حوار عقيم … وحراك يتيم
شرف أبو شرف/نقيب الأطباء السابق/النهار/6 تشرين الثاني 2015
كثر الكلام في لبنان على كيفية محاربة الفساد المافيوي وتصحيح الاعوجاجات المتراكمة منذ عهود؛ والتحاليل السياسية والاجتماعية والفلسفية لا حصر لها ولا عدّ، على تنوّعها أدباً وشعراً وإنشاء وفلسفة. الكل يعرف بالتفاصيل أسباب المسيرة المستمرة لإضعاف الدولة ومؤسساتها، ويصرح بأسماء المتسببين، صفات ومواصفات، في السر والعلن، حتى بات المتهم متأهباً للدفاع عن نفسه بكل الوسائل المتاحة، الأغراء أو العنف، إذا تمادى المتهمون بكشف الحقائق وتردادها علناً. ولا يخفى على أحد أن الفساد المستشري والوضع الأمني المتردي أفرغا البلد من طاقاته البشرية والاقتصادية، فبات لقمة سائغة في فم حيتان المال والفساد، وأصبح الفساد ثقافة يمتهنها البعض، للتعيّش في غياب التأمينات الاجتماعية من تعليم وصحة وفرص عمل وضمان شيخوخة. أمام هذا الواقع المأزوم بات الرجوع إلى الوراء مستحيلاً، لذا جاء الحوار ينفـّس الاحتقان بدل التقاتل على الأرض. الحوار ضروري ولكن مع من نقيمه؟ وبين أي أفرقاء؟ لقد جرّبناه عبثاً وتكراراً بين المتحاورين الحاليين فكان مصيره الفشل. والفشل يحفـّز عادة إلى تطوّر جديد وفتح آفاق واعدة، أما عندنا فقد أوصلنا إلى أفق مسدود ومزيد من الخيبة. من مبادئ الحوار الناجح أن يقوم على المنطق، النزاهة، المصارحة والاستماع إلى الآخر. فأين نحن من كل هذا؟
إن القوى الحاكمة، بل المتحكـّمة في أكثريتها، مسؤولة عن هذه الأزمة، فهناك من شارك في الفساد وتعطيل آليات الحكم، وهناك من غضّ الطرف أو غطى أو هيمن بقوة المال والسلاح؛ لذا فإن المتحاورين بأغلبيتهم ليسوا مؤهّلـين لدور كهذا، فالذي أفسد كل شيء وأعفى نفسه ومحازبيه من تطبيق القانون لا يمكنه أن يحاكم نفسه ويتولى الاصلاح، بل يوضع جانباً ويحاكم. من شروط الحوار، الاستماع إلى الآخر. وحوار السياسيين هو حوار خطوط متوازية لا تلتقي إلا على مصالحها الاقتصادية أو الدينية أو الخارجية.. والمصارحة في الحوار…
ومن مبادئ الحوار أيضاً الاعتراف بالآخر، لا تهميشه أو ألغاؤه، والاتيان بأشخاص صوريين ضعفاء لا صفة تمثيلية لهم، دمى أو أحجار شطرنج يحركها الشرق أو الغرب ساعة يشاء وكيفما يشاء، لا صوت لهم ولا طعم ولا لون، حتى يبقى زعيم الطائفة واحداً أحداً لا ينافس اقطاعيته أحد…
كل هذه العوامل مشتركة أدّت إلى الحراك الشعبي الصادق والحيوي الذي أتى أخيراً وإن يتيماً بعدما فقد الناس ثقتهم بالطبقة الحاكمة التي أوصلت البلد إلى الهاوية. سياسة “الزبالة” أدّت إلى شلّ البلد وافقاره وليس المتظاهرون والمعترضون على المسؤولين. فبعض أهل الحوار هم سبب الأزمة المستفحلة والملفات المتراكمة، لذلك اعتبر بعض النقاد ان مشهد الحوار مضحكٌ، مبكٍ ومثيرٌ للسخرية. فالذي يتحدث عن نظافة الكف والنزاهة عليه أن يكون كذلك، حتى يستطيع قيادة معركة مكافحة الفساد. والذي يتحدث عن السيادة عليه ألا يكون مرتهناً للشرق أو للغرب.
