بشار الأسد يبايع قيصر روسيا… أين إيران؟
غسان بركات /جنوبية/26 أكتوبر، 2015
زيارة الرئيس السوري بشار الأسد القصيرة للكرملين في موسكو، هي بمثابة توجيه رسائل سياسية روسية عدة وجادة للمجتمع الدولي بشكل عام، وللعرب بشكل خاص، ولإيران تحديداً، مفادها بأنه ممنوع اللعب على حساب المصالح الإستراتيجية الروسية العليا في سورية، وأيضا بمثابة إفهام أن سياسة روسيا وعلى رأسها الرئيس فلادمير بوتين ستبقى داعمة للنظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد. لم يمض على التدخل الروسي في سوريا مدّة شهر بثقله السياسي والعسكري، حتى غادر الرئيس السوري بشار الأسد على متن طائرة عسكرية روسية سرا ً مطار اللاذقية الى العاصمة موسكو زائرا ً نظيره الروسي الرئيس فلاديمير بوتين، وهذه الزيارة هي الأولى للرئيس السوري بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 إلى روسيا. وبعيداً عن التكهنات السياسية حول هذه الزيارة والقضايا التي جرى التطرق إليها خلال اللقاء الذي جمع بين الرئيسين، وبغض النظر أيضا عن أهدافها، تأتي الزيارة هذه بالمرتبة الأولى للشكر والامتنان وتقبيل اليدين بسبب عدم تخلي مخالب الدب الروسي عن النظام البعثي حتى الآن. ليس هذا وحسب، فزيارة الرئيس الأسد إلى قلعة السياسة الروسية في الكرملين تأتي أيضاً من أجل مبايعة قيصرها فلاديمير بوتين على حساب ملالي طهران، مقابل تقليم أظافر نفوذ طهران العسكري والسياسي والديني في سورية، خصوصا ً بعدما شعر الأسد مدى فشل إيران الذريع وأتباعها في “حزب الله” بالقضاء على الثورة السورية. ما سبب أيضا ً بنتائج عكسية غير محسوبة ترجمت من خلال انتصارات عسكرية كبيرة للمعارضة السورية المسلحة في الجبهات على حساب النظام. وبعد عودة الرئيس بشار الأسد الى سورية، أوعز الأسد الى مناصريه وشبيحته وإلى أجهزة استخباراته في بعض المناطق السورية بإجبار المواطنين بالنزول الى الشارع ضمن مسيرة تأييد وشكر للرئيس بوتين وبالخط العريض “شكراً بوتين”، “شكراً روسيا”. “حزب الله” بقيادة أمينه العام السيد حسن نصرالله، والحرس الثوري بقيادة الجنرال قاسم سليماني، وبعدما انهكت قواتهما العسكرية داخل الوحول السورية مما أسفر عن مقتل لا يقل عن 1000 قتيل للحزب بينهم عشرات الكوادر العسكرية الكبيرة من قوات النخبة، وخسارة عشرات الضباط الايرانيين الكبار ايضا وعلى مستوى رفيع من قياديي الحرس الثوري، ناهيك عن الإمدادات الايرانية المالية الضخمة والسلاح الثقيل وآلاف المقاتلين الشيعة بعد جلبهم من العراق ولبنان لمساندة نظام بشار الأسد. بالمقابل الرئيس الأسد لم يزرطهران من اجل شكر قياداتها المعممين على كل ما قدموه له من المساعدات، والتي ما زالت مستمرة إلى الآن. أمّا في لبنان وبمناسبة اليوم الاخير من احياء مراسم “عاشوراء” واجوائها داخل الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، وتحديدا ً من امام مجمع سيد الشهداء، ثلاثة أمور مهمة حصلت خلال مراسم “عاشوراء”: الأول: الظهور العلني الثاني للسيد حسن نصرالله أمام الجماهير من دون زجاج عازل للرصاص، وبخطابه الناري ضد المملكة العربية السعودية بعد اتهامه لها في استباحة دماء اليمنيين وقمع البحرينيين. الثاني: تم تحويل ذكرى “عاشوراء” من قبل المحتشدين المشاركين في المراسم، من ذكراها الانساني من أجل الامام الحسين، إلى الشتم العلني عن طريق الهتافات الموت لآل سعود. أمّا الأمر الثالث فهو غياب الخطاب العدائي ضد إسرائيل.كما كان لافتًا ايضا ً في مراسم ذكرى “عاشوراء”، أسلوب التحدي والإستفزاز المعتاد الذي يتبعه “حزب الله” ضد لبنان شعباً ودولةً، بعد عرضه لسيارات ذات دفع رباعي مموّهة بغبار المعارك، تماما كمشهد سيارات “الدواعش”، وايضاً لبعض المجموعات المسلحة التابعة له، وأناقة زيّهم العسكري ضمن دائرة دولة “جمهورية الضاحية المتحدة” داخل دولة لبنان.
