ليكن انقلاباً على الانقلاب!
نبيل بومنصف/النهار/9 تشرين الثاني 2015
لا نعتقد ان تعبير “الانتحار” الذي ردده الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط في معرض الحض على مشاركة الكتل المسيحية في الجلسة التشريعية كان في مكانه، ولو صح ان تداعيات شديدة السلبية تتربص بلبنان في حال تخلفه عن التصديق على مشاريع مالية ومصرفية ذات صلة بمكافحة الارهاب. اذ ان مسألة “الانتحار” هذه متى حان وقت إثارتها جدياً يفترض ان تطرح مجمل التراكمات التي أدّت الى حشر لبنان الآن في خانة توقيت قاتل وجد نفسه فيها أمام استحقاق اكبر منه بكثير لئلا يواجه المحظور القاتم. بدأت حلقات الانتحار بهذا المعنى بتعطيل الانتخابات الرئاسية واستتباعاً بتعطيل الحكومة والمجلس وشل كل قدرات الدولة. ولم يصل الوسط السياسي الى استحقاق التخيير بين تمرير المشاريع المالية المتصلة بالارهاب وعزلة لبنان الا بفعل إهمال قاتل للاستحقاقات لأن لبنان ترك دولياً لمصيره فاستطابت معظم قواه لعبة اللهو بالوقت وقتله ولم تحسب للحظة قد تأتي بمثل هذا الاستحقاق الداهم. كانت الازمات تتيح للقوى السياسية ذاك الترف الذي كشف طبقة سياسية شديدة الأنانيات، الأمر الذي نجم عنه معادلة الشلل التي بات معها انعقاد مجلس الوزراء ومجلس النواب اشبه باستحالة فعلية. كان ذلك واقعياً هو الانقلاب الذي اطاح النظام الدستوري اسوة بإفراغ رئاسة الجمهورية منذ ١٧ شهراً. مع ذلك، ورغم كل ذلك، لا يسوغ مجمل هذا الواقع لأفرقاء مسيحيين وازنين الذهاب في لحظة الحشرة هذه نحو استحداث أزمة اشد سوءاً كان يمكن تسويغها وتبريرها لو اتصلت بقواعد الصراع الداخلي التقليدي ولكنها تتجاوز كل ذلك الى تهديد فعلي لمصالح اللبنانيين. بل أكثر من ذلك، لسنا نعتقد اطلاقا ان منطق الاولويات الأشد إلحاحاً الآن يمس عَصب الناس عندما يصبح الخيار بين انقاذ حتمي من عزلة مالية ومصرفية دولية والبحث في جبال الخلافات والأجندات عن مشروع لقانون الانتخابات يعرف القاصي والداني ان دون التوصل اليه ما يشبه الاستحالة نفسها التي ابقت قصر بعبدا خاوياً منذ ٢٥ أيار ٢٠١٤ والحبل على الجرار. وان كنا من المبتهجين والمهللين لثبات ترجمة “اعلان النيات” بين فريقيه، فإننا نود مع كثيرين ان نرى تحالف الإعلان هذا يتنازل للبنانيين ومصالحهم الحيوية في اللحظة الحاسمة لا لأفرقاء سياسيين على هذه الضفة او تلك علّ ذلك يشكل طليعة نمط سياسي مختلف لا يقيم اعتبارا لحسابات التمترس متى فرضت مصالح الناس الحيوية تجاوز كل انواع هذه الحسابات. ولعلنا اخيرا لا نرى حاجة الى التذكير بأن الطريق الأسرع لتعطيل التعطيل يبدأ بانكشاف ذوي السياسات الازدواجية حين يهرولون الى جلسة تشريعية إنقاذية احكموا الحصار على مثيلاتها لانتخاب رئيس فباتوا الآن يطبلون في عرسها!