- في الأخبار أن المجتمع الدولي يتلكأ في تنفيذ التزاماته حيال لبنان، وخصوصاً دفع المستحقات المالية المقرّرة في الغرب لكي يتحمّل لبنان أعباء اللجوء السوري، ويعود السبب إلى الاقتناع بأن بلدنا فاسد بمن فيه وما فيه، وأنّ الدولة هي دولة سماسرة وصفقات، وقد باتت مصالح الناس والحكم الرشيد غائبة عن التنظير القائم. يوم جاءت الوصاية السورية بحكامنا، خضعوا لها وحكموا بأمرها، ولم يحاسبهم أحد. وخرجت سوريا من لبنان لكنهم ظلـّوا على غيّهم بعدما استطابوا سياسة الفساد. ولم ينجُ من فسادهم حتى القضاء والاعلام. إننا اليوم أمام أزمة أخلاق سياسية في ظل نظام ديموقراطي يسمح بفضح الفساد لكن النظام الاقطاعي المترسخ يحول دون ذلك، ولا حل إلا بسقوط هذه الطبقة. وما مشكلة النفايات إلا صورة مصغرّة عن النفايات السياسية. لن يقوم لبنان من دون انتفاضة شعبية على الفاسدين، فلم يعد يتسع هذا البلد للمزيد من الفساد، في جو من الحريّة المزيّفة والأمان المفقود والديموقراطية الخرقاء… صحيح أن شوارع المدن العربية ازدحمت بضحايا المتظاهرين المنادين بالحرية، لكن الصحيح أيضاً أنه لو قدّر لهؤلاء الهجرة كما فعل الكثير من اللبنانيين لما توانوا عن ذلك. وفي كلتا الحالتين قتل لطاقات البلد ومستقبله. لا قيمة لحرية إن لم توصلنا إلى الفضاء الواسع. ولا قيمة لديموقراطية إن لم نجرؤ على المحاسبة. يجب أن يكون المحاسب فوق الشبهات، حتى يحاسب غيره. الكل ليسوا سارقين، فأهل الفضيلة في لبنان ما زالوا هم الأكثرية يدينون الفساد ومظاهره. والفساد ليس قدرنا، ولم يكن يوماً كذلك فالغالبية الساحقة من اللبنانيين متضرّرة. بإسم الطائفية هدمنا البلد. واثبتت الأيام صحة كلام الامام الصدر أن “الطائفية كارثة بينما الطائفة نعمة” فلنرجع إلى أصول الدين القائم على الاخلاق والصراحة واحترام الآخر، إذ لا مستقبل نرجوه ولا أمل خارج ذلك، ولنتعظ من تجارب الذين سبقونا ان كنا نريد خلاصاً لهذا الوطن وبقاء لبنيه… إننا مع كل حراك شعبي يبحث عن قيام دولة ديموقراطية مدنية لا طائفية، دولة العدل والحق والقانون والمؤسسات، دولة تخطط وتراقب وتحاسب وتبني قضاء مستقلاً عادلاً، دولة تشجّع مواطنيها على ممارسة الحريات بالفعل لا بالقول، وتضع الحكم في يد الاكفياء والحكماء، وترسخ العيش المشترك على العدالة الاجتماعية والمساواة واحترام حقوق الانسان. يجب ألا يتوقف الحراك الشعبي اليتيم ما لم تعد الأمور إلى نصابها بالرجوع إلى الشعب ليحاسب ويختار عبر قانون انتخاب تمثيلي عصري، يعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله، يحاسب ويأتي بالكفايات، حتى تعود إلى لبنان بهجته ونعمته ومهجروه، وكل كلام خارج هذه المعادلة هو باطلٌ ومقوضٌ للعيش المشترك. نعم للحوار ولكن مع متحاورين صادقين وهيئات مدنية متحرّرة ومخلصة.