لماذا منبر الحسين اليوم في قبضة صفوية يزيدية
علي الأمين/ العرب/نُشر في 27/10/2015
هو تشويه وقتل للإمام الحسين باسم الولاء له. هكذا يتحول الإمام الحسين في أيامنا العربية هذه إلى رئيس قبيلة، وتفرغ ظاهرة إحياء عاشوراء من مضمونها الإنساني ومن خطّها في المسار الإسلامي العام، لتصير مساحة قبلية جاهلية ومذهبية ومساحة لتعزيز الخرافة وخطاب العصبية. فعندما نعجز، عبر إحياء عاشوراء بشعاراتها ومظاهرها ومضامينها، أن نوصل البعد الإنساني لنهضة الحسين إلى من هو خارج القبيلة، إذن هو إحياء لا يعوّل عليه. بل هو يعيدُ قتل صاحب الذكرى وأهل بيته وأصحابه، مرة ثانية. ذلك أنّ كل فكرة إنسانية تعجز عن تقديم نفسها بما هو أعمّ من خصوصيتها، تموت. وكما قال أحد الفلاسفة، أن كل من يخصص المبدأ الأخلاقي ويخصّه بطائفة أو قبيلة، هو بالضرورة ينفي الصفة الأخلاقية عن هذا المبدأ. هكذا نذهب بنهضة الحسين إلى العصبية والقبلية، وهكذا يصير الحسين زعيم قبيلة. وعندما تصبح، عملياً، مشهدية منفرة ومستفزة للآخر المختلف عقديا أو مذهبياً، هكذا يهتك الحسين، خصوصًا عندما يتحول منبره إلى منبر لتوجيه رسائل التهديد، وللتوظيف السياسي الحزبي الضيّق، ومنبرا للدفاع عن نظام بشار الأسد، وعن “أبو علي بوتين”، عن نظام الإجرام هنا وهناك، حينها نُفقد الظاهرة الحسينية أريحيتها الإنسانية.
يفسر المفكر علي شريعتي في كتابه “التشيع العلوي والتشيع الصفوي” تركيز أجهزة الدعاية الصفوية على نقاط الإثارة والاختلاف والفصل المذهبي والاجتماعي والثقافي بين السُنّة والشيعة. ويقول إن الحركة الصفوية حرصت على تعطيل أو تبديل الكثير من الشعائر والسنن والطقوس الدينية وإهمال العديد من المظاهر الإسلامية المشتركة بين المسلمين. ويضيف بأن مراسم اللطم والتطبير وحمل الأقفال ليست فقط دخيلة على المذهب ومرفوضة من وجهة نظر إسلامية، بل هي تثير الشكوك حول منشئها ومصدر الترويج لها. ويؤكد شريعتي أن هذه المراسم تجري بإرادة سياسية لا دينية، وهذا هو السبب في ازدهارها وانتشارها على الرغم من مخالفة العلماء لها، وقد بلغت هذه المراسم من القوة والرسوخ بحيث إن كثيراً من علماء الحق لا يتجرأون على إعلان رفضهم لها، ويلجأون إلى التقية في هذا المجال.
لقد شكلت نهضة كربلاء، باعتبارها حركة إصلاحية في تاريخ الإسلام، مصدر إلهام لكثيرين خرجوا على السلطات الظالمة في الحقبات التاريخية اللاحقة. ولأن نهضة الحسين ذهبت إلى تثبيت البعد القيمي والجوهري لدور الدين في حياة الناس، فقد تجاوزت البعد المتصل بجموع المسلمين، لتتحول إلى نموذج إنساني أثّر في كثير من أبناء الديانات والعقائد غير الدينية، تأثيرا تجاوز الدائرة المذهبية، بل الدائرة الدينية، بسبب انحيازه لقيم إنسانية خالصة تتمثل في الإيثار والتضحية والشجاعة والعدل ورفض الظلم، والصدق، والانحياز للمبادئ الواضحة ورذل الإغراءات في سبيل تحقيق المبادئ.
