الهجوم على ترمب وقانون الهجرة
ممدوح المهيني/العربية نت /01 شباط/17
الكثير من الجدل ثار حول قرار إدارة ترمب منع مواطني 7 دول غالبيتها مسلمة من دخول الولايات المتحدة الأميركية لفترة مؤقتة. وجهة نظر الإدارة الجديدة أن المنع ليس دائماً وليس موجهاً للمسلمين بشكل عام وإلا لمنع مئات ملايين المسلمين حول العالم مرة واحدة، وهو أمر بالطبع مستحيل حدوثه.
ومع هذا فإن بعض المعترضين على القرار شككوا في عدالته، معلنين أن السعودية ومصر وباكستان غائبة عن قائمة الممنوعين وكأن المطلوب، حسب وجهة نظرهم، زيادة عدد المسلمين المحظورين وليس تقليلهم. قائمة الدول الـ7 المحظورة هي نفسها المراقبة في عهد الرئيس أوباما الذي يخضع المتقدمون منها لمراقبة شديدة قد تستمر لستة أشهر أو أكثر. رأي الإدارة الجديدة أن الاختيار وقع بسبب الفوضى التي تعيشها هذه الدول بحيث يصبح من الصعب توفير معلومات أمنية موثوقة عن مواطنيها الراغبين في الهجرة أو الزيارة. هذه ليست المرة الأولى التي يُمنع فيها مواطنو دول معينة بدخول الولايات المتحدة، ولكن بسبب شخصية ترمب والطريقة التي قدمت بها ثار كل هذا الجدل الكبير، وقلل من أهمية قضايا أكبر وأهم لمنطقتنا مثل الاتفاق على وضع مناطق آمنة في سوريا، ومواجهة التهديد الإيراني كما جاء في حديث ترمب مع الملك سلمان.
لنفهم دوافع القضية بشكل عادل علينا أن نفهم دوافع المشاركين ونختبر مواقفهم الحقيقية. لا أتحدث عن الموقف الأخلاقي والإنساني ممن يدافعون عن المستضعفين والمهددين الباحثين عن ملجأ يقيهم من المآسي الفظيعة التي مروا بها. هؤلاء موقفهم واحد في كل القضايا ويقومون بأدوار مهمة في خدمة المضطهدين ولكنهم يتحولون سريعاً لأداة بسبب السياسيين المخادعين والإعلاميين الحزبيين والفنانين المنحازين المبدعين والمخابيل، وهذه الفئات الثلاث هي من أشعلت الاحتجاجات الأخيرة لأهدافها الخاصة.
من المفهوم أن يتعارك السياسيون في الأنظمة الديمقراطية بهدف الوصول إلى السلطة. هذه لعبة مفهومة وننسى أحياناً نحن البعيدون عن هذه الألاعيب والممارسات الخبيثة المقبولة أن بكاءهم ونحيبهم ليس من أجلنا ولكن من أجل أهداف وطموحات حزبية لا أكثر. هل ستقوم كل هذه الضجة الكبيرة لو كان الرئيس أوباما هو من أصدر قرار الحظر مع أنه عمل به بشكل سري ولكن لم يعترض أحد. بالطبع لا، ولكن لأن هزيمة ترمب (المعادي للمؤسسة السياسية التقليدية في واشنطن) لهيلاري بشكل قاس وغير متوقع فقد جاء الهجوم عاصفاً واستخدمت فيه كل الأسلحة المشروعة والمحرمة. مذل أن يهزمك منافس كفؤ ولكن المذل أكثر أن يهزمك منافس أضحوكة، كما يرى الديمقراطيون وحتى المتحالفون معهم من الجمهوريين ترمب. لذا يجدونها فرصة سانحة للانقضاض عليه في أول أيامه. لكنهم بالطبع لا يعيرون للأخلاق والقيم أي مكان وهذا مفهوم في عالم السياسة. جون كيري شارك بمظاهرة في اليوم الأول لرئاسة ترمب. والرئيس السابق أوباما لم يحرك ساكناً ولم يبد أي تعاطف صادق مع المجازر الفظيعة في حلب، ومع هذا كسر العرف التقليدي الذي يمنع أن ينتقد رئيس راحل رئيساً جديداً حتى لا يدمر الشرعية الرئاسية للمنصب، وانتقد ترمب بعدها بأيام لأجل مصالح حزبية وشخصية. رغم أن اللاجئين السوريين كانوا يتدفقون بمئات الآلاف إلا أن المقبول منهم كان قليلاً جداً. في عام 2011 قبل 29 لاجئاً، في 2012 زادوا اثنين، في 2013 قفز الرقم ليصل لـ 36 لاجئاً وفي 2014 تجاوزا حاجز المائة.
