سياسة أوباما… حالة أميركية دائمة؟
خيرالله خيرالله/المستقبل/09 تشرين الثاني/15
من يزور واشنطن دي. سي. هذه الأيّام يجد نفسه مجبراً على طرح سؤال يفرض نفسه بقوّة: هل سياسة أميركا الجديدة في الشرق الأوسط مرتبطة بباراك أوباما وعهده أم إن هذه السياسة القائمة على التفرج من بعد على ما يدور في المنطقة صارت سياسة دائمة، بل حالة أميركية دائمة؟ لا يقتصر التغيير الجذري في السياسة الأميركية على كيفية التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط. هناك عملياً تغيير شمل أيضاً طريقة اتخاذ القرار في الدوائر العليا أيضاً. لذلك يبدو ارسال عدد من الجنود الأميركيين من القوات الخاصة الى سوريا، أقرب الى نكتة من أي شيء آخر، وذلك في وقت هناك وجود إيراني كبير مباشر وغير مباشر على الأرض السورية، وهناك قوات روسية تقاتل بكلّ الوسائل من أجل إنقاذ نظام بشّار الأسد الذي لا مجال لإنقاذه.
انعكس الانقلاب الذي شهدته واشنطن دي. سي. على الأمم المتحدة التي باتت عاجزة اكثر من اي وقت عن اتخاذ أي قرار ملزم في شأن أي أزمة من الأزمات العالمية، خصوصاً في الشرق الأوسط. لم يعد من قرار آخر خارج الدوائر العليا في العاصمة الأميركية.
ربّما بات من الخطأ استخدام عبارة الدوائر العليا في واشنطن. لم تعد هناك في الواقع سوى دائرة علياً واحدة هي الدائرة الصغيرة المحيطة مباشرة بباراك أوباما. وزير الخارجية جون كيري لم يعد سوى رجل مهمّش يتظاهر بالقدرة على التعاطي مع أزمات العالم، فيما هو في الواقع يتفرّج عليها بصفة مراقب لا أكثر.
هذه الدائرة الصغيرة في البيت الأبيض، التي لا تعرف الكثير عن الشرق الأوسط، جعلت الأولويات الأميركية مختلفة تماماً، خصوصاً بعدما استطاعت الولايات المتحدة التقليل من اعتمادها على نفط الخليج. هناك اتجاه أميركي إلى التركيز على منطقة المحيط الهادئ وعلى علاقات من نوع جديد مع أوروبا التي أصبحت واشنطن تتعاطى معها من منطلق أنها القارّة العجوز التي عليها أن تتدبّر أمورها بنفسها، بما في ذلك المشكلة الناجمة عن تدفّق اللاجئين السوريين بالآلاف على دولها.
على سبيل المثال وليس الحصر، يُعتبر بلد مثل اليمن في غاية الأهمّية بالنسبة الى الأمن الخليجي. اليمن ليس على لائحة الأولويات الأميركية في أي شكل. هناك سعي عربي لمنع سقوط اليمن وتحوّله الى مستعمرة إيرانية. في المقابل، ليس ما يشير إلى أنّ الإدارة الأميركية تعي هذا الواقع. هناك بالكاد، في واشنطن، حديث خافت عن اليمن وعن ضرورة عدم تحوّله الى بؤرة للإرهاب مستقبلا. ليس هناك وعي أميركي من أي نوع، أقلّه في دائرة القرار، لمعنى انهيار السلطة المركزية في صنعاء ولإفلات الجنوب من أي ضوابط ومن قدرة «القاعدة» و»داعش» على ملء الفراغ الناجم عن ذلك. الأخطر من ذلك كلّه، أن لا وجود في واشنطن لأيّ تقدير لخطورة الظاهرة الحوثية ومدى ارتباطها العميق بإيران وميليشياتها المذهبية في المنطقة. فوق ذلك، لا اهتمام يذكر في الدوائر الأميركية لظاهرة الميليشيات المذهبية التي ترعاها إيران، من لبنان إلى سوريا، إلى العراق، إلى اليمن، والتي تعتبر مكملة لـ»داعش»و»القاعدة»، خصوصاً أنّ كل ما تفعله هذه الميليشيات هو إيجاد حاضنة شعبية ينمو فيه الإرهاب والتطرّف السنّيين، خصوصاً في سوريا والعراق واليمن.
لعلّ أكثر ما يلفت النظر في واشنطن وجود مراكز أبحاث تضمّ عدداً كبيراً من المختصين والخبراء الذين يعرفون الكثير عن المنطقة. هناك شبه إجماع لدى هؤلاء على أنّ لا تأثير يذكر لمراكز الأبحاث وحتّى لوزارة الخارجية على الدائرة الضيقة التي يتّخذ فيها القرار. السفير الأميركي المهمّ هو ذلك الذي لديه علاقة مباشرة بالبيت الأبيض. في ما عدا ذلك، لا قيمة لسفراء الدولة العظمى الذين باتوا مجرّد موظّفين في إدارة كبيرة تتحكّم بها الإجراءات البيروقراطية.
