هكذا يحكم “حزب الله” لبنان
طوني أبي نجم/امليبانون/04 تشرين الثاني/16
بعيداً عن المزايدات ثمة واقع لا بد من الاعتراف به. لبنان بات تحت الوصاية الإيرانية بالكامل ويحكمه بالإنابة عن إيران حزبها في لبنان… “حزب الله”، وذلك برضى المجتمع الدولي واعترافه وشهادات إعلامه وكبريات صحفه، وسقوط آخر معاقل الممانعة والمقاومة الداخلية في لبنان تحت شعار تسيير شؤون البلاد والعباد والاقتصاد. وللتذكير فإن الاقتصاد كان في أفضل أحواله وفرص العمل متوافرة والنمو يشهد أرقاماً لافتة في التسعينيات إبان فترة الاحتلال السوري… ولكن بقيت شعلة المقاومة حيّة يحملها بطريرك مقاوم من طراز مار نصرالله بطرس صفير، وشعب يقاوم متمسكاً صورة قائد سجين نحيل رفض أن يساوم. هذه الخلاصة اليوم لا تهدف إلى دفع أحد لليأس، إنما تشكل استنتاجاً منطقياً لخلاصة الانتخابات الرئاسية وتسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة العهد الأولى، إضافة إلى مسار سابق بدأ منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أحدث زلزالاً لبنانياً مدوياً في 14 آذار 2005، قبل أن يستوعب “حزب الله” ما جرى اعتباراً من حرب تموز 2006 والقواعد السياسية الداخلية التي فرضها بالقوة، بدءاً من الاعتصام في ساحة رياض الصلح في 1 كانون الأول 2006 مروراٌ بـ7 أيار 2008 واتفاق الدوحة الذي كرّس عرف الثلث المعطل على الطريق إلى المثالثة وصولاً إلى إيصال العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. وفي هذا الإطار، ومهما كثرت المزايدات، لن يتمكن أحد من إنكار أن الرئيس ميشال عون كان منذ اللحظة الأولى مرشح “حزب الله” الذي أعلن أن لا رئيس للجمهورية سوى العماد عون. وما فعله الآخرون هو الانصياع إلى رغبة “حزب الله” وانتخاب مرشحه ليس أكثر مهما جرى من تنميق للسيناريوهات. لا بل إن كل المحاولات التحايل على الحزب فشلت، سواء من خلال محاولات طرح مرشح توافقي على غرار الرئيس السابق ميشال سليمان أو من خلال مبادرة الرئيس سعد الحريري إلى ترشيح أحد أقرب المقربين من الحزب النائب سليمان فرنجية.
ولعل من أهم أهداف إصرار “حزب الله” على ترشيح عون وانتخابه، إفهام من يعنيهم الأمر أن الإمرة في الجمهورية اللبنانية هي لـ”المرشد الأعلى” السيد حسن نصرالله من دون أي شريك. فلا ديمقراطية بالنسبة لنصرالله ولا نظاماً ديمقراطياً ولا برلماناً ولا من يحزنون.
ومن يقول إن نصرالله لم يستطع أن يوصل الرئيس عون إلى بعبدا طوال أكثر من 30 شهراً، يتناسى أنه لم يستطع إيصال أي مرشح آخر طوال تلك الفترة، وعاد واستجاب لإرادة “المرشد” ولو توجساً من تغيير النظام! ومن يشك في هذا الكلام ما عليه إلا مراقبة كيف أن السيد نصرالله “سمح” أو تنازل وقبل أن يتم تكليف سعد الحريري برئاسة الحكومة الأولى في العهد. وبالتالي، لو لم “يسمح” نصرالله بذلك لما كانت ثمة أي قيمة لـ112 صوتاً التي نالها الحريري في الاستشارات النيابية الملزمة، ولسقطت أي قيمة لإرادة أغلبية ساحقة من النواب في نظام يُفترض أنه برلماني ديمقراطي.
وفي الأساس لا قيمة لأي أكثرية وأقلية في نظامنا هذا طالما أن نتائج الانتخابات النيابية لم تُحترم مرة. فرئيس مجلس النواب أيضاً يعلنه السيد نصرالله مسبقاًً مستبقاً نتائج أي انتخابات نيابية وأي تصويت في مجلس النواب لأن إرادة “المرشد الأعلى” تتفوق على آليات النظام.
لا داعي للمكابرة أيها السادة. لا داعي للشعارات الفضفاضة لأن لا شيء يمكن أن يحصل في لبنان من دون إرادة “المرشد الأعلى” أو “سماحه” في القضايا الوطنية. ونفوذ المرشد يصل أيضاً إلى كل مفاصل الدولة، فهو يضع الفيتوات على التشكيلة الحكومية والتعيينات تماماً كما وضع الفيتو على تولي اللواء أشرف ريفي وزارة الداخلية في حكومة الرئيس تمام سلام، وتماماً كما يضع الفيتو اليوم على إسناد وزارة الداخلية إلى “القوات اللبنانية”. و”حزب المرشد” يبقى أيضاً فوق القوانين اللبنانية والدولية، فالمتهمون باغتيال الرئيس رفيق الحريري “قديسون”، ولا سلطة للدولة اللبنانية لاعتقال نوح زعيتر وأمثاله، كما أن الجيش والقوى الأمنية الشرعية ملزمون بالتنسيق مع “حزب الله”، ليس بناء على سياسة حكومية أو بيان وزاري في ظل سلطة وسطوة حزب السلاح، بل بفعل أمر واقع يجعل كل من يخالف تعليمات “المرشد” شهيداً أو مشروع شهيد في وطن دخل النفق المظلم في انتظار بزوغ فجر جديد.