القوى المسيحية تختبر قدرة التأثير منفردة خيط رفيع بين رفع السقوف والتداعيات
روزانا بومنصف/النهار/9 تشرين الثاني 2015
يمتحن أفرقاء مسيحيون أساسيون وهم “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” والكتائب قدرتهم على ادارة دفة القرار الداخلي من دون دعم من حلفائهم من الطوائف الأخرى من جهة واثبات وجود القرار المسيحي في يدهم وحدهم دون سائر الافرقاء والنواب المسيحيين الآخرين من جهة أخرى، وذلك من خلال تعطيل فائدة مشاركة هؤلاء في الجلسة التشريعية المرتقبة الخميس المقبل. ففي موضوع تعطيل مجلس النواب في ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية يقف “حزب الله” وقوى اخرى من 8 آذار الى جانب التيار الوطني الحر في منع تأمين النصاب ما لم يتم انتخاب العماد ميشال عون رئيسا. وفي تعطيل الحكومة يقف الحزب أيضاً الى جانب عون في شروطه اعتماد تعيينات امنية جديدة والاتفاق على آلية مختلفة للقرار في مجلس الوزراء. وفي مسعى للحؤول دون انعقاد جلسة تشريعية تقر خلالها جملة مشاريع بات اقرارها اساسيا لا سيما منها مشاريع مالية يهدد عدم اقرارها الوضع المالي للدولة اللبنانية وتصنيف لبنان، يقف “التيار” و”القوات” في جانب واحد ويلاقيهم حزب الكتائب في الرغبة في عدم المشاركة وإن لأسباب أخرى مبدئية تتصل بعدم جواز ان يشرع مجلس النواب قبل انتخاب رئيس للجمهورية في حين يشترط الاثنان الآخران وضع قانون انتخاب جديد على جدول اعمال الجلسة التشريعية. هذا الامتحان يرفعه الطرفان المسيحيان في وجه حلفائهما قبل خصوم كل منهما ويرغبان في الحصول على ما يكرس وحدانية تعبيرهما عن المسيحيين دون سواهما تحت طائل وصم الجلسة التشريعية باللاميثاقية على رغم مشاركة نواب مسيحيين آخرين علما ان هناك شوائب اساسية تعتري موقف الطرفين الاساسيين المعنيين تتمثل في عدم وجود اتفاق بين القوات والتيار العوني على قانون انتخاب واحد يتم الدفع فيه على انه ما يطالب به الأفرقاء المسيحيون الاقوى شأنهما في ذلك شأن عجزهما على الاتفاق على مقاربة واحدة لموضوع رئاسة الجمهورية بحيث يمكن فرض هذه المقاربة على الافرقاء الاخرين.
يراهن سياسيون على ان تحرك حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف في اتجاهات تحذير السياسيين من مغبّة اجهاض جلسة تشريعية كان محرجاً خصوصاً للقوى المسيحية المعارضة للجلسة نظرا الى انه سلط الضوء على ان المسألة لا تتصل بالصراع السياسي القائم بل بات واقعا لا مناص من مواجهته. ويراهن هؤلاء السياسيون على ان كلاً من “القوات” او التيار العوني لا يستطيع تحمل تبعة ان يواجه لبنان تحديات تخفيض تصنيفه وعدم اقرار مشاريع تتصل بوضعه المالي، فهذه مسؤولية تبعاتها خطيرة ولا يود أي منهما ان يكون من يجهض احتمال انعقاد جلسة تشريعية من اجل ذلك او ان يقفا في وجه ذلك خصوصاً ان مصالح اللبنانيين على المحك ما يعني خسارة شعبية مؤكدة اذا تم تعطيل الجلسة لسبب ما، لكن من مصلحتهما ان يرفعا سقف مطالبهما من اجل تحقيقها ومن اجل تعزيز موقع كل منهما لدى حلفائه. وحين يطلق البطريرك الماروني الدعوة الى مقاربة موضوع الوضع المالي وان مغلفة بدعوات لاخذ مطالب الافرقاء المسيحيين في الاعتبار، فإنما