نعم، هناك أميركا جديدة. أميركا باراك أوباما التي لا يمكن الرهان عليها في سوريا أو العراق أو اليمن… أو لبنان. أميركا هذه معجبة بإيران وبحيوية المجتمع الإيراني الذي تحرّك في العام 2009، لكنّه لم يجد دعماً أميركياً له.
لا تطرح هذه الإدارة سؤالاً في غاية البساطة. هذا السؤال مرتبط بما ستفعله إيران في حال رفع العقوبات الدولية عنها والإفراج عن مليارات من الدولارات العائدة لها في ضوء توقيعها الاتفاق في شأن ملفّها النووي؟ أين ستوظف هذه المليارات؟ هل توظفها في دعم الميليشيات المذهبية التي تعمل على تدمير المجتمعات والبنى التحتية في لبنان وسوريا والعراق واليمن بعدما سعت قبل فترة قصيرة، لكنّها فشلت، في تحويل البحرين الى محافظة إيرانية؟
مثل هذا النوع من الأسئلة لم يعد مطروحاً في واشنطن. لذلك، لم يعد أمام معظم العرب سوى تحمّل مسؤولياتهم. فعلوا ذلك في مصر حيث ساعدوا الشعب المصري في التخلّص من نظام الإخوان المسلمين. وفعلوا ذلك في اليمن حيث لم يكن من مجال سوى للتصدّي لـ»انصار الله» الذين ذهبوا الى طهران لتوقيع اتفاقات عسكرية واقتصادية من منطلق أن الحوثيين قاموا بثورة وسيطروا على البلد كلّه وباتوا يمثّلون «الشرعية الثورية». من يتذكّر الخطاب المشهور لعبدالملك الحوثي الذي تحدّث فيه عن «ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر» وذلك في اليوم الذي سيطر فيه الحوثيون على صنعاء بالكامل؟ كان ذلك في العام 2014، اي في تاريخ لم يمرّ عليه الزمن بعد!
تغيّرت أميركا. انعكس ذلك على الأمم المتحدة التي تبدو حالياً عاجزة عن الإقدام على أي خطوة في أي اتجاه كان. لعلّ الدليل الأوضح على ذلك تحوّل المنظمة الدولية إلى شاهد زور على المأساة السورية. لم يشهد العالم مأساة من هذا المستوى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. قامت الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بغية تفادي تكرار المآسي التي رافقت تلك الحرب. للمرّة الأولى هناك تهجير لما يزيد على عشرة ملايين شخص، فيما الأمم المتحدة لا تحرّك ساكناً. هل من مأساة أكبر من هذه المأساة؟ هل من عجز أكبر من هذا العجز؟
إلى أيّ حدّ سيذهب باراك أوباما في تغيير أميركا؟ الثابت أنّه غيّر السياسة الخارجية للولايات المتحدة على نحو جذري. نفّذ انقلاباً بكلّ معنى الكلمة. السؤال الآن هل يستمر الانقلاب وتصمد مفاعيله وتترسّخ أم تنتهي هذه المفاعيل مع نهاية ولاية أوّل رئيس أسود للدولة العظمى الوحيدة في العالم؟
الجواب صعب ومعقّد. كلّ ما يستطيع قوله المتابعون للشأن الأميركي إن أي رئيس مقبل لا يمكن أن يكون على صورة أوباما الذي يتبيّن كلّ يوم أن لديه أيديولوجية قريبة جداً من الأيدولوجية اليسارية، عرف كيف يخفيها خلال ولايته الأولى، لكنّها ظهرت جليّة في ولايته الثانية.
