ثلاثة أجيال من “القيادات المسيحية المارونية” هناك جامع بين مَن لا يجمعهم شيء
ايلي الحاج/النهار/6 تشرين الثاني 2015
حتى اليوم تناوبت ثلاثة أجيال من “القيادات المسيحية المارونية” على التصدي للتحديات والمعضلات المتنوعة في لبنان: قيادات الاستقلال، ما بعد الاستقلال، واليوم قيادات ما بعد الحرب الأهلية الكبرى (1975). عادت قيادات الاستقلال إجمالاً مع دخول الجيشين الفرنسي والبريطاني إلى لبنان وانسحاب الجيش العثماني وتمرست في ظل الإنتداب على الديموقراطية في الحكم والمعارضة رغم صلاحيات واسعة للمندوب السامي تلك الأيام، ومع قيادات مسلمة دخلت على مراحل في التركيبة السياسية الجديدة. جديرة بالتوقف هنا افتتاحية لـ”الصحافي والنائب” كما كان يحب أن يعرّف عن نفسه ميشال زكور، في جريدته “المعرض” غداة انتخاب إميل إده رئيساً للجمهورية يوم 20 كانون الثاني 1936 بـ14 صوتاً في مقابل خصمه اللدود بشارة الخوري الذي نال 11 صوتاً في برلمان ساحة النجمة المكوّن من 25 نائباً. كتب الدستوري العنيد زكّور لإدّه: “كنّا ضدّك والآن كلنا معك رئيساً فاحكم بعدل”. على هذا المنوال تتالت العهود، من بشارة الخوري إلى كميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو فسليمان فرنجية. لم تكن تخطر فكرة مقاطعة الجلسات الانتخابية ببال أحد من قيادات الاستقلال وما بعد الاستقلال. أول مرة وردت الكلمة في صحف 1976 ترجمة لتوجه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات إلى التصدي لقرار حاكم سوريا حافظ الأسد دعم ترشيح الياس سركيس لرئاسة الجمهورية بالتفاهم مع الأميركيين. ألقت “القوات المشتركة للحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية” كما كانت تسمّى بضع قذائف في اتجاه مقر البرلمان الموقت في “قصر منصور”. ترشح ريمون إده “حفاظاً على ماء وجه الديموقراطية” كما فعل عندما ترشح في وجه فؤاد شهاب إثر نزول المارينز الأميركيين على الشاطئ اللبناني في 1959. لكن النواب انتخبوا سركيس. بدأت بعد سركيس مرحلة “قيادات ما بعد الحرب”، ذروة تجليها كانت مع بشير الجميّل وانتخابه رئيساً في موجة قوة خارجية وداخلية لم تنفع معها محاولات منع اكتمال نصاب في الفياضية، ثم مع انتخاب شقيقه أمين الجميّل بشبه إجماع وسط الفواجع. بدأ بعده زمن “المقاطعات” إن لم يكن نيابياً فبقوات مسلحة تناوبت عليها الميليشيات، والجيش أيضاً زمن قيادة الجنرال ميشال عون (1988) لمنع عودة سليمان فرنجية إلى بعبدا، ثم لمنع وصول مخايل الضاهر إليها يداً بيد مع “القوات اللبنانية” قبل الصدام الكبير بينهما. وفي ظل انهيار موازين القوى انتُخب على التوالي رينه معوض بشبه توافق، والياس الهراوي وإميل لحود بقرار سوري صافٍ، وميشال سليمان بتوافق خرج منه “حزب الله”، القوة المسلحة غير الشرعية الأكبر وشبه الوحيدة في لبنان، عاقد العزم على عدم تكراره. أقله حتى اليوم. أما “قيادات ما بعد الحرب المسيحية المارونية”، والتي استعادت بعضاً من حيويتها ووزنها في