي معارضة لحدث الجنوب، فتم الاكتفاء بإقفال أبواب السفارات امام مسيحيي المنفى في إسرائيل إلى حين إيجاد حل يعيد أبناء القرى إلى قراهم.
يضيف لنمرود “حين أعلنت مرارًا عن رغبتنا بالإنسحاب الإسرائيلي من لبنان كانت الرسائل ترتد عليّ منددة التصاريح قائلة “مش وقتها يا أنطوان”،
نعم! كان بعض القادة اللبنانيين ضد الإنسحاب وكانوا مع أن تبقى المنطقة في عهدة “جيش لبنان الجنوبي”.
لقد كنت دائمًا على قناعة أن نضالنا لن يذهب سدى، ما كنت أسمعه أعطاني دفعًا للبقاء، لقد كنا أملًا للكثيرين، خدمنا الكثيرين، أتعلمين أن معظم اقارب السياسيين دخلوا المنطقة الحدودية بأسماء مختلفة بهدف الطبابة والعلاج؟ (…)
حين أعلنت إسرائيل عن قرارها بالإنسحاب من الجنوب تواصلت مع بعض هؤلاء القادة، فكان جوابهم (اقنعهم أنه لم يحن الآوان لترك لبنان واللبنانيين وترك الساحة لحزب الله والسوريين لأن في ذلك خطر علينا).
فكان جوابي دومًا أنه قرار داخلي لا يمكن التدخل بقرارات تتخطى حدودنا ولن اقنع أحدًا في البقاء، طالبًا منهم إصدار عفو عام أو أن نبقى في المنطقة بغطاء سياسي من قبلهم، فكان الجواب، طبعًا، الرفض لأن الأمر بمثابة النهاية.
يكمل الجنرال “كان لا بد من اتخاذ قرار، بعد مؤتمري الصحفي ورسالتي الى رئيس الجمهورية اميل لحود، وعدم رده وتفاعله.. فقررت ان أبحث قضية البقاء ولكن لا بد من ستار يحمينا فزرت فرنسا للحديث عن قوات دولية (بناء على طلب القادة اللبنانيين) وكان الإنسحاب المفاجئ الذي وللأسف فاجأ الجميع باسثناء صناع القرار في اسرائيل وحزب الله وفهمك كفاية”
وبتنهيدة عميقة ونظرة أعمق سكت لحد واكتفى بهذا الفصل من الكلام، ليأخذ فسحة قصيرة للغوص في التفكير قبل أن يكمل الفصل الآخر.
طلب مني عدم نشر ما فاض به قلبه، لأنه لم يحن الوقت. وعدته بعدم النشرحتى استئذانه…
واليوم استأذن روحه بكتابة بعض أقواله دون ذكر الأسماء انحناءً للوعد الذي قطعته له، فلا يمكن أن تمر الذكرى السنوية الأولى دون كشف ولو جزء بسيط من حقيقته، فاخترت القليل…
لتسقط الكلمات أمام جبن السياسيين وأولئك الذين يتباهون بالإنجازات وتنحني أمام روحه التي رحلت مكسورة لكنها وفية.