يصر رئيس “التيار الوطني الحر”، حديثاً، وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، على الحفر عميقاً وصولاً إلى إخراج كل ما في جعبته من عنصرية، ويمينية، وإن كان في موقع يتطلب منه أن يكون أكثر تحضراً في استعمال مفرداته وإنتقاءها. وبينما قدمت بالأمس القريب كندا حكومة تاريخية برئاسة الشاب جاستن ترودو، تضم مناصفة كاملة جندرياً، وتنوعاً ثقافياً فريداً، فكان في عدادها كل المكونات الكندية، عرقياً، ولغوياً، ودينياً، من دون تهميش، أو تمييز، واضعاً ذلك في إطار التطور ومواكبة العصر، بقوله “إننا في العام 2015″، يخرج في الجانب الآخر من هذا الكوكب وزير خارجية رافضاً “المقايضة بين اعادة الجنسية اللبنانية للبناني الاصيل باعطاء الجنسية لفلسطيني وسوري”. هكذا أجرى سريعاً جبران باسيل فحوص حمض نووي للملايين. وجاءت النتائج بما لا يقبل التأويل بأن كل من ليس من العرق اللبناني الصافي، لأب لبناني وأم لبنانية، لا يمكنه أن يكون من رعايا الجمهورية اللبنانية العظمى، التي تغدق كرمها على مواطنيها، وتقدم لهم الرعاية والحماية، وكل ما لذ وطاب من خدمات صحية وبيئية وثقافية وتعليمية. وبعد الفحوص النووية لجبران، صنف ووضع جداول وقسم وفرز، مستخدماً ما تبقى فكرياً من مدرسة النازية والعرق الأبيض، على الرغم من أن عمه الذي أورثه “التيار”، خرج قبل أسابيع ليعتبر نفسه علمانياً وعلى “رأس السطح”. علمانية يبدو أنها أقرب الى علمانية الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، بنكهة مسيحية، تعود الى قرون خلت ولا يشبهها سوى ممارسات الكنيسة الأوروبية قبل الثورة الصناعية. ليست درر باسيل حديثة العهد. على مدار الأعوام الماضية أتحف المجتمع الدولي بنظريات فكرية قل نظريها، قد تتطلب أن يؤسس لها في ما بعد مؤسسة فكرية لنشر فكره، تقليداً لمؤسسه عمه الفكرية التي أعلنت بناته الثلاث عنها. لمَ لا! فما قدمه من نظريات تتعلق بحقوق الإنسان يجب أن تدرس بوصفها الأكثر عنصرية وبشاعة. وبعد تأسيس المؤسسة، قد يتطلب هذا الرقي والسمو الفكري، بعضاً من الإنتشار عالمياً، وقد يكون الأنسب أن يتبوأ وزير الخارجية اللبنانية، منصباً أممياً، كمفوضية اللاجئين، أو مجلس حقوق الإنسان، أو حتى الأمانة العامة للأمم المتحدة، عله يقدم دروساً مجانية للدولة الكندية لإعادتها دولة حصرية للعرق الأبيض الأوروبي الناصع، ويضع سياسات طرد لما تبقى من سكان أصليين أو مهاجرين أفريقيين أو إسلاميين، وبطريقته عساه يحل مشكلة الهجرة إلى أوروبا ومحاولات أسلمتها، خصوصاً أنه لا شك تفوق على أعتى نماذج اليمين الأوروبي، مضارباً على جان ماري لوبان وابنته مارين، وريثته سياسياً. وإن فشل في تبوأ المناصب الأممية، فليطلب أن يصبح مستشاراً سياسياً أو حقوقياً في الفاتيكان، عساه يعيد الكنيسة الى سكة الصواب، بعد الإصلاحات الفريدة التي أدخلها البابا فرنسيس مؤخراً، والتي قد يعتبرها باسيل ضرباً لدور الكنيسة، وللمسيحيين حول العالم. رد جبران الثاني، جاء تعليقاً على النقاش الدائر بين قانون استعادة الجنسية اللبنانية، وبين حق منح الأم اللبنانية جنسيتها لأولادها، وإن كان كلا الأمرين حق، إلا أن الأولويات تحتم الميل والتحيز الى الأم اللبنانية، خصوصاً أن عدداً كبيراً منهن مقيمات في لبنان، من دون أن يتمتع أولادهن بالحقوق الصحية والدراسية والعمل، فيما من هاجر من لبنان، أغلبهم بات يتمتع بحقوق تؤمن له العيش بكرامة، وإن كان لا يزال يرتبط بلبنان، إلا أن استعادة الجنسية لن تكون سوى لأسباب كمالية أو سياسية. لكن هل يدرك السياسي المحنك، وخليفة شارل مالك، وغسان تويني، أن من بين من يريد حقاً استعادة الجنسية اللبنانية، سوريين وفلسطينيين، وهل فطن الى ذلك، عله يضيف فقرة في القانون تلحظ الإستعادة لمن لم تتلوث جيناته بهويات أو عرقيات أو ديانات أخرى، أو بالمختصر، فليلحظ استعادة الجنسية لمن يدين بالمسيحية حصراً، وبالتالي فلتمنح المرأة اللبنانية أولادها الجنسية تبعاً لدراسة طائفتها وطائفة أولادها. وبعيداً عن الدخول في النقاش القانوني المعمق، من الضروري أن يخبر أحد ما وزير الخارجية ذو الأملاك الحلال، أن الشعب الذي يرعاه، بات يبحث عن أي جنسية، أو هجرة، شرعية أو غير شرعية، تاركاً له ولغيره من الطبقة السياسية، الأرزة والتراب والعلم اللبناني والهوية والإنتماء والشعارات الوطنية بوصفها لا تغني ولا تسمن عن جوع.