أرقام بسيطة في عز همجية الحرب والبراميل المتفجرة ومنظر الطفل إيلان كردي غارقاً على الشاطئ التركي، ولم نسمع ضجيجاً سياسياً وأخلاقياً كما نسمع هذه الأيام. سوزان رايس مستشارة أوباما للسياسة الخارجية كتبت تغريدة وصفت قانون الحظر بالعمل المجنون، مع أنها أكبر المعارضين للتدخل الأميركي في سوريا بنفس الوقت الذي ارتكبت فيه الجرائم العلنية على يد الميليشيات الإيرانية. تغريدة مخادعة بالطبع لكنها للأسف مقبولة في صراع الأحزاب ولا علاقة لها بأوجاع البشر التي تدعي الدفاع عنهم.
أما حرب ترمب مع الإعلام فهي مفتوحة وعلنية منذ أن أعلن ترشحه للانتخابات وزادت عقب فوزه. وإصرار ترمب على استخدام حسابه في تويتر هو مواجهة صريحة يعلن فيها صحافيون معروفون أنه ليس رئيسهم ولم يعترفوا بشرعيته لحد الآن. وعلى الرغم أنه اختار أعضاء إدارة محترمين على نطاق واسع، إلا أن هذا لم يشفع للإدارة الجديدة بأي كلمة إيجابية بحقها وتم التركيز بشكل مبالغ فيه وغير عادل على عيوبها وأخطائها. وبعد قرار الحظر وجد هذا الإعلام المحترف الذي تخلى بشكل مؤسف عن حياديته فرصة للانقضاض الشرس في محاولة واضحة ومتعمدة للإجهاز على الإدارة الجديدة وتلطيخ صورتها بوصفها بالعنصرية والفاشية والمعادية للمسلمين. إذا كان هؤلاء الصحافيون يهتمون للضعفاء من المسلمين لماذا لم يقولوا كلمة واحدة بحق المجازر والعمليات الإرهابية على يد النظام الإيراني، بل فعلوا العكس. لم يشككوا ولو بالكلام بموقف الرئيس أوباما المتساهل مع هذا النظام الذي زرع بذور الشر ويهدد الدول المعتدلة. العكس هو الذي حدث وتتلقى الدول التي تحارب الإرهاب مثل السعودية ومصر هجوماً عنيفاً ومستمراً في الوقت الذي تقام المحاضرات لظريف ليتحدث عن التآخي والسلام. نفس الشيء ينطبق على جماعات الفنانين الناقمين بسبب قوانين يمكن أن تتغير ولكنهم لم يهتموا لأوجاع الآخرين خارج المطارات.
أهم اعتراض ساقه المعترضون على القرار هو أنه سيسهم بإغضاب المسلمين وسيرفع وتيرة التجنيد في الجماعات الإرهابية. مغالطة واضحة وإهانة علنية. مغالطة لأن الجماعات المتطرفة ليست بحاجة، بسبب ثقافة الكراهية السائدة، لأي سبب لجلب مزيد من الإرهابيين لصفوفها. أوباما استخدم وسيلة الصمت وعدم الاستفزاز ومع ذلك تشكلت داعش والحشد الشعبي في عهده. وهي إهانة لأنها تصور المسلمين كلهم وكأنهم وحوش مستعدون للانخراط في الإرهاب بسهولة ولا يعترفون بالمنطق ولا الحوار ولا حتى الاعتراض المدني. المؤسف أن من يقوم بهذه الحيلة هي الزعامات الدينية في الغرب التي تهدد الحكومات مع كل خطوة يعتبرونها ضد المسلمين بأنها ستخلق حالة من الغضب في المجتمعات الإسلامية تجعلهم يخرجون هائجين في الشوارع يقتلون من يجدونه أمامهم. كلام مهين يقال في سياق الدفاع عن المسلمين ولكنهم في الحقيقة ينظر لهم بدونية باعتبارهم غير ناضجين، ولا نسمع كلاماً مثله يقال على شعوب وأتباع أديان أخرى.
هناك من يريد أن يصورها بأنها حرب على المسلمين كما يريد المتطرفون لدينا لتعميق ثقافة الكراهية وهناك في الغرب يستخدمون المسلمين لأهدافهم السياسية والحزبية من أجل الإطاحة بترمب. ولكن أليس من مصلحتنا نحن أن نتوقف قليلاً عن ترديد ما يقال في الإعلام الغربي من اتهامات الآخرين بالعنصرية والفاشية وحتى النازية ونقول لأنفسنا بصراحة: لننسى ترمب قليلا.. لماذا أصبحنا لعبة في يد الآخرين المتطرفين لأهدافهم الإرهابية، والسياسيين في الغرب لأهدافهم الحزبية. لماذا لا نبدأ بإصلاح أوضاعنا ومحاربة المتعصبين بدل أن نستمر بشتم الآخرين. هذه الوسيلة الوحيدة وحتى لو ذهب ترمب سنجد ترمب آخر نلقي عليه كل مشاكلنا.