حزب الله».. العادة على دماء «الشهادة»
علي الحسيني/المستقبل/17 تشرين الثاني/15
لم تعد هناك مشكلة لدى «حزب الله» تمنعه من الاعتراف بسقوط عناصره في سوريا، حتّى ولو تكرر السقوط هذا في اليوم مرّتين أو أكثر، أو حتى ولو أدى إلى سقوط مجموعة بأكملها، وهو الأمر الذي أصبح يتكرّر في المرحلة الأخيرة بشكل لافت، خصوصاً في ظل امتلاك الحزب توصيفات جاهزة ينعى من خلالها هؤلاء العناصر يوماً تحت حجّة «الواجب الجهادي» وأياماً ضمن خانة الدفاع عن «المقامات». بين توصيفات الحزب «الملائكية» التي يهدف من ورائها إلى إعلاء شأن الحرب التي يخوضها ومنحها منزلة «عقائدية» و»إلهية» كما سبق وفعل في حرب تموز 2007، وبين بحثه عن أسباب تخفيفية أمام جمهوره ترفع عنه مسؤولية الدماء وتبعده عن المحاسبة أقله في الوقت الراهن، تتكاثر أعداد القتلى وترتفع بين لحظة وأخرى بشكل مخيف يُنذر بأيام صعبة بدأت تتسلل فعلاً إلى داخل بيئة تحوّلت إلى هدف ثابت عند الحدود وخارجها وأيضاً داخلها من دون أن تجد من يرفع عنها كأس موت يتهددها ويُحاصرها ضمن «مرّبعات» أمنيّة ما عادت هي الأخرى قادرة على حماية نفسها. أسماء جديدة أضيفت أمس إلى سجل عناصر «حزب الله» الذين يتوافدون إلى سوريا تحت «رايات» متعددة للذود عن نظام يلفظ أنفاسه الأخيرة لم يجد غير الإرهاب طريقاً يسلكه للتغطية عن جرائم يرتكبها في الداخل. يوم أمس سقط للحزب في سوريا عنصر إضافي هو محمد علي غسان حمود من بلدة شحّين الجنوبية وما كاد الخبر ينتشر على مواقع التواصل العائدة الى جمهور الحزب بعدما بلغه خبر النعي، حتى شيّع «حزب الله» العنصر محمد محمود نذر من بلدة عرب صاليم الجنوبية وهو من جهاز «الإعلام الحربي» في الحزب سقط في ريف إدلب، وقد ترافق النعي مع بث شريط مصوّر يظهر فيه إلى جانب صديق يتلو آيات قرآنية، وعند انتهائه يتوجّه نذر إلى الكاميرا ليوصي أصدقاءه قائلاً لهم «أوصيكم بقراءة آيات من القرآن كل نهار جمعة عندما أستشهد»، ما يوحي بأن قيادتهم قد وضعتهم بشكل مسبق في أجواء الموت، على عكس حتميّة «النصر» التي تتردد في المناسبات ذات الطابع الحزبي والديني وينقلونها معهم من منبر إلى آخر.هو موت جرى الترخيص له بتوقيع علني يوم أُعلن «الاستعداد للتضحية بثلثي أبناء الطائفة الشيعية مُقابل أن يعيش الثُلث المُتبقّي بكرامة«. ولكن مع هذا السقوط المتكرر للعناصر في أكثر من منطقة في سوريا، يعجز «حزب الله» عن إيجاد أرضية صلبة يُمكن أن يقف عليها بثبات علّه يتمكّن من مداواة جراح أثخنته ووضعته في قفص الاتهام بجرائم حرب وفرضت عليه أيضاً، تبديل خرائطه العسكرية والأمنية وجعلته ينتقل من الهجوم إلى الدفاع والاكتفاء بالمحافظة على مكتسبات ترواح في أعلى مستوياتها، بين موقع هنا وشارع هناك والإاتسلام إلى شعارات تجعل من العناصر يتقبلون الهزيمة بعد فبركتها وقولبتها ومن ثم حشرها ضمن مصاف «الانتصارات» وإعجازاتها اللغوية الجاهزة لخدمة المشروع. يزداد تورط «حزب الله« في الحرب السوريّة وتزداد معه الأمور تعقيداً، فكل مجالسه تحوّلت إلى حلقات وعظ تُشبه الحقن المُسكنة في ظل غياب قدرته على الحسم. حتى الموت استعاد نغمته على يد الإرهاب ضمن مناطق تعتبر خالصة له وحده. ما عادت الحجج تنفع ولا حتّى «وعود إلهية» بالنصر. وحده الخوف يُلاحق قادة وعناصر الحزب من موقع إلى آخر، وعلى جبهات الموت يلتقون ليعزفوا بريشة الوجع مصيرهم المجهول وهناك تُنزع أحلامهم للمرّة الأخيرة. ففي «القلمون» و»الزبداني» و»الغوطة» و»حلب» و»القنيطرة» وريف «إدلب» تنعكس خسائر «حزب الله» وهزائمه إلى عامل توتر لدى جمهور لم يعد قادراً على غض الطرف عن مشاهد النعوش التي تتوافد اليه من خارج الحدود وهو المحكوم باستبدال الدموع بشعارات لكل منها وقعه الخاص.. الدامي.