اللعبة الداخلية الداخلية، فباتت في ظل تمادي الفراغ الرئاسي، تفتح دفاتر أخرى وبعضها قديم لاستعادة دور من تمثلهم في الدولة، سواء من باب قانون الانتخابات النيابية أو التطلع إلى محاسن لامركزية موسّعة فرضت نفسها بأكياس القمامة هذه المرة وليس بالسلاح وحده وإن كان في يد جهة واحدة. لذلك تسمع تعابير ومقاربات متماثلة إلى حد ما هذه الأيام في صالونات سياسة المسيحيين، حتى لو اختلفت حسابات الأحزاب والقيادات في مواضيع إدارة الدولة والشراكة مع المسلمين. لا تفرق كثيراً أن يكون متحدثو الصالونات من الكتائب أو “القوات” أو “التيار العوني” أو “المردة” وحتى المكتفين بتوجيهات الكنيسة. وهكذا يتبيّن أن ثمة ما يجمع بين من كان يُخيّل إلى كثيرين أن لا جامع بينهم، والسؤال المحوري عندهم: “هل يريد شركاؤنا حقاً أن نعود إلى دور قيادي في لبنان الجديد؟”. ويقيمون على اعتقاد بأن لبنان الدولة تعاقبت عليه ثلاث هيمنات: “المارونية السياسية” التي سقطت مع أول رصاصة في الحرب الأهلية وكان نزاعها طويلاً وانتهى باحترابها الداخلي والقوة السورية المسلحة. “السنية السياسية” في مؤالفة بين حضور الرئيس رفيق الحريري الاستثنائي في كل الميادين والحكم السوري الفعلي، انتهت باغتيال الرئيس شهيداً. “الشيعية السياسية” تستمر حتى اليوم، وأبرز مظاهر فشلها سقوط الدولة بأكملها في أزمة القمامة.
دفاعاً عن المدنِسات!
أحمد الأسعد/المستشار العام لحزب الإنتماء اللبناني
05 تشرين الثاني/15
ليس من قبيل المصادفة أن يرتبط الكثير من الجرائم التي تحصل في البلد، وآخرها جريمة المعاملتين، بأشخاص ينتمون إلى بيئة السلاح غير الشرعي. وليس غريباً أن تكون بؤر السرقة والمخدرات والدعارة والعصابات والإجرام على أنواعه، واقعة ضمن جغرافيا نفوذ قوى الأمر الواقع الشيعية. من المؤلم حقاً أن توصم عائلات ومناطق شيعية كاملة بسمعة إجرامية، بسبب عصابات تستفيد من سلاح خارج عن سلطة الدولة، يدّعي القتال هناك، خارج الحدود، دفاعاً عن المقدَسات، وهو في الواقع يحضن المدنِسات هنا، بلا حدود. الأكيد أن هذه الجزر الإجرامية لم تكن لتوجد لو لم تكن تحتمي بمناخ الدويلة، ولو لم يكن قادة هذه العصابات وأفرادها مطمئنين إلى أن أحداً لن يمسّهم ما داموا تحت عباءة، أو متى عمامة، هذا أو ذاك من الزعماء والأحزاب. أما الدولة، فستبقى عاجزة، وسيسقط لجيشها وقواها الأمنية شهداء عبثاً، يا للأسف، ما دامت تتعامل مع هذه الجزر تماماً كما تتعامل اليوم مع ملف النفايات: تنتظر إذن حزب، أو موافقة حركة، أو ما يسمى رفع غطاء، لكي تتحرك وتواجه الإجرام في منبعه ومصدره، هذا إذا فعلت…وهي لا تفعل. اليوم شهيدان، وقبلهما آخرون، وفي المستقبل سيسقط غيرهم، ما دامت الدولة تخوض مع الإجرام المحتمي بالسياسة، مواجهات متفرقة، من دون خطة شاملة، وما دام قائماً السبب الرئيسي لانتشار هذا الإجرام وإزدهاره، وهو وجود سلاح خارج إطار الدولة. نعم، سيبقى الإجرام يسرح ويمرح ما دامت خطط الدولة الأمنية تشبه…خطة النفايات!
