هَلِّلُويا
هنري زغيب/النهار/24 كانون الأول 2016
لي بين وزراء الحكومة الجديدة أَصدقاء، وبينهم مَن أَعرفهم أَو أَعرف عنهم. وليس كلامي هنا على شخصهم في الحكومة. لهم احترامي قبلها بمعرفتي إِياهم أَو بدونها. كلامي هنا يتناول “التركيبة العجيبة الغريبة” التي جاءت بهم.
في الموازنة عادةً “فذلكةٌ” تعلّل أَرقامها، وفي القانون فقرات تُبرر سَـنَّه، وفي الدستور موادّ تشرح تطبيقه. فما “الفذلكة” التي جاءت بهذه الحكومة على هذه الصورة؟
هي، قال، حكومة “وحدة وطنية”. عال. لكن قراءة أُولى لخارطة الحقائب تشير في وضوح إِلى أَن “الوحدة الوطنية” فيها ليست “وطنية” بل “كُوتَاويّة” توزَّعت محاصصاتُها “جوائز ترضية” على زعماء القبيلة الذين سَحَبُوا من جيوبهم أَسماء مرشحيهم وقدّموها للرئيس المكلّف الذي حمَلَها إِلى رئيس الجمهورية على مضض (؟) أَو عن قناعة (؟)، فانفرجت أَسارير، وانشرح مهللون، وصفَّق مزغردون، وصَدَحَت المراجع الرسمية العليا بأَنها “حكومة ذات فاعلية”.
طبعًا هي “ذات فاعلية”. و”فاعليتها” أَنها “أَرضت” الفاعليات في البلد. فمن ذا يعترض بعدما نال قطعة جبنة من القالب؟ طبيعة الفروماجيين أَن يصيحوا معترضين حتى تكون لهم حصة في قالب الجبنة، فإِذا نالوها اغتبطوا وانشرحوا وباركوا.
بعد 73 سنة على “التشكيل اللبناني” للحكومات – وقبلها كان يشكّلها المفوض السامي الفرنسي – ما زلنا حيث كنا، وما زلنا ننصدم بأَنّ معادلة “الرجل المناسب في المكان المناسب”، أَو “الخبير المناسب في المسؤُولية المناسبة” ما زالت معادلة من اليوتوبيا الخيالية، وما زلنا في بلد المذاهب لا بلد المواهب، في بلد العشائر والمزارع والقبائل لا بلد البحث عن الموهوبين لمزاولة مواهبهم في مناصب وحقائب ومراتب تنفع البلد لا أَولياء العشيرة وزعماء المزرعة وأَسياد القبيلة. ويبقى “الوطن المنشود” كلامًا تنظيريًّا في تصاريح بعض أَهل السياسة، وحلمًا هيولانيًّا في خيال الموهوبين.
حسابات تشكيلة الحكومة الجديدة لم تفكِّر بالأَجيال المقبلة بل بالانتخابات المقبلة. لذا “ضَـيَّــفُونا” طبخة على مذاقهم هم، وقياساتهم هم، وطموحاتهم هم، ولوائح انتخاباتهم هم، وأَضافوا إِليها ما لَـذَّ وطاب من بهارات وأَطايب “وزارات دولة” لم نفهم كيف تَـمّ استحداثُها بدون أُطُر قانونية وتنظيمية تجيز لهم العمل على الملفات، فكيف تكون هذه التركيبة لصالح الوطن وأَجياله الجديدة وأَبنائه الناطرين الفرج من الثلاثينية الجديدة؟
كل واحد من زعماء العشيرة كان الفاخوري الذي ركَّب أُذْن الجرّة على قياس حساباته السياسية، فاتورةً مسْبقة يقبضها في أَيار المقبل توزيعاتٍ طائفيةً مناطقية زبائنية يُراكم فيها أَكبر عدد من أَزلامه في ساحة النجمة.
وما دمنا في تركيبة زعماء وأَسياد وأَولياء يتقاسمون البلاد مناطقَ وزعاماتٍ وإِقطاعاتٍ ومزارع، لا نعجبَنَّ من مشاهدتنا “اجتراح العجائب” من هذه الحكومة العجائبية.