عون وحزب الله و«الحكم الممنوع»
أسعد بشارة/جريدة الجمهورية/الأربعاء 07 كانون الأول 2016
في حين لا تزال محاولة إبعاد الرئيس ميشال عون عن حزب الله التي كانت في صلب «فلسفة» تأييده للرئاسة، وما أعقبَها من «بروباغندا» انتصارية صاخبة، تأخذ بعض الأوكسيجين من الهجمات الإعلامية التي يتعرّض لها رئيس الجمهورية والقريبون منه، من وسائل إعلام «ممانعة»، عقاباً له على بعض ممانعته، لا يبدو أنّ هذه المحاولة قد تجد مدىً حيوياً لكي تتقدّم أكثر إلى الأمام.
فرئيس الجمهورية الذي انتُخب على إيقاع صخبِ التفاهمات التي أريدَ لها أن تكون جسرَ العبور بين المختلفين، يؤمّن عبوراً آمناً للعهد أقلّه في بداياته، عجزَ عن تجاوز حلفائه الذين يُختصَرون اليوم بحليف واحد هو حزب الله، الذي أطلق أمينُه العام السيّد حسن نصرالله بعد انتخاب عون، ما يمكِن وصفه بخريطة طريق رئاسية، هي معبر إجباري للحكومة وقانون الانتخاب، وكل التوازنات التي يفترض أن ينتجها العهد الجديد.
فعندما حفظ نصرالله موقع النائب سليمان فرنجية، وحصرية المفاوض الرئيس نبيه بري في التأليف، كان يعطي المؤشّر الأوّل إلى أنّ رئيس الجمهورية لن يكون مطلق اليدين، وأنّ تفاهمه مع تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» لن يُصرف لا في الحكومة، ولا في احتمال التفاهم على قانون الستين، ومن أجل ذلك كان الحزب واضحاً منذ البداية بتقييد العهد الجديد، وإفهامِه أنّ الجديد لا يمكن إلّا أن يشكّل استمراراً للقديم، وهذه رسالة واضحة تنطبق على الملفّ الداخلي وعلى سياسة رئيس الجمهورية العربية والدولية.
ما جرى حتى الآن هو تعطيل تأليفِ الحكومة علناً وبلا إلتباس، من ضِمن سيناريو إقفال كلّ احتمال أمام المفاجآت، ومِن هنا يأتي إصرار الحزب على أن يكون فرنجية في موقع قوّة داخل الحكومة وخارجها، ومِن هنا أيضاً الإصرار على حفظ قوّة بري، في اعتبارها قوّةَ الطائفة الشيعية في النظام، ومِن هنا أيضاً وأيضاً، يأتي الإصرار على التلازم بين هاتين القوّتين وجمعُهما في قوّة واحدة داخل الحكومة، لتشكيل ثلثٍ معطّل بمعزل عن وزراء رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر»، استعداداً في حال شكّلت الحكومة لفرملة مضمونة لأيّ توجّه لا يريده الحزب.
في أروقة حزب الله كلامٌ كثير لا يخرج إلى العلن، بل تَظهر منه شذرات تُطاول عون ووزيرَ الخارجية جبران باسيل.
وقد نقِل كلام قاسٍ جداً لبعض مسؤولي حزب الله عن باسيل، واتّهامات شتّى، حول الأداء والخيارات، وخصوصاً حول التعهّد للرئيس سعد الحريري بسياسات معيّنة تجاه السعودية (إيجابية) وتجاه النظام السوري (متحفّظة).
هذه الشكوك التي لدى الحزب تتخطّى الحدّ المسموح به بين حليفَين، وتذهب إلى درجة وضعِ النقاط على الحروف، خصوصاً في ما يتعلّق بالعلاقة مع السعودية، ومع النظام السوري، حيث يضغَط الحزب على رئيس الجمهورية، لرفعِ مستوى العلاقة إلى أعلى مستوى، وإيفاد من يمثّله إلى دمشق، والتعامل مع النظام السوري بلا تحفّظ أو خجَل، باعتباره جزءاً من القوى الداعمة التي أوصَلت عون إلى بعبدا.
أمام هذا الواقع هل سيتمكّن عون من التفلّت من القبضة التي أحيطَ بها عهدُه منذ البدايات، وهل سيَستطيع تجاوزَ «الألغام» المزروعة التي وضِعت مبكراً في طريقه؟
لا يبدو أنّ الأمر ممكن أو مستطاع إلا في حال سَلّم عون بالتوازنات التي يريد الحزب فرضَها، والتي تتعدّى مجرّد إعطاء حقيبة وازنة لفرنجية، أو للحزب القومي، أو مقعد سنّي لشخصية من 8 آذار، وعندها يكون رئيس الجمهورية قد سَلّم بالقواعد التي حَكمت العهد السابق، والتي كان هو جزءاً من منظومة الضغط التي أدّت إلى فرضها، ويكون منطق العهد القوي القادر على جرّ حزب الله على الأقلّ في الموضوع الداخلي إلى توازن نسبي، قد تمّ جرُّه إلى موقعه السابق في الرابية، بنحوٍ يتجاهل موقعه الحالي في بعبدا، وما يُمليه الموقع من قدرةٍ على ممارسة الحكم ولو في حدّه الأدنى، على طريقة «الحكم الممنوع».
أعطى المؤشّر الأوّل بعد شهر من انتخاب رئيس الجمهورية انطباعاً بأنّ كلّ الضمانات التي قدّمها عون قبل انتخابه، باتَت عصيّةً على التنفيذ، فحتى لو مرَّ تأليف الحكومة وفقَ ما يريده حزب الله وحلفاؤه، فإنّ المراحل الصعبة آتية، وقد تكون الأصعب، إذا ما عجزَ العهد عن تجاوزِ عقبة حزب الله، وهو ما سيَضع في الغربال كلَّ الآمال التي بنيَت والرهانات حول استعادة القوّة والتوازن، ولعلّ أبرز ما يمكن التوقّف عنده في هذا المجال، موقفٌ لأحد نواب تكتّل «التغيير والإصلاح»، يعوّل فيه على قدرة العهد على تنفيذ التفاهمات التي رتّبها قبل الانتخابات الرئاسية، في حين أنّ ما يجري اليوم يدلّ على عقمِ هذه التفاهمات، وعلى خسارة الرهان بأن تحلّ مكان التمسك بالدستور الذي أقسَم عليه عون، فيما الواقع يشير إلى أنّ حزب الله يريد أن يكرّس عرفاً أوجَده بعد 7 أيار، وأنّه لم يعترف إلّا بتفاهم واحد هو تفاهم مار مخايل، أو ما يشبهه، أمّا التفاهمات الأخرى فلا تعني إلّا أصحابَها، وهي لغة ديبلوماسية للقول إنّ أيّ تفاهم لا يمرّ بالضاحية الجنوبية، غيرُ معترَف به، ولا إمكانية لأن يتحقّق على أرض الواقع