على أيّ بلد سيكون الرئيس؟
د.مصطفى علوش/جريدة الجمهورية/الجمعة 30 أيلول 2016
«شرم برم والناس غافلة والغفلة ع لأفهام قافلة والكذب لعلع في الحفلة وأكثر السامر مساطيل» أحمد فؤاد نجم
قديمة ومستهلكة تلك اللعبة التي نسجها «حزب الله» لتمديد الفراغ في رئاسة الجمهورية. ببساطة فإنّ المرشحَين الحاليَّين لسدّة الرئاسة يدينان بتضخيم وجودهما السياسي منذ وقت طويل لدعم «حزب الله» السياسي والمالي والعسكري.
وحتى عندما أعلن (الأمين العام لـ»حزب الله») حسن نصر الله تكراراً أنّ مرشحه للرئاسة هو (رئيس تكتل «التغيير والإصلاح) ميشال عون، لم يلمح في أيّ مكان بإمكانية دعوة المرشح الآخر، أي (رئيس تيار «المردة») سليمان فرنجية، للإنسحاب من السباق. كما أنّ فرنجية أعلن منذ البداية أنّ نصر الله هو «سيد الكل»، وهذا يعني أنه لم يطلب من «البيك» حتى بالسرّ أن ينسحب «لأخيه الأكبر الجنرال».
لعبة مكشوفة ولا شك، ومفضوحة لدرجة السخافة، ولكنها صامدة وفعالة لاعتمادها على شهوات المرشحين وعلى الآمال الكاذبة وعلى تصاريح المتخصصين في فن الدعاية عند «حزب الله»، الذين يعطون دروساً لغوبلز في ضروبها.
لا يحتاج (نائب الأمين العام لـ»حزب الله») نعيم قاسم لتكرار مسلسله في اتهام تيار «المستقبل» بتعطيل انتخاب عون رئيساً للجمهورية ليزيد حنق الأخير وعداء تياره ضد الرئيس سعد الحريري.
فالجنرال لا يحتاج إلى توجيه، فهو لم يوفّر في هجائه لسنوات طويلة لا سعد الحريري ولا رفيق الحريري ولا وسام الحسن، ولم يتوقف عن التأكيد أنّ حقوق المسيحيين سرقها السنّة، ولم يوفّر السنّة هو وصهره في نعتهم بأجمعهم بالتطرف والداعشية.
ولكنّ الجنرال رغم كلّ ذلك لديه الفطنة الكافية ليعلم أنّ «حزب الله» قادر على سحب المرشح المنافس وعلى الأقل تحييد الرئيس نبيه برّي المناهض، وربما أكثر، وبالتالي جعله المرشح الوحيد. لكنّ ثورة الجنرال على مَن يمنع بالحقيقة انتخابه رئيساً للجمهورية غير واردة في هذه اللحظة بالذات التي يمنع بها الحزب انتخاب أيّ شخص آخر لسدّة الرئاسة، ما يعني استمرار الأمل.
أما الأسباب الأخرى التي تمنع الجنرال من الثورة فتتلخّص بأنّه ذهب بعيداً في التزامه بمعسكر الممانعة وسوَّد وجهه مع الآخرين لدرجة يصعب فيها التراجع، وهو يعلم على كلّ الأحوال أنّ المعسكر الذي اختار الوجود فيه مرتعه وخيم وهو كمجمع الأشرار لا عودة منه بسلام.
ما لنا ولكلّ ذلك؟ فالقضية لا علاقة لها لا بالجنرال ولا بمرشحي الصف الأول ولا الثاني ولا الثالث ولا بكلّ ماروني يحلم بأن يكون رئيساً على وطن سعى إليه البطريرك الياس الحويك من أجل المسيحيين، فكلهم وكلنا سواء في نظرة مشروع الولي الفقيه لهم مهما بالغ «حزب الله» في كيل المديح لهذا إن تبعه وسلّم له، أو صبّ جام اللعنات والوعيد على ذاك إن عارضه. فالجميع ضحايا والجميع أدوات من طهران إلى المتوسط فيما عدا المؤمنون بأسطورة الولي الفقيه.
يلهينا اليوم «حزب الله» بلعبة رئاسة الجمهورية، في حين أنّ معالم هذا الوطن بدأت بالإضمحلال في ظل الزلزال في الجغرافيا والديموغرافيا السياسية الحاصل الآن على سبع درجات ريختر.
إنّ تحلّينا بالموضوعية، ونظرنا إلى تداعيات ما يحدث في المنطقة يصبح من السهل الإستنتاج أنّ طاولة تقسيم الحصص لن تضمّ إلّا القوى الفاعلة، وهذه القوى هي التي تملك القدرات القتالية على الأرض، وبالتالي فهي روسيا وإيران وأتباعها والقوى الكردية، وتأتي تركيا في مرحلة الإستلحاق بعد دخول قواتها إلى شمال سوريا، أما القوى الغربية وأميركا تحديداً، فإنّ حصتها لا تزال غير واضحة في ظلّ المراوحة الكلامية من دون الدخول إلى ساحة المعركة، ومَن يدري؟ فقد تكون القضية بالأساس محبوكة مع هؤلاء.
أما حصة إسرائيل فمضمونة من خلال تفتيت المنطقة وتحوّل وجهة العداء نحو الصراع المذهبي، ما يُعزّز سعيها إلى تثبيت منطق الدولة اليهودية في بحر من الكيانات المذهبية والدينية.
أما الغائب الأكبر فهو الدول العربية ومن ضمنها لبنان لأسباب شتى أهمّها انشغال كلّ من كياناتها بمصائبه الخاصة ولتضارب وجهات النظر في ما بينها.
أما لبنان فلا حول له ولا قوة بعد زوال وهم الحماية الدولية والرعاية العربية، مضافاً إليها الإنقسامات المتشابكة داخلياً على مختلف المستويات.
الحقيقة الثابتة هي أنه على رغم ثقل خسائر «حزب الله» في الحرب السورية، لكنّ قوته تبقى مهمة لأنها تنبع من كون أن رعايته واستمراره هما جزء من حصة إيران في يوم توزيع المغانم.
وبما أنّ هذه الحصة تضاءلت في سوريا بعد الدخول الروسي الحاسم، خصوصاً لعدم وجود قاعدة مذهبية شيعية ثابتة هناك، فإنّ إيران سوف تتمسك بمستعمرتها اللبنانية، على شاكلة ما كان يمثل النظام السوري قبل عام 2005 وربما ستكون الأمور تحت رعايتها، أو على الأقل، تجاهل دولي بعد اليأس من نزق ودلع اللبنانيين. عندها ماذا سيبقى لأيّ رئيس ليحكمه أكان الجنرال أو «البيك» أو غيرهما؟