“تحالف خماسي” لامرار الجلسة التشريعية الخميس/ جنبلاط لـ”النهار”: لن نسير مع الكتل المسيحية في الانتحار
رضوان عقيل/النهار/7 تشرين الثاني 2015
باتت المواجهة مفتوحة ودونما هوادة بين الفريق المتحمس لعقد الجلسة التشريعية المقررة الخميس المقبل والكتل النيابية المسيحية – ما عدا الكتائب – التي لا تعارض التئامها لـ”ضرورات مالية”، شرط إدراج قانون الانتخاب في جدول الاعمال، الامر الذي لم يعد متاحاً لاسباب عدة، ليس اقلها رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري هذا الطرح لعدم اكتمال “طبخ” المشروع في اللجان، في ظل وجود 18 مشروعاً في ادراج المجلس. ويحيل وزير ناشط في 8 آذار القوى التي تعمل على إدراج هذا القانون في الجلسة المنتظرة الى عدم امكان اعداده وتحضيره في مثل هذه الظروف. ويعيدهم الى “اتفاق الدوحة” عام 2008، والى ان النقطة الرئيسية في تلك الاجتماعات تمحورت على قانون الانتخاب. وامتدت الليالي اللبنانية الى ساعات طويلة في العاصمة القطرية التي انتهت بعد خوض اجتماعات عاصفة اعادت الناخبين اللبنانيين الى الوراء أكثر من خمسين عاماً. وانتهت بتبني دوائر 1960 واستبعاد تطبيق النسبية مرة اخرى!
وتبقى المفارقة التي تسجل في هذا التوقيت هي ان مكونات الحكومة مجتمعة تمر بانقسام عمودي، اضافة الى ان القوى النيابية غير الممثلة فيها لم تتوصل حتى الآن الى ايجاد خطة للنفايات التي تنتشر تلالها في بيروت والمناطق، والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف تستطيع الطبقة السياسية الاتفاق على قانون الانتخاب الذي لم يسلك الطريق الصحيحة في اللجان ليصل في النهاية الى الهيئة العامة؟ وبعدما قال بري كلمته في هذا الشأن يبدو انه دخل في صراع مفتوح مع الكتل النيابية المسيحية، ولا سيما” التيار الوطني الحر” الذي يحرجه موقف “القوات اللبنانية” المتمسكة بقانون الانتخاب وضمه الى”تشريع الضرورة”. وثمة من يصف ما يعيشه الطرفان بحفلة مزايدة لدى الرأي العام المسيحي، علما ان مشهد تغيب هذا المكون عن الجلسة ليس بالأمر السهل على المشاركين، وبري يردد دائماً ان “ضميره مرتاح” حيال توافر الميثاقية وعدم جر البلاد الى الانتحار. ويبقى موقف الدكتور سمير جعجع اسهل من الخيار النهائي الذي سيتخذه العماد ميشال عون حيال الجلسة. وفي المناسبة، فإن “حزب الله” يعمل بقوة على خط الرابية لإقناع عون ويقوم بالاتصالات المطلوبة لحضور نوابه الى المجلس. اما النائب وليد جنبلاط فقد وجّه عبر “النهار” رسالة شديدة اللهجة ضد الكتل المسيحية، معتبراً ان “ما تفعله بعض القيادات المسيحية هو مزايدة ورسالة نحو المزيد من الانتحار الذاتي. واذا كان البعض منهم لم يتعلم من تجارب الماضي، فهذا مؤسف، لكننا لن نسير معهم في هذا الانتحار، وهم احرار في النهاية ولا نريد ان ننحر وننتحر معهم”. ولم يكتفِ بهذا القدر بل زاد عليه: “كفانا مزايدة في موضوع الميثاقية”. وكان بري قد لجأ الى استعمال اسلوب الهجوم هذه المرة بدل ممارسة اسلوب الدفاع، وحدد موعدا للجلسة، بخلاف ما يفعله الرئيس تمام سلام الذي يتريّث في الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء، مع الاشارة الى ان مهمة بري اسهل بسبب اطمئنانه إلى وجود عناصر الميثاقية المطلوبة من خلال مشاركة شريحة من النواب المسيحيين الذين يسبحون في كتل اخرى. ومن هنا عمل رئيس المجلس على وضع الجميع امام مسؤولياتهم، ولا سيما بعد التأييد الذي تلقاه من رئيس كتلة” المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة، على رغم اعلان النائب احمد فتفت عدم حضوره في حال تغيب النواب العونيين و” القوات”، علما انه اخبر بري بـ”العذر” الذي يمنعه، لكن نائب الضنية كان صريحاً مع موقف المؤيدين للجلسة بأنه لا يمكن التوصل الى قانون اليوم. ولا بد من الاشارة الى ان الغيارى على العلاقة بين بري وعون يعوّلون على ربع الساعة الاخير الذي يسبق الجلسة وحضور نواب “التيار البرتقالي” واحتلال مقاعدهم في ساحة النجمة، الامر الذي يطمئن رئيس المجلس أكثر. وثمة من يصور حال الجلسة بمشهد “التحالف الرباعي” الذي جمع “تيار المستقبل” وحركة “أمل” و”حزب الله” والحزب التقدمي الاشتراكي الذين يجمعون اليوم على ضرورة “تشريع الضرورة”. واتسع هذا التحالف هذه المرة بانضمام رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية الى صفوفه.