“كلن يعني مش كلن”
حـازم الأميـن/لبنان الآن/05 تشرين الثاني/15
ورد في صحف لبنان هذا الإسبوع خبران، هما:
- علّق وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على تقرير تلفزيوني كُشف فيه عن شرائه 38 عقاراً قيمتها أكثر من 20 مليون دولار، بأن العقارات هي إرث من والده ونتيجة عمله. وأضاف أن الحملة عليه وراءها أجهزة ودول والهدف منها اغتياله سياسياً، وأن شعار “كلن يعني كلن” الذي رُفع أثناء التظاهرات في بيروت لا يشمل التيار، و”أن كلن يعني مش كلن”، وأن التيار خارج منظومة الفساد، والكهرباء لم تأتِ لأن “ثمة من لا يريد لها أن تأتي”. واختتم باسيل تعليقه بأنه لن يسكت بعد الآن على اتهامات الفساد، وأنه سيلجأ إلى مقاضاة كل من يتهمه.
- تقدم “حزب الله” بدعوى قضائية لدى المباحث الجنائية على الإعلامية ديما صادق بسبب أسئلة وجهتها لضيوف برنامجها على “أل بي سي”، كانوا يتحدثون عن فساد الطبقة السياسية اللبنانية، ولم يستثنوا “حزب الله” من هذه الإتهامات وأيضاً رداً على تعليق نُسب إليها على “فايسبوك” يتضمن اتهامات بالفساد لأشقاء وأبناء مسؤولين في الحزب. مما لا شك فيه أن خطوتي التيار والحزب غير منسقتين، وإن أفضتا إلى حقيقة واحدة، وهي اللجوء إلى القضاء. وإذا كان المرء لا يدين لجوء جهة إلى القضاء، فإن نتيجتي الخطوتين لم تكونا أكثر من استعراض تافه للنزاهة، ذاك أن الحزب لجأ إلى الجهة القضائية الخطأ في دعواه على صادق، أي المباحث الجنائية، ليتبين لاحقاً أن لا أساس قانونياً للدعوى، ذاك أن قانون الإعلام يكفل للصحافي حرية طرح الأسئلة، وبالنسبة لـ”فايسبوك” فصادق لم تكتب ما نسبه الحزب إليها، ثم أن المباحث الجنائية ليست مهمتها على الإطلاق متابعة ما يكتب على “فايسبوك”. إذاً الهدف من الدعوى ليس استرداد حقٍ، بقدر ما هو إحداث ضجيج. أما حليف الحزب جبران باسيل، فهو لوّح باللجوء إلى القضاء من دون أن يلجأ إليه. لم يرفع دعوى على البرنامج التلفزيوني، ولم ينفِ أصلاً ما ورد في التقرير. فقط لوّح بالقضاء.
والحال أن “حزب الله” و”التيار العوني” جمعهما أيضاً، إضافة إلى تفاهم مار مخايل الشهير، ذهولهما من شملهما بـ”كلن يعني كلن”. فهل يعقل أن يُتهم جبران باسيل بالفساد. الرجل الذي ضحى بكل شيء من أجل لبنان. قَبِل بأن يكون وزيراً ثم وزيراً ثم وزيراً، على رغم عدم نجاحه في الانتخابات النيابية، ثم ورث، مرغماً، “التيار الوطني الحر”، مع كل ما يجره هذا الإرث من إرهاق وإفقار! أما “حزب الله” الذي هاله أيضاً شمله بـ”كلن يعني كلن” فهو ليس حزباً فاسداً، وما مشاركته في الحكومات الفاسدة سوى درء للخطر عنه، ومن الجور نسبة فساد أشقاء مسؤولين فيه إليه، ذاك أن الأشقاء المتوارين أو ممن كُشف فسادهم ليسوا أعضاء في الحزب، وإن اقتربت أعمالهم من وزارات أشقائهم. ويبدو أن الحزب لا يعرف أن أخبار الفساد تأتي من أقرب الناس إليه وإلى بيئته، وأن اشتباكات بالسلاح حصلت في قرى وبلدات نتيجة خلافات ناشطين “مدنيين” حول مسح الأراضي، وأن معامل الكبتاغون موجودة حصراً وبالمصادفة في مناطق يملك نفوذاً فيها.
إذاً على اللبنانيين أن يكفوا عن “كلن يعني كلن”، وأن يستعيضوا عنها بـ”كلن يعني مش كلن”.