خطب كثيرة، عضلات أكثر
راشد فايد/النهار/11 تشرين الأول 2016
نجح اللبنانيون في تحويل حياتهم السياسية الى مسرحية هزلية، كل يجد فيها ما يسره، ويظهر بطولته المزعومة: بعض يشغل البال الوطني العام بحزورة كقول بري ان بينه وبين جعجع سرا لن يبوح به. وآخر يعتزم الحج والناس عائدة، فيعلن ولادة “سرايا التوحيد”، التي لا نعرف ما اذا كان هدفها توحيد الطائفة، أم الجبل، ام المسلمين عموماً. فيما لا شيء يؤشر الى مخاطر على مطلقها، حتى تكاد تظهر كتهديد مضمر كـ”القمصان السود” الشهيرة. ولا يخرج عن المسرحية الهزلية، كلام الوزير جبران باسيل، باسم تياره وعمه، عن استحالة رؤيتهم “زاحفين” الى بعبدا، فيتساءل السامع، من يطلب منهم الزحف، شريكهم الحزب، أم حليف حليفهم، فيما الأول، بلسان الشيخ نعيم قاسم، يبرئ نفسه من ذلك، ويكاد يقول عن علاقة الحزب ببري وعون، كما قال أمينه العام عن ترشيحَي ميشال عون وسليمان فرنجية “هيدا عيني وهيدا عيني”. لا دخان بلا نار ولا سر بغير وشوشة، ولا “سرايا” بلا مهمة مشبوهة، ولا خوف من زحف لو استقامت الديموقراطية، ولا داعي لاسترضاء الحليف وحليف الحليف، لو لم يكن وراء الاكمة ما وراءها. من يصمت على تعرية الديموقراطية، ويصفق لمن يطوعها على مقاس مصلحته، وأهداف من يديره ويوجه سلاحه، إلى حد المفاخرة بأبوة عبارة “one way ticket”، لا يملك أن يعترض على الزحف، إلا إذا صدّق أن “ورقة التفاهم” ليست صك ذمية في سلطنة فارسية لا عثمانية، أو اعتقد أنه بعضلاته يحقق نجاحاته ضد الدستور والتشريع، ويعطل انتخاب رئيس منذ ما يشارف العامين ونصف العام. وتعطيل الحياة السياسية بدأ منذ أذيعت الورقة الشهيرة، إذ غطت “القمصان السود”، وقبلها بدعة “الثلث المعطل” والوزير الملك، وفرض رئيس حكومة ليست له الأولوية لتشكيلها، وامتد فائض القوة إلى ما وراء الحدود، وجُر اللبنانيون إلى كهوف الصمت على جرائم سلاح “حزب الله” الإقليمي، لكأنه من طبيعة التركيبة الوطنية، فصار قوة أمن في الداخل اللبناني، وقوة إقليمية في المنطقة العربية، لا يناقش دورها، لا هنا ولا هناك. برغم ذلك، تفاقمت المزايدات، لدى أهل السلاح وحلفائهم، في مديح قوى الجيش والأمن، فيما يقاسمونها الإمرة الفعلية على الأرض، ويفرضون “فهمهم” عليها، كما الحال في صيدا أمس، فيما من ينظمون القصائد في تقريظ “سياج الوطن”، ويصدحون بأناشيد التمسك به، يعلنون، بلا سبب ظاهر، السير في مناكب ميليشيا الحزب، وتأسيس “سرايا التوحيد” قبل أسابيع من انتخاب عون للرئاسة، إذا صح منامه، كأن ذلك هدية مفخخة، أو إشارة إلى أن دخول بعبدا أمر يخصه، لكن إدارة الحكم لمن جاء به على جثة الدستور. من الآن وحتى اليوم الموعود، خطب كثيرة ستدبج، وعضلات كثيرة ستعرض.
نحن الهررة والكلاب الشاردة
عقل العويط/النهار/11 تشرين الأول 2016
حال الهررة والكلاب الشاردة في لبنان اليوم، من حال الغالبية الساحقة من اللبنانيين. هذا استنتاجٌ بسيط، توصلتُ إليه من خلال عبوري المستديم أمام عدد من أكوام النفايات، في بيروت وضواحيها والمناطق. لكن الهررة والكلاب الشاردة قد تجد ما تسدّ به رمقها من بقايا الطعام، أما هؤلاء اللبنانيون المسحوقون فأفواههم فاغرة، وأيديهم ممدودة، وعيونهم زائغة، وقلوبهم مجرّحة، ورؤوسهم مطاطئة من فرط الهواجس والهموم والإهانات. لا يجوز التعميم. لأني لا أقصد الهررة والكلاب التي تقيم في البيوت الوثيرة، حيث تنعم بالمعاملة “الإنسانية” اللائقة بها، وحيث تأكل حاجتها من الطعام الصحّي المتوافر. مرةً ثانيةً، لا يجوز التعميم. لأني لا أقصد الذين يمسكون برقاب الغالبية الساحقة من المواطنين. فهؤلاء أفواههم مسدودة، وأيديهم قابضة، وعيونهم مغمضة، وقلوبهم مكلّسة، ورؤوسهم فارغة من الهمّ. يعنيني من هذه المقارنة، أن الهررة والكلاب الشاردة، يحقّ لها أن تنعم بأمان العيش، وأن تواصل حياتها “بكرامة”، وأن تنال حصّتها من الطعام، من دون أن تخشى الجوع والمرض، أو تتعرّض للإهانة والذلّ، أو الدهس، أو القتل المقصود. يعنيني من هذه المقارنة، في المقابل، أن اللبنانيين المسحوقين، يحقّ لهم أن تؤمّن لهم سلطاتهم التنفيذية والإدارية العمل، وأن تؤويهم في أمكنة كريمة، وأن تعلّم أولادهم مجاناً، وترسلهم إلى المستشفيات مجاناً، وأن تحول بينهم وبين السؤال الذليل. لكن المقارنة هذه، تفيدنا بأن الواقع على الأرض إنما يفضي إلى نتيجة معكوسة تماماً: الهررة والكلاب الشاردة “هم” عملياً وموضوعياً هذه الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، الذين لا “أهل” لهم، ولا “دولة”، بعدما تخلّت عنهم السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، معاً وفي آن واحد. “هم” أيضاً هؤلاء الذين يتخلّى عنهم زعماء الدين وزعماء الأحزاب، ولا يسألون عنهم إلاّ عندما “يدقّ النفير”، نفير العصبيات الطائفية والمذهبية، ونفير المصالح الانتخابية، وسواها. لماذا يقبل الوزراء والنواب والقضاة بأن يكون “مواطنوهم” مثل الهررة والكلاب الشاردة؟! الجواب بسيط للغاية: لأن هؤلاء المواطنين لا “يخوّفون” زعماءهم، ولا “يهدّدونهم” بالمحاسبة، ولا يمارسون “الشانتاج” معهم. لأن هؤلاء المواطنين يفضّلون ما يواجهونه من وقائع واحتمالات “معلومة”، على ما يمكن أن يواجهوه من وقائع واحتمالات “غير معلومة”. ولأنهم، باختصار، لا ينتفضون على زعمائهم، ولا يخرجون على طاعتهم، ولا يبحثون عن “بديل” منهم. نحن الهررة والكلاب الشاردة، يجب أن نتعلم الدرس الأول والأخير: يجب أن نضع حداً للحياة اللقيطة التي نعيشها. يجب أن نحيا حياتنا بكرامة!