فاليوم تتحول العديد من مجالس عاشوراء، بتوابعها كلّها، إلى ظاهرة غير قابلة للهضم، وعاجزة عن الوصول إلى الآخر المختلف، مذهبيا ودينيا، أو الإنسان عموماً، وعندما يكون من يقيم هذه الاحتفالات غير معني أصلاً بإيصال المضمون الإنساني لهذه النهضة إلى الآخر، بل تتحول وظيفته إلى شد العصبية المذهبية والقبلية التي قتل الإمام الحسين بسيفها، حينها يكون السلوك قاتلا للظاهرة الحسينية. “الحسين الكوني” هو الذي يصل إلى كل إنسان فيمسّ وجدانه وعقله، ويعلي من البعد الإنساني في الخيارات والسلوك والتفكير لديه. أما الحسين في بلادنا اليوم فليس أكثر من زعيم قبيلة قتل في حرب ويبحث أبناؤه وورثته البيولوجيون عن انتقام عصبيّ. وعلى أبناء القبيلة أيضاً أن يختزلوا الحسين بالعصب وأن لا يقاربوا مشهديته بالعقل والوجدان. النهضة الحسينية موقف إصلاحي في المسار الإسلامي العام. فالحسين قتل قبل تأسيس مذهب الشيعة بأكثر من أربعة قرون. وشكّل في التاريخ الإسلامي مشهدية الرفض المطلق للظلم، ومثّل مشهدية الحق كلّه في وجه الباطل كلّه. هو مشهد لا لبس فيه ولا مكان فيه للمخالطة بين الحقّ والباطل. لذا كانت لهذه المشهدية نهضة مِدادها في الثورات والانتفاضات لدى فئات متنوعة من المسلمين، ولدى غيرهم ممن وجد ضالته في الوقوف في وجه الظلم على امتداد التاريخ.
المتحدثون الرسميون باسم مجالس عاشوراء اليوم هم المتحدثون الرسميون باسم الخطاب اليزيدي، ذلك أنّ ما يجري في هذه المجالس هو إعادة إنتاج شخصية الحسين، لكن مع تحميلها وظائف أخرى. فإذا لم يستطع غير الشيعي، أو حتّى جزء من الشيعة، أو السنّة أو المسيحيون أو الدروز، وحتى الملحدون، أن يجدوا أنفسهم في مظاهر إحياء عاشوراء وخطابها، فهذا إحياء للعصبية. فكيف حين ينفر هؤلاء من تلك المراسم… وتستفزّهم؟ لأّنها رمزية لا تحتمل المخالطة مع أي مشهد ظالم، فإنّ سلطة يزيد بن معاوية هي التي خلطت الحق بالباطل. فالسلطة الأموية هي من قالت للرعية “أنا أطعمكم وأعطيكم، وأشارككم غنائم الفتوحات، وأنا من أقاتل الروم، لكن إياكم أن تنازعوني ملكي، فيكون حالكم كحال حجر بن عديّ الذي دفن حيّا بأمر من الخليفة”. أذكر قبل نحو 12 عاما، قبل وفاة المؤرخ المسلم الشيعي حسن الأمين، صاحب “دائرة المعارف الإسلامية الشيعية”، وجامع ومؤلف “أعيان الشيعة ومستدركاته”، قال لي “هل تعلم أنّ أهمّ من كتب عن الإمام علي والإمام الحسين وغيرهم من أئمة الشيعة هم من غير الشيعة، من عبدالرحمن الشرقاوي وبولس سلامة والشيخ عبدالله العلايلي ومحمود عباس العقاد وجورج جرداق”؟ وذكر غيرهم… لكّنه استدرك بأنّ “كتاب ثورة الحسين للشيخ محمد مهدي شمس الدين هو الكتاب الوحيد والمعتبر الذي كتبه مسلم شيعي”.
هكذا كان الحسين قبل عقود، أما اليوم فالمنبر الحسيني في قبضة صفوية يزيدية.