خدش المساكنة
المحامي وليد يونس/النهار/6 تشرين الثاني 2015
صرح رئيس كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) النائب محمد رعد تعليقاً على موضوع التشريع في مجلس النواب اللبناني … “أنه ليس لدى حزب الله اقتناع بتشريع الضرورة، التشريع يجب ان يكون تشريعاً مفتوحاً”… وتابع “… نحن ان قبلنا بتشريع الضرورة في هذه المرحلة، فذلك حتى لا نخدش المساكنة التي تجمع بيننا وبين شركائنا الذين يخطئون النهج في إدارة شؤون البلاد…”. المساكنة (Concubinage) هي فعل عيش مكونين معا أو تحت سقف واحد أو سماء واحدة من دون تشريع، أي في غياب رابطٍ أو عقدٍ رسمي يشرّع هذه العلاقة ويجعلها رسمية. ترى من يقصد الحاج محمد عندما يتحدث عن “شركائه الذين يخطئون النهج” هل هو العماد عون أم الشركاء في الوطن؟ الأرجح انه العماد عون، لأن “حزب الله” لا يعترف بشركاء في الوطن، ولكن … وبهدف اعتماد أقصى معايير الموضوعية في التعامل مع هذا التصريح دعونا نأخذ الاحتمالين:
الاحتمال الأول ان يكون المقصود “بالشركاء”العماد عون، ترى هل ان العلاقة او وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحر و”حزب الله” توصف بالمساكنة مع ما تحمله هذه الكلمة من شذوذٍ وابتعادٍ عن الأصول المتبعة في المجتمعات وخاصة الإيمانية؟
هل هكذا يكافأ من حرم كل فرصةٍ لتبوؤ المنصب الأرفع بسبب قراره الخاطئ بالإصطفاف الى جانبكم وتبني خروجكم عن الدولة والحق ومجاراة نزعتكم الدينية الأصولية الخارجة عن تقاليد الاجتماع اللبناني؟
هل بلغت بكم الوقاحة حداً جعلكم تحاضرون في كيفية اجتماع المجلس النيابي وأنتم من يمنعه من القيام بواجبه الأساسي المتمثل بأولوية انتخاب رئيس للجمهورية ما أدى الى تعطيل آلة الحكم وآلية دورانها وأفقد مؤسساتها التوازن السياسي والإداري؟
لن أسترسل قدماً كي لا أخدش أحاسيس من يعتقد مخطئاً انكم على الصراط الصحيح.
اما الاحتمال الثاني ان يكون المقصود بالشركاء شركاء الوطن فهو احتمالٌ مستبعدٌ، لأن هذا الحزب حدد شركاءه خارج الوطن والجمهورية من خلال الاعتراف المباشر على لسان الأمين العام الذي اعتبر انه وحزبه جنود او اسياد لا فرق، ولكن لدى الولي الفقيه.
وان هذا الحزب اثبت انه عندما يقاتل في سوريا والبحرين واليمن والعراق ومصر وحتى في جنوب لبنان، انما يفعل ذلك تبعاً لمصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية وضرورات انتشار وتوسيع إمبراطوريتها الفارسية.
إن خدش المساكنة يا سعادة النائب خدَشَ حسّنا الوطني وزاد مخاوفنا وكاد يحوّل ارتيابنا الى يقين ان قيادتكم لا تزال بعيدة عن الجمهورية اللبنانية التي حضنت آباءكم وأجدادكم الذين ساهموا في اعلاء مداميكها وتثبيت بنيانها والتفاعل الإيجابي مع الشركاء في الأرض والوطن، على مثال العلماء والمفكرين الأحرار الذين أدركوا أكثر منكم كم أن هذا الوطن ثمين بتنوعه وقيَمهِ.
المحامي وليد يونس/عضو المكتب السياسي في “تيار المستقبل”