بشار الأسد أصل الأزمة السورية
عبد العزيز التويجري/الحياة/09 تشرين الثاني/15
في خضم التطورات المتلاحقة التي تمر بها المنطقة العربية، والتي يكتنف بعضَها قدرٌ كببر من الغموض، يتساءل المراقبون الذين يبحثون عن الحقيقة: هل التحركات السياسية التي تجري الآن هي محاولات لإضاعة الوقت، أو لكسبه، أو هي تحركات ديبلوماسية جادة لإيجاد تسوية عادلة للأزمة السورية؟. وهل توَافقَ القطبان المتصارعان على التوصل إلى مخرج من المأزق الذي دخلا فيه، أم تراهما قد فشلا في الانتهاء إلى توافق ينقذهما من تورطهما فيه حينما عجزا عن التحكم في مسار الأزمة عند اندلاعها في الوقت المبكر؟. وهل هناك مبادرة روسية فعلاً تطرحها للنقاش في هذه الاجتماعات المتعاقبة التي تعقد في فيينا؟. وما هي ملامح هذه المبادرة؟. وهل ستكون حلاً يحقق آمال الشعب السوري وثورته ضد الطغيان؟. أم ستكون إجهاضاً لها؟. إن الإصرار الذي تبديه روسيا على بقاء نظام بشار الأسد جاثماً على صدور المواطنين السوريين، يغلق الباب أمام أية تسوية عادلة للأزمة السورية، لأن بشار أصل المشكلة ورأس الأزمة، ولا سبيل للقضاء على المشكلة وحل الأزمة إلا بإخراجه من المعادلة وتقديمه إلى العدالة الدولية، لأنه مجرم حرب ولغ في دماء الشعب السوري، ولا يمكن إعفاؤه من المتابعة القانونية أمام محكمة الجزاء الدولية، ولا يجوز إطلاقاً أن يكون له دور، أياً كانت طبيعته، في رسم خريطة المستقبل لسورية. وأية محاولة لتجاوز هذه الحقيقة هي ضربٌ من العبث، إن لم تكن هي بعينها التواطؤ مع المجرم الذي قتل الشعب وخرب البلاد وسعى في تهجير عشرة ملايين مواطن سوري يهيمون في أرجاء الأرض. فكيف يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يقبل العالم أطروحته غير المنطقية، وأن يوافق على السياسة العبثية التي يتبعها؟.
ولكن ليس بوتين وحده من سقط في مستنقع هذه الأطروحة، فإن باراك أوباما الذي أظهر عجزه المطلق، وأبان عن تخاذله أمام الضغط الروسي، يقول هو الآخر بقبول بشار الأسد لفترة انتقالية. وهذا تعبير مبهم للغاية. فماذا يقصدون بهذه الفترة الانتقالية؟. وما هو الموقف من القوات الغازية الروسية والإيرانية وميليشيات «حزب الله» والمليشيات العراقية والأفغانية التي تشارك في قتل الشعب السوري؟. إن ثمة أكثر من مؤشر يؤكد أن روسيا دخلت سورية لتبقى فيها لا لتغادرها، وأن الدولة السورية فقدت سيادتها كاملة، وأن هذه السيادة باتت موزعة بين روسيا وبين إيران، وأن العراق يقترب من أن يقع هو الآخر تحت نفوذ روسيا، وأن الولايات المتحدة الأميركية تتابع تنفيذ هذا المخطط من دون أن تقدر، وهي الدولة العظمى، على التصرف السليم والحكيم المطلوب، بحيث تقف في وجه السياسة الروسية التوسعية. فهل سلمت واشنطن مفتاح الشرق الأوسط إلى موسكو مقابل أن تطلق يدها في جنوب شرقي آسيا والباسيفيكي، وأن تكون إيران الوكيل المعتمد لديها في المنطقة؟. وهل نحن مقبلون على عصر استعماري جديد يكون العرب ضحاياه، وتكون روسيا هي سيدة الموقف وصاحبة الأمر والنهي، كما كان الشأن مع الاستعمار القديم. إذا بقي بشار الأسد يقتل الشعب السوري بالبراميل المتفجرة، ويرتكب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، تحت حماية روسيا وإيران، وفي ظل ضعف وتردد أميركا، فلا أمل بحل الأزمة السورية. وإذا استمرت إيران في تنفيذ مخططها الطائفي في إطار ما تسميه القمر الشيعي الذي يمتد من طهران ويمر ببغداد حتى يصل إلى بيروت والخليج وصنعاء، فلا أمن سيستتب في المنطقة، ولا سلام سيعم العالم. أفلا يدرك عقلاء العالم وحكماؤه هذه الحقائق الناصعة، فيبادرون إلى كبح جماح اللاعبين الكبار الذين يتجاهلون المبادئ الإنسانية، ويدوسون بأقدامهم على القوانين الدولية، ويسعون إلى تفتيت بلداننا وقهر شعوبنا وارتهان مستقبل أجيالنا؟. وهل يعي العرب ما يدبّر لهم في العلن، وليس في الخفاء كما كان من قبل، فيبادرون إلى توحيد صفوفهم، وتحصين بلدانهم، والتحرك في الاتجاه الصحيح، ليقطعوا الطريق على العابثين بمصيرهم، والوالغين بدمائهم؟. نعتقد بأن هذا هو السؤال المحوري الذي يتعيّن على العرب كافة، أن يتدبروه ويتأملوه ويتعمقوا في البحث الجاد لإيجاد إجابة منطقية عنه، قبل فوات الأوان، ولات حين مندم.