استنادا الى ان الاولوية المالية تسبق الاولويات الاخرى ولا تلغيها. وكان مفاجئا بالنسبة الى بعض المراقبين ان يعطي رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع قانون استعادة الجنسية وقانون الانتخاب الاولوية “والباقي تفاصيل” كما قال في حين انه يدرس بتأن مواقفه. وحين كاد التيار الوطني ان يوافق الاسبوع الماضي على المشاركة في الجلسة التشريعية بعد وضع بندين من مطالبه على جدول اعمال الجلسة التشريعية عاد عن قراره بعدما شارف اعلان النيات بينه وبين حزب القوات على الاهتزاز فعلا اذ كانت المشاركة العونية ستترك حزب القوات وحده مشترطا وضع قانون الانتخاب على جدول اعمال الجلسة التشريعية بعدما حصل التيار العوني على بندين له في الجلسة. فتم انقاذ اعلان النيات باعادة التنسيق والاتفاق على موقف موحد. وحتى الآن خاض الفريقان تجربة الاندفاع معاً بالقانون الارثوذكسي على غير اتجاهات حلفاء كل منهما فلم يتمكنا من فرض الاخذ بموقفهما كفريق مسيحي له التطلعات نفسها وعاد كل منهما الى الانضواء تحت سقف تحالفاته الواسعة. وعلى رغم ان الفارق راهنا بين المرحلة السابقة والمرحلة الحالية هو وجود اعلان نيات بين التيار الوطني وحزب القوات، فإن موقفهما الموحد يفتقد الى قانون انتخابي واحد متفق عليه وذلك ما لم يكن مطلب وضع قانون الانتخاب هو لنيل ترضية معنوية شكلية ولكن مهمة ليس الا، اي ان الافرقاء المسيحيين الاساسيين او بالأحرى الفريقين المعنيين يمكنهما بقوتهما التمثيلية فرض ما يرغبان في ادخاله على جدول الأعمال ولو ان قانون الانتخاب لن يقر بل سيتم ترحيله مجددا الى اللجان او لجنة ما لدرسه خصوصاً في ظل وجود مجموعة مشاريع مرتبطة اكثر من انتخابات رئاسة الجمهورية بالصراع الداخلي والاقليمي انطلاقا من ان قانون الانتخاب اكثر اهمية بالنسبة الى التوازنات السياسية في البلد ومحاولة تغليب فريق على آخر. ثمة محاذير في المقابل من تحويل الخلاف على الجلسة التشريعية ازمة مسيحية – اسلامية مع طرح مشاريع قد تجد تربة خصبة لتسعير المواقف ورفع السقوف كمشروع اعطاء جنسية الام لاولادها في هذا التوقيت بالذات ما يعمق المأزق في البلد بدلاً من المساعدة على الخروج منه.
لو أن لبنان التزم سياسة النأي بالنفس إيران ربطت مصير الرئاسة بمصير الأسد!
اميل خوري/النهار/9 تشرين الثاني 2015
يتساءل الناس، العاديون منهم وغير العاديين، هل يعقل أن تكون ايران قادرة وحدها على تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية والى أجل غير معروف، ولا يكون في وسع أي دولة من الدول المؤثرة والتي تدعو بالحاح الى انجاز الاستحقاق الرئاسي، أن تغير موقفها وأقله فصل ازمة الانتخابات الرئاسية عن ازمات دول المنطقة ولاسيما الازمة السورية؟ يقول سياسي مخضرم إن ما جعل حل الازمات في لبنان مرتبطاً بحل ازمات في دول المنطقة هو ارتباط قادة فيه بخارج الى حد الارتهان له والتزام ما يقرره، عدا أن وجود سلاح خارج الدولة يساعد هذا الخارج على التدخل في شؤون لبنان الداخلية والاستقواء به على الدولة اللبنانية وتعطيل قراراتها أو الحؤول دون تنفيذها. فالسلاح الفلسطيني في لبنان وكان خارج إمرة الدولة ربط حل ازمة لبنان بحل القضية الفلسطينية وحال دون اجراء محادثات مع اسرائيل لاستعادة ارضه المحتلة ما لم تتناول هذه المحادثات تحرير الاراضي الفلسطينية لانه بتحريرها يستطيع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان العودة الى ديارهم، وإلا ظلوا عبئاً عليه وعلى تركيبتـــه الديموغرافية اذا ما تحـــوّل استيطانهـم الى توطين، وعندها تصبح وحدة لبنان ارضاً وشعباً ومؤسسات معرضة للتقسيم. وعندما خضع لبنان للوصاية السورية واصبحت هي الآمر والناهي فيه بات تحرير اراضيه التي تحتلها اسرائيل مرتبطاً بتحرير الجولان السوري، مع ان لكل من الاحتلالين وضعاً مختلفاً، ومهمة القوات الدولية في جنوب لبنان ليست كما هي في هضبة الجولان، كما ان قرارات مجلس الامن الدولي تختلف بمضمونها في ما يتعلق بالجنوب وبالجولان السوري. ومع ذلك لم يتمكن لبنان من تحرير ارضه المحتلة بمعزل عن سوريا وتحت شعار “تلازم المسارين” لا بل تلازم المسار والمصير بين البلدين. واليوم ربط وجود سلاح “حزب الله” خارج الدولة ازمة الانتخابات الرئاسية في لبنان بالازمة السورية المعقدة ومصير الرئاسة فيها بمصير الرئاسة في لبنان. وكما كان للقيادة الفلسطينية كلمة في الانتخابات الرئاسية في لبنان وفي غيرها من الشؤون الداخلية نظراً الى وجود سلاح خارج سلطة الدولة، كان لوجود القوات السورية ايضاً في لبنان الكلمة العليا فيها. والكلمة حالياً هي لايران نظراً الى وجود سلاح “حزب الله” الممول منها والخاضع لامرتها، ولأن مصلحتها هي في جعل الانتخابات الرئاسية في لبنان ورقة ضاغطة في يدها، فقد ربطتها بورقة الحل الشامل في سوريا وحتى بمصير الرئيس بشار الأسد بالذات، حتى اذا استطاعت ابقاءه في الحكم من خلال أي حل في سوريا، تساهلت ايران في حل ازمة الانتخابات الرئاسية في لبنان وفي اختيار الرئيس المناسب للظرف المناسب. أما اذا لم تستطع ابقاء الرئيس الأسد في الحكم فسيكون لايران موقف آخر من لبنان كأن يكون الرئيس موالياً لها ولخطها السياسي ومع محورها في المنطقة تعويضاً لما قد تخسره في سوريا. لذلك يمكن القول إن القادة في لبنان الذين ربطوا قرارهم بخارج هم الذين يتحملون مسؤولية ما آل اليه لبنان، اذ انهم كانوا مع القيادة الفلسطينية ولم يكونوا مع السلطة اللبنانية، واستقووا بالسلاح الفلسطيني على سلاح الدولة فكانت حرب السنتين، ثم ربطوا قرارهم بالقيادة السورية ولم يتفقوا على وقف الاقتتال الا بعد تدخل عسكري سوري فرض وصاية على لبنان مدة 30 عاما. وها ان بعضهم يربط الآن مصير الرئاسة الاولى فيه بمصير الأزمة السورية مستفيداً من وجود سلاح “حزب الله”. فلو ان لبنان التزم سياسة “النأي بالنفس” التي اعتمدتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ولم يلتزمها “حزب الله”، لما كان لبنان يعاني اليوم ما يعانيه، ولما كان في حاجة الى انتظار كلمة اي خارج، ولاسيما ايران، لانتخاب رئيس للجمهورية. فتدخل “حزب الله” عسكرياً في سوريا أخرج لبنان عن حياده وربط حل أزماته بحل الأزمة في سوريا. اما مواجهة الارهاب اذا ما هدد لبنان، فما كان في حاجة للدخول الى “وكره” في سوريا، بل حصر هذه المواجهة عند الحدود بقوة الجيش ومقاومة كل اللبنانيين لأن في الوحدة انتصارا وفي الانقسام انكساراً.