تعليق الياس بجاني على مقالة لمحمد شبارو موجودة على موقع المدن كندا دولة علمانية أما لبنان فلا، والمقارنة لا تجوز وتجنيس مليون مسلم في لبنان يلغي الوجود المسيحي فيه
الياس بجاني/09 تشرين الثاني/15
أخي محمد شبارو: بداية ردي هذا هو ليس دفاعاً عن الوزير باسيل لا من قريب ولا من بعيد وبالطبع ليس دفاعاً عن وضعه الشاذ بكل المقاييس الأخلاقية والسياسية وهو ما انتقده بشدة وعن قناعة بشكل شبه يومي في كل كتاباتي ومنذ فرضه على الساحة في سنة 2006 من قبل عمه المهووس برئاسة الجمهورية، ولكن ما أريد أن ألفتك إليه بمحبة أن المقارنة التي جاءت في مقالتك بين كندا ولبنان لا تجوز بالمرة وانا مقيم فيها منذ 30 سنة. كندا يا عزيزي بلد علماني لا دور للأديان والمذاهب في تكوين مؤسساته أو في عملها لا من قريب ولا من بعيد ولا وجود لمآذن ولا لأجراس كنائس، والكل فيها تحت القانون والقانون يطبق على الجميع ولا وجود لأي تهديد وجودي لأي من مكونات المجتمع الكندي. أما الكنديون الأوائل وهم الهنود فلهم مميزات جداً كبيرة وسلطة على الأماكن التي يقيمون فيها وعندهم شبه استقلال ذاتي.
أما في لبنان فالنظام مذهبي ومجتمعه مركب ولكل مذهب محاكمه الخاصة به لجهة الأمور المذهبية والوراثة والزواج كما هناك ميثاقية في كوتات محددة لكل مذهب في المؤسسات الحكومية والمواقع كافة من مثل مجلس النواب ومجلس الوزراء والخ.
وبما أن النظام ليس علمانياً والتهديد المذهبي قائم فمن حقنا نحن المسيحيين كما من حق غيرنا من الشرائح اللبنانية أن تصون وجودها السياسي الفاعل وتدافع عنه وهذا أملا لا علاقة له لا بشرعة الحقوق ولا بالعنصرية.
والفتك إلى أن مقدمة الدستور اللبناني تقول بضرورة صون العيش المشترك، والعيش هذا بالتأكيد سوف يهدد عندما تعطى الجنسية اللبنانية لما يقارب المليون من أولاد الزوجات اللبنانيات المتزوجات من سوريين وفلسطينيين وعرب ومن بلدان مختلفة.
الأمر هنا دون لف أو دوران أو نظريات ليس له علاقة لا بالعنصرية ولا بحقوق الإنسان ولا بأي معايير معمول بها في كندا أو غيرها من البلدان العلمانية.
انظر ما هو وضع المسيحيين وغيرهم من الأقليات في كل الدول الإسلامية ودون استثناء والعربية منها تحديداً، فهل في أي من هذه الدول يتمتع المسيحي أو غيره من أفراد الأقليات بحقوق المواطنة الكاملة؟ بالطبع لا وهو مقهور ومضطهد ويعامل بذمية ويذبح ، كما أن كل دول الخليج العربي الإسلامية تحديداً تمنع قوانينها إعطاء جنسياتها للمسيحي ويمنع حتى على المسيحي أن يكون له أي وجود في المؤسسات التعليمية. كما أن من يولد في هذه الدول لا يسمح له القانون بالحصول على جنسيتها، وفي نفس الوقت الزوجة لا تعطي وزجها جنسية بلدها. شخصياً عملت في إحدى الدول الخليجية لمدة 25 سنة وأولادي ولدوا فيها ولم يعطيهم دستورها أية حقوق لأنهم مسيحيون.
باختصار يا عزيزي مقالتك كانت ستكون ممتازة وواقعية وحقوقية وإنسانية لو أن لبنان هو مثل كندا أو أية دولة غربية علمانية ولكن بما أنك تتحدث عن لبنان فأسمح لي أن أعارضك في كل ما جاء فيها لأنها لا تحاكي واقع لبنان ولا واقع دول الجوار.
*الكاتب ناشط لبناني اغترابي
عنوان الكاتب الالكترونيphoenicia@hotmail.com