عودة الإجراءات المشدَّدة لـ”حزب الله” في الضاحية مواجهة عدوّ يبحث عن الموت مهمّة صعبة
عباس الصباغ/النهار/17 تشرين الثاني 2015
بعد ساعات على التفجيرين الارهابيين في برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، استدعى “حزب الله” عناصره من اجازاتهم ونشر العشرات على مداخل الضاحية بصورة غير مرئية، لتفتيش السيارات التي يشتبه فيها بعد فترة من الاسترخاء وتراجع الخطر الارهابي منذ تفجير الطيّونة في حزيران العام الفائت.
على أحد الحواجز التابعة للقوى الامنية قرب طريق المطار لا يرفع احد العناصر رأسه حتى لمعاينة السيارة او من في داخلها لدى توقفها على الحاجز لانه مشغول بمتابعة لعبة على هاتفه الخليوي. هذا المشهد تغير بعد الجريمة المروعة في برج البراجنة، وعادت العناصر الامنية الى التشدد بعض الشيء منهية فترة الاسترخاء الامني. في موازاة ذلك، عاد “حزب الله” الى اجراءاته الامنية السابقة، وكأن عصف تفجيري عين السكة واستشهاد اكثر من 40 مواطناً جلّهم من الشبان، أيقظ العيون النائمة وشد العصب الأمني مجدداً بعد فترة من الهدوء نعمت بها الضاحية منذ عام ونصف عام.
الا ان احد المسؤولين الميدانيين يعترف بصعوبة مواجهة شخص راجل يحمل حزاماً ناسفاً ويسرع نحو الموت وقتل الابرياء، يسأل عبر “النهار”: “ماذا يستطيع الحزب ان يفعل اذا كان انتحارياً يهرول مسرعاً طلباً للموت، وهل يمكن ان نهدده بالقتل مثلاً وهو اصلاً يصبو الى ذلك؟” ولكنه يشير الى ضرورة “اخذ الاحتياطات والقيام بكل ما يمكن لمنع هؤلاء الانتحاريين او على الاقل الحد من الخسائر في صفوف المدنيين الابرياء في حال حصول خرق ما”. اذاً لا سبيل امام سكان الضاحية واحزابها الا اليقظة لمواجهة الارهاب، وفي هذا السياق يعلق احد المواطنين ساخراً: “اذا كنت يقظاً تماماً ووصل الانتحاري وحدث التفجير، ماذا تنفع اليقظة حينها؟”. قد يكون ذلك المواطن على حق، خصوصاً ان تفجيري برج البراجنة اصابا الضاحية بجرح كبير، عدا عن ان منفّذي الهجومين حققا مجموعة أهداف تبدأ من ذلك العدد الكبير للشهداء، وجلّهم من الشبان وبعضهم عناصر حزبية، اضافة الى ان التفجيرين حصلا على بعد امتار من مستشفى الرسول الاعظم على الرغم من الاجراءات الامنية. ولطالما كانت المستشفى على رأس اهداف المجموعات التكفيرية، والاهم في رأي الاوساط الحزبية ان الجريمة عمّقت الشرخ بين اللبنانيين والفلسطينين والسوريين بما ينذر بالاسوأ في المستقبل. وفي هذا السياق تشير معلومات لـ”النهار” الى ان جهوداً غير عادية بذلها “حزب الله” بعد فترة قصيرة من التفجيرين لمنع عناصر لبنانية مسلحة من دخول مخيم برج البراجنة، وان فصائل فلسطينية ساهمت في منع وقوع المحظور على الرغم من الاستنفار الكبير في صفوف منظمات فلسطينية داخل المخيم لحظة سماعهم خبر نيّة مسلحين مهاجمة المخيم.
ولعلّ الهدف الاخير الذي ترمي اليه المجموعات الارهابية هو الأخطر، خصوصاً انها سارعت الى تبني التفجيرين وزعمت ان فلسطينيين وسورياً نفذوا التفجيرات، ليتبين كذب ادعاءاتها، ويبرر السؤال عن الجهة التي اصدرت بيان التبني، مع شكوك في ان تكون غير تنظيم “داعش”.
ووسط هذه التعقيدات تظهر اصوات تسأل عن نجاح انتحاريين في قتل العشرات في الضاحية على الرغم من توقيف احد اعضاء الخلية الارهابية قبل نحو 12 ساعة على وقوع الجريمة، من دون ان يلمح ذلك الموقوف الى تلك الجريمة.