في لبنان لا شيكات على بياض
علي حماده/النهار/5 تشرين الثاني 2016
انتخب الجنرال ميشال عون رئيسا، ثم كلف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الاولى للعهد. ارتاحت البلاد نوعا ما، وإن يكن العارفون ببواطن الامور يقرون بأن أيا من القضايا الخلافية الكبرى التي تنقسم البلاد حولها لم تحل، ولن تحل. فإشكالية سلاح “حزب الله” غير الشرعي بكل وجوهه قائمة اكثر من اي وقت مضى. والخلاف العميق حول عصابات ما يسمى “سرايا المقاومة” قائم ايضا. والخلاف حول تورط “حزب الله” في حرب في سوريا تحت عنوان “الحرب الاستباقية” مطروح ايضا. وأخيرا وليس آخرا، هناك مستويان من المواطنية في لبنان، حيث ثمة بيئة معينة تعتبر نفسها فوق بقية البيئات المكونة للبنان. هذه القضايا الخلافية سترافق عهد عون، ومسار الحريري رئيسا للحكومة. وإذا كانت سمة المرحلة الحالية، استنادا الى موازين القوى على الارض، فرضت على الكثيرين اتخاذ وضعية النعامة بدفن الرؤوس في الرمال، فإن التطورات في الاقليم وحركة “حزب الله” التوسعية في الداخل، ووظيفته الامنية والعسكرية في الخارج ستؤدي باللبنانيين عاجلا ام آجلا الى العودة الى لب الازمة ومنابعها.
لا شك في أن آمال اللبنانيين انتعشت كثيرا بعد حصول التسوية الرئاسية التي أفضت الى انتخاب عون رئيسا، وتكليف الحريري تشكيل الحكومة الاولى وترؤسها، أقله حتى إتمام استحقاق الانتخابات النيابية في منتصف ٢٠١٧ أو في الربع الثالث منه. ولا شك في ان انتعاش الآمال ترجم ارتياحا في الداخل، ولا سيما بعدما سمع اللبنانيون أن الرئيسين عون والحريري ينويان فعلا ان يتعاونا في سبيل تحقيق إنجازات سريعة تنعكس مباشرة على حياة المواطنين. كما ينويان وضع عدد من المشاريع والاجراءات المتوسطة المدى على سكة الاقرار في مجلسي النواب والوزراء. لكن التجربة في لبنان علمتنا أن الآمال هشة بسبب هشاشة الوضع السياسي، أكان في الداخل أم في الاقليم. ومع ذلك فإن جميع اللبنانيين يريدون إعطاء العهد الجديد بجناحي التسوية عون والحريري، فرصة للانجاز، أقله في المجالات التي يفترض ألا تكون موضع خلاف. وهذا لا يكون من دون تعاون حقيقي بين عون والحريري، فحيث يمكن الحريري ان يعمل وينجز، سيكون مطلوبا من عون ان يعبد الطريق أمامه، لكي يكسبا معا. يبقى أن هناك علامة استفهام كبيرة تتعلق بموقف العرب من لبنان بعد انتخاب عون رئيسا للجمهورية. صحيح ان ترؤس الحريري حكومة العهد الاولى يشكل رسالة ايجابية للعرب، لكنه غير كاف. والرئيس عون مطالب بأكثر من خطاب القسم الذي حاول فيه ارضاء كل الاطراف بشيء من الغموض. فاستمرار لبنان منصة لاستهداف العرب امنيا وعسكريا واعلاميا، لن يسهل انطلاقة عهد عون. واي عهد في لبنان مهما علا شأن صاحبه محليا، لا يمكنه ان ينجح من دون العرب. وسلوك “حزب الله” ليس عاملا مسهلا لانفتاح عربي جديد على لبنان. بناء على ما تقدم ، نقول ان التحديات كبيرة جدا. وان فرحة الايام الاولى لملء الشغور الرئاسي لن تطول، لان الاستحقاقات داهمة وفورية، ولان ما من شيء في السياسة اسمه شيك على بياض لأي كان.