حزب الله” يتنصّل من “وعود” النصر.. والقصر
علي الحسيني/المستقبل/14 تشرين الأول/16
منذ خمسة أعوام تقريباً وجمهور «حزب الله» يعاني الأمرّين من جرّاء خسارته للأبناء والأشقاء والآباء في الحرب الدائرة في سوريا، لدرجة أوصلته إلى حد أصبح يشعر بأن كل الدعوات إلى «الجهاد» تحت مسمّى «الواجب الشرعي» أو «التكليف»، ليست سوى دعوات حق يراد بها باطل، والباطل برأيهم، يتمثّل بحقن أبنائهم بـ»مواد» تنعش المذهبية والكراهية في ذاكرتهم وتحرّضهم على قتال الآخر تحت حجج تتبدل وفق الظروف والميدان. والباطل نفسه، هو من سرق منهم فلذات أكبادهم وسلّمهم لـ»طاحونة» الموت.
معاناة الجمهور هذه، كان لا بد وأن توجد لها «مسكّنات» ولو مؤقتة، علّها تنسي «أهل البيت» روحاً كانت بالأمس بينهم تشعل الدنيا فرحاً وتلهبه حياةً، فكانت إطلالة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله في اليومين الأخيرين من «عاشوراء»، والتي أراد الحزب من خلالها مد جمهوره بجرعة أمل جديدة وإستعادة ثقته مجدداً ومنحه ترخيصاً جديداً يبيح له زهق أرواح أبنائهم خارج الحدود. لكن سرعان ما اكتشف هذا الجمهور، بأن الحكاية هي نفسها والمواقف كذلك، فقد عاد ليهاجم نصرالله السعودية والدول العربية وأميركا، وليحملهم مسؤولية ما يجري في اليمن والعراق وسوريا… لكنه لم يخبر هذا الجمهور عن الموت في «دمشق» و»القلمون» و»إدلب» و»حلب»، ولا حتّى شرح له الأسباب التي حالت دون تحقيق الوعود بـ»النصر».
في خطابه في اليوم العاشر من محرّم والذي جاء تكملة لليوم الذي سبقه، أكد نصرالله المؤكد أن لا رئيس جمهورية في المدى المنظور، لا من حلفائه ولا من خصومه. فقط وحده الفراغ عاد ليحتل النسبة الاعلى من التصويت داخل دائرة القرار في «حزب الله». نصرالله باع حلفاءه كلاماً وأوهاماً وهو لم يلزم أحداً بالنزول إلى مجلس النوّاب لإنتخاب رئيس. طمأن حليفه النائب ميشال عون بأنه مرشحه الوحيد، في وقت لم يغلق فيه الباب في وجه حليفه النائب سليمان فرنجية المرشح للرئاسة على الضفة نفسها. هي حقنة مهدئة واحدة إستخدمها نصرالله مرتين، مرّة لتخدير جمهوره، والثانية لتهدئة حلفائه، وفي الحالتين، لم يتطلب منه الأمر، سوى لحظات من المناورة على خطيّ الرئاسة والسعودية ليخلص في كلامه إلى أن الثانية هي من تعطّل الأولى.
في وقت كان ينتظر عون من حليفه «حزب الله« الضغط على باقي الحلفاء الذين لم يأخذوا حتّى الساعة خيار «المشي» فيه كمرشح وحيد للرئاسة، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، إذ بنصرالله يدعو العماد عون الى التفاهم مع بري ومع فرنجية وبقية الحلفاء، ليبدو وكأنه رمى الكرة في ملعب عون نفسه وحمّله مسؤولية عدم تبنيّه من «الحلفاء». وبعد كلامه هذا واستدراكاً منه لموقفه الذي من المؤكد أنه سيترك نفوراً كبيراً في بعض أوساط حلفائه، إستعاد نصرالله لغة «التفاؤل» فقال «المسار السياسي إيجابي في البلد، بمعزل عن صراعات المنطقة. ويجب أن يمضي المسار في الملف الرئاسي الى النتائج المطلوبة»، داعياً «الحكومة بمعزل عن الاستحقاق الرئاسي الى العمل الدؤوب والجاد والاهتمام البالغ بالملفات الضاغطة على اللبنانيين من بيئة وصحة وبطالة«. هنا بدا نصرالله، وكانه أراد ترطيب الأجواء وضخ دفع إيجابيّ في نفوس حلفائه خصوصاً الموعودين منهم بالرئاسة.
ثمة واقع مؤكد داخل بيئة «حزب الله» يقول بأن همها الأوّل والأخير، هو إنقاذ ما تبقّى من شبّان متواجدين في سوريا في أسرع وقت ممكن قبل وقوع المحظور. هذه البيئة رأت في بداية إطلالة نصرالله، دفعاً معنويّاً لها يمكن أن تركن اليه في بعض أسئلة كانت طرحتها سابقاً لكنها حتّى اليوم لم تتلقّ اي إجابة شافية. تطمح هذه البيئة إلى جلسة مصارحة واسعة مع قادة الحزب، و«ليتها تكون مع نصرالله«. هذا ما يقوله والد عنصر في الحزب ما زال مصير ولده مجهولاً منذ سنة تقريباً. نعم هذا أقل ما يتمناه بعض أهالي العناصر الذين يخدمون في سوريا، كما أن هناك قسماً منهم لم ير حتّى الساعة، سببا واحد لتواجد أبنائهم في العمق السوري مثل «حلب« و«إدلب« و«حماه« وغيرها من المناطق البعيدة مسافة و«عقيدة«، عن القرى الحدودية وعن «المراقد الدينية« و«الواجب الجهادي«.
أمس الأوّل تحكّم نصرالله لفترة لم تزد على ساعة، بلعبة الخطاب وإستمالة مشاعر جمهوره. مر على الداخل وخوّن بعضه وأجّل البعض الآخر لمناقشات تتبع في وقت لاحق. وضع السعودية وتركيا وبعض الدول العربية في الميزان نفسه مع إسرائيل وأميركا والغرب رافعاً من نبرته وحدّته. والمستغرب، هو التباكي على اليمن رغم إدراك نصرالله، حجم التدخل الإيراني هناك والمخاطر التي تحيط بالمنطقة العربية بأسرها والتي تنجم عن هذا التدخل، لكن المفارقة أن هذا التباكي الذي يديره الحزب، لم يذرف دمعاً ولا ندماً على أطفال «دوما« و»الغوطة» و»حلب» الذين قُتلوا إماً حرقاً وقتلاً بفعل نيران براميل بشّار الأسد المتفجرة، أو تحت أنقاض منازلهم بعدما حوّلتها صواريخ طائراته إلى ركام وحطام تنعدم على بقاياهما الذاكرة وتحفر وجعاً وحقداً في نفوس من تبقّى منهم